مقالات وآراء

معركة طوفان الأقصى دعم إيران .. بين الاستراتيجية والتكتيك

‭}‬ حمزة البشتاوي

للجمهورية الإسلامية الإيرانية دور مهمّ في دعم النضال الفلسطيني لمواجهة الكيان الصهيوني ومخططاته على مدار سنوات. وعلى مختلف المستويات السياسية، العسكرية. الإنسانية، التكنولوجية والثقافية. بالرغم من التكاليف السياسية والاقتصادية الباهظة التي تكبّدتها إيران في سبيل هذا الدعم إلا أنها لا تزال حتى اليوم، وأمام العالم أجمع. مستمرة في بذل كافة الجهود وتوحيد القوى والإمكانات لخدمة هذه القضية.
وبحكمة وشجاعة تقدّم إيران الدعم، وتبذل أقصى جهودها على المستوى الإقليمي والدولي لوقف العدوان وحرب الإبادة على غزة، وتدعم جبهات الإسناد رغم كلّ التهديدات، بما فيها توجيه ضربات انتقامية داخل إيران من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
ومنذ بداية معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول عام 2023، وبداية العدوان على غزة، جدّدت إيران موقفها وتأييدها للمقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها وأجنحتها العسكرية، وتعدّدت جولات المسؤولين الإيرانيين في المنطقة والعالم، وخاصة جولات وزير الخارجية الدكتور حسين أمير عبد اللهيان، والتي أكدت على جهود إيران الدولية والإقليمية والعربية الهادفة لوقف العدوان، ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته.
وبالإضافة للموقف الرسمي الإيراني، شهد الشارع الإيراني حراكاً شعبياً واسعاً دعماً لغزة وفلسطين، وتمثل في مظاهرات عارمة عمّت أرجاء العاصمة طهران وكافة المدن والمحافظات الإيرانية.
وأعلنت إيران عن دعمها لأيّ حلّ فلسطيني يوفر الأمن الأقليمي وحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا موقف استراتيجي وليس تكتيكياً يمكن تغييره أو التخلي عنه وفق مسار المعركة ومتطلباتها، وتقوم إيران بتنسيق عملها بما يربك الأعداء في السياسة والميدان، وقد أثار هذا التنسيق تساؤلات حول كيفية التعامل مع تطورات الحرب واحتمال توسعها على مستوى فلسطين ولبنان والمنطقة.
وفي ظلّ التأكيد الحاسم بأنّ الكلمة هي للميدان، فإنّ هذه الدراسة التحليلية تحاول تلخيص استراتيجية عمل إيران منذ بداية معركة طوفان الأقصى ودعمها لغزة بما يلي:
1- تفعيل منظومة الردع ضدّ الكيان الصهيوني، وتعزيز قدرات محور المقاومة في إسناد غزة على الصعيد المالي واللوجستي والعسكري، وهذا الدعم هو المساهم الأكبر في تعزيز قدرات المقاومة الفلسطينية واستنزاف قدرات الكيان الصهيوني في الحرب على قطاع غزة، حيث فشل في تحقيق الأهداف الأساسية للعملية العسكرية رغم كلّ الدعم الأميركي والغربي المفتوح وغير المسبوق له.
2- التنسيق والتواصل الفعّال، وهو قائم الآن بأعلى الدرجات بين كافة أطراف دول وقوى محور المقاومة بهدف واضح وصريح هو منع القضاء على المقاومة بكافة فصائلها في قطاع غزة، وخاصة حركة حماس إضافةً لتعزيز مقومات الصمود على المستوى الإنساني والميداني، بما يرسم معادلات جديدة في الصراع مع الاحتلال وحربه الوحشية.
3- الاشتباك في المنطقة الرمادية: وهي معركة تدور بين واشنطن وطهران باستخدام أدوات مدنية وعسكرية دون مستوى الحرب، وهذا يربك الإدارة الأميركية التي تشعر بالخطر المحدق على الكيان الصهيوني، وتخشى أن يفرض عليها اشتباك عسكري مباشر تدفع ثمنه على صعيد وجودها ومصالحها في المنطقة.
خلال الحرب على غزة، قامت إيران بالالتفاف على الحركة الأميركية بعد استقدام حاملات الطائرات والأساطيل. حيث تحركت أطراف محور المقاومة وفق قواعد اشتباك محدودة دون سقف التصعيد غير المحسوب. بالتوازي مع رسالة واضحة في «وحدة الساحات» والتفاعل المتناغم ما بينها بما يقدم الحسابات الموزونة على المغامرات، ويؤمّن أوراق القوة التي قد يحتاجها المحور لاحقاً، وخاصة في الساحة الفلسطينية. وقد كشفت القوة العسكرية لمختلف قوى المقاومة خلال الحرب على غزة المجالات والساحات التي استثمرت فيها هذه القوى العلمية والتقنية والتكنولوجية.
كما شهدت مرحلة الحرب على غزة حركة دبلوماسية إيرانية فاعلة في مجلس الأمن الدولي ولدى الأمم المتحدة عبر الممثل الدائم لإيران في الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني. وقام وزير الخارجية الإيراني الدكتور حسين أمير عبد اللهيان بجولة من الزيارات واللقاءات والتشاورات شملت العديد من دول المنطقة، كقطر وتركيا ومصر والسعودية وسورية ولبنان، كما ساهمت إيران في الموقف الروسي والصيني باستخدام حق النقض الفيتو بمجلس الأمن وإفشال قرار أميركي لا يدعو لوقف إطلاق النار، وتمرير قرار وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لغزة، في 25 تشرين الأول 2023. كما أوْلت إيران أهمية لموضوع التشاور مع مختلف الفصائل الفلسطينية حيث التقى الوزير عبد اللهيان أكثر من مرة بقادة الفصائل الفلسطينية إضافة إلى لقاءته الدورية مع أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله. كما برز الدور الدبلوماسي الإيراني في دعم الموقف اليمني وتشجيع جنوب أفريقيا ومساندتها في مسار الدعوى في المحكمة الدولية في لاهاي. كما حثّت الدول على الانضمام إليها وتفعيل قرارات المحكمة.
وأثبتت إيران مند قيام الثورة الإسلامية أنها لاعب قوي في المنطقة لا يمكن تجاوزه. واكتسبت نفوداً في السياسة الخارجية في مسار طويل من الصبر والصمود والمواكبة. وقد أظهرت فعالية في المسار الدبلوماسي سواء في المفاوضات النووية أو احتواء النزاعات الخارجية: وقد نشطت حركتها الدبلوماسية خلال طوفان الأقصى في تعزيز موقف الفصائل الفلسطينية والدفاع عن مظلومية الشعب الفلسطيني ووقف الإبادة الجماعية، مع التقدير بأنّ العلاقة مع القوى والفصائل الفلسطينية سوف تتطوّر أكثر على مستوى التنسيق وتمتين التحالف بما يعزز أكثر بطولة وصمود غزة وأهلها، وإنتصارها.
وهنا بين دور إيران ومعها سورية في دعم قوى المقاومة بكافة الأشكال والوسائل وفق معادلات عمل مشتركة تجمع ما بين الإستراتيجي والتكتيكي بهدف تأمين الدعم لقطاع غزة ووقف حرب الإبادة الوحشية والعدوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى