نقاط على الحروف

العضّ على الأصابع… والصبر مهما كان الوقت والثمن

ناصر قنديل
– الواضح من خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في استقبال شهر رمضان أن التأقلم مع حرب الاستنزاف القائمة على جبهة غزة ومن خلفها جبهات الإسناد هو عنوان المرحلة، حيث لا أفق قريباً للتوصّل الى حل يوقف الحرب، وحيث المعادلة التي تلتزم بها جبهات الإسناد يقوم على ثلاثية هي: أولاً أن حركة حماس تفاوض بالنيابة عن كل فصائل المقاومة في غزة وكل محور المقاومة وجبهات الإسناد، وثانياً أن شروط حماس ومن خلفها المقاومة في غزة للتوصّل إلى اتفاق هي شروط منصفة ومحقة وإنسانية وأخلاقية، خصوصاً لجهة رفض هدنة مؤقتة مع تبادل أسرى والإصرار على ربط التبادل بإنهاء الحرب وانسحاب الاحتلال وفك الحصار، وأن جبهات الإسناد تساند تمسك المقاومة في غزة بهذه الشروط، أما ثالثاً فإن جبهات الإسناد، ومنها لبنان، تدرك أن هذا يستدعي القبول بخوض حرب استنزاف غير معلومة الأجل، اسمها عضّ على الأصابع، لا يجب أن تصرخ فيها المقاومة في غزة وفي المحور وأن تتحمّل وتصبر، لأن كيان الاحتلال هو من سوف يصرخ، ويرضخ لشروط المقاومة.
– يستند اليقين بأن الكيان سوف يرضخ في نهاية المطاف رغم العناد والمكابرة وخطاب الإنكار، الى جملة معطيات على ضفتي الحرب، فعلى ضفة قوى المقاومة ليس هناك عوامل يمكن لها أن تضغط للتراجع، لأن ثمن القبول بالتخلّي عن شروط المقاومة أعلى بكثير من ثمن التمسك بها، وما يرتّبه استمرار الحرب، وبيئة المقاومة متماسكة بصلابة وراءها، والاجتهادات المتعدّدة المحيطة بها جزء من مشهد سياسي تقليدي لا يؤثر سلباً وثمة قدرة على التعايش معه، مهما بلغت حدّة بعض الخطاب المناوئ، طالما أن المقاومة تملك قوة الردع التي تمنع ذهاب الاحتلال إلى الحرب الكبرى، وطالما هي قادرة إذا خاطر بهذا الذهاب أن تُريه وتُري شعبها والمنطقة والعالم ماذا سوف يحلّ بالمدن والمنشآت الحيوية والتجمعات السكنية في الكيان عندها. وكل ما حول المقاومة يشجعها على الصبر والصمود، وفي الطليعة إيمانها وثقة ناسها بها وبصدقها وقوتها وتماسك هذه البيئة حولها في ظل كل التضحيات، هذا إضافة إلى اتساع جبهة نصرة فلسطين بين الحكومات، ونهوض شارع عالمي ضاغط لتأييد الشعب الفلسطيني وحقوقه واتساع نطاق تأثيره ومساحات تحركه.
– على الضفة المقابلة الكيان يفقد جيشه المحارب وهو ينزف بصورة لم ينجح بتعويضها بعد، والتشققات الدائرة في النقاش حول التجنيد والتطويع سواء على مستوى تمويل التطويع أو على مستوى إخضاع الحريديم للتجنيد، تكشف من جهة حجم الأذى الذي تلقته وحدات جيش الاحتلال على المستوى البشري رغم التكتم على الخسائر، ومن جهة موازية تكشف حجم المخاطر التي يخوض غمارها قادة الجيش لترميم بنية الألوية والكتائب، ما يدلّ على حجم حيوية الحاجة لهذا العديد. ومع النزيف البشري نزيف مالي بنتيجة التراجع الاقتصادي يكشفه هذا الجدال حول تمويل التطويع، ونزيف سياسي تظهره السجالات والانقسامات التي تعصف بالمستوى السياسي الداخلي في الكيان والآخذة في الاتساع والتي يعلو صوتها، وتتصاعد وتيرتها.
– في حال الكيان يمثل العامل الأميركي العنصر الأهم في صناعة القرار النهائي بصدد الحرب، لأن الكيان مرتهن بالكامل حتى على مستوى الذخائر للدعم الأميركي، ومرتهن سياسياً للفيتو الأميركي، وكما هو الحال الإسرائيلي ينزف مادياً ومعنوياً، فإن الحال الأميركي أعقد وأصعب، لأن سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية تفرض حضورها وسوف تفرض حضورها أكثر، والمنافسة الضارية رئاسياً سوف تفرض السعي للبحث عن كيفية ملاقاة حركات الاحتجاج في الشارع الديمقراطي خصوصاً والتي تتحرك على إيقاع مشاهد الجرائم التي ترتكب بدعم أميركي في غزة، وكل المسرحيات الأميركية والادعاءات والمزاعم عن عجز أميركي أمام العناد الإسرائيلي لا تنطلي على أحد، وخصوصاً الذين يتحركون في الشارع الأميركي.
– المعادلة هي عضّ على الأصابع، كما قال السيد نصرالله، والمقاومة في كل اتجاه من غزة الى جبهات الإسناد لن تصرخ، وكل تحليل واقعي للمشهد الراهن واتجاهاته المقبلة يقول إن مكابرة قيادة الكيان والإدارة الأميركية عاجزة عن الصمود، وسوف تصرخ عاجلاً أم آجلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى