متى تفتح الجبهة الشمالية على مصراعيها؟
د. عدنان نجيب الدين
تتمادى «إسرائيل» في حربها على ثلاث جبهات أخطرها حتى الآن جبهة غزة التي تخوض فيها المقاومة أعنف وأشرس القتال مع عدو مجرم متفلت من أي قوانين أو ضغوط أو محاسبة دولية مرتكباً أبشع أنواع الجرائم ضدّ الإنسانية مستنداً إلى قوة الولايات المتحدة ومشاركتها في حرب لا مثيل لها منذ إنشاء الكيان الصهيوني المحتلّ على أرض فلسطين بعد احتلالها بقوة السلاح وارتكاب المجازر بحق أهلها وبتواطؤ دولي وتخاذل عربي عام 1948.
والجبهة الثانية على الحدود الفلسطينية اللبنانية، حيث قامت المقاومة بإسناد شعب غزة ومقاومته الباسلة وإحباط مخططات العدو الصهيوني الذي كان ينوي مهاجمة لبنان في الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى، ولكنه تراجع مؤقتاً بعد تحذير الولايات المتحدة له من صعوبة الدخول في حرب مع حزب الله قد تتوسع لتشمل المنطقة بأكملها في ظروف غير مناسبة لكون الولايات المتحدة منخرطة ولو بشكل غير مباشر في حرب أوكرانيا، لا سيما أنّ المنطقة اذا اشتعلت ستحصل كارثة في إمدادات الطاقة إلى أوروبا ودول أخرى، والنتائج المتوخاة قد لا تكون لصالح «إسرائيل» والمحور الغربي عامة. لكن الجبهة الشمالية ما زالت تعيش حتى الآن حالة حرب محدودة بالرغم من ضربات إسرائيلية في عمق الأراضي اللبنانية تتبعها ردود قوية من المقاومة بضرب تجمعات جنود العدو ومراكز قياداته وثكناته العسكرية، في محاولة من المقاومة لإشغال العدو وردعه بإضعاف قدراته من خلال تدمير مواقعه وقتل ما تيسّر من جنوده وضباطه من دون أخذ المنطقة إلى حرب شاملة.
لكن الخطير اليوم هو ما حدث من غارات للطيران المُسيّر أو الطيران الحربي الصهيوني على العديد من المواقع السورية وأخيراً شرقي حلب بمشاركة التنظيمات الإرهابية في هذه الهجمات وما تسبّبت به من قتل وجرح العشرات من الجنود السوريين في أكبر عملية عسكرية شنها العدو الصهيوني ضدّ الجيش العربي السوري. وهذا مؤشر قوي إلى نوايا رئيس وزراء كيان العدو لأخذ المنطقة إلى الحرب التي ستنقذه، بنظره، من المحاسبة القانونية أو تؤجّل محاكمته إلى أطول مدة ممكنة لعلّ الظروف تتغيّر لصالحه في المستقبل.
أما جبهة اليمن التي فتحت على الكيان الصهيوني من خلال منع أيّ سفينة تابعة للعدو أو متجهة إلى مينائه البحري على خليج العقبة، فقد تكفلت الولايات المتحدة وبريطانيا بالتصدي لها من دون أن تستطيع إيقافها، وهي مستمرة إلى أن يوقف الجيش الصهيوني عدوانه على غزة.
من هنا نطرح السؤال الآتي: إلى متى ستبقى جبهة الجنوب اللبناني ملتزمة بالسقف الذي حدّدته لنفسها واعتبارها جبهة ردع ودعم وإسناد للمقاومة في غزة؟
من الواضح بالنسبة إلينا، وبناء على الوقائع الميدانية القائمة على الجبهات المحيطة بالكيان الصهيوني، اضافة الى التحذيرات الغربية للبنان والتقارير الدولية، نرى أنّ نتنياهو يريد أخذ المنطقة بأكملها إلى حرب، وذلك للتخلص من جبهة لبنان التي هي الأخطر على الكيان، ومحاولة فرض واقع جديد يقضي بانسحاب المقاومة إلى أبعد نقطة ممكن أن يتحمّل العدو وجودها في جنوب لبنان كحلّ يمكّنه من إعادة النازحين الصهاينة إلى الأماكن التي كانوا يحتلونها في شمال فلسطين، وكذلك للقضاء، بشكل نهائي انْ أمكنه ذلك، على المقاومة التي ترفض أي خضوع لإملاءات وشروط العدو، وهي التي أعلنت مراراً وتكراراً أنّ المقاومة التي هي بنت الأرض عصية على الإخضاع وهي الضامنة لسيادة لبنان واستقلاله في ظلّ عجز الدولة اللبنانية عن حماية شعبها، وفي ظلّ تواطؤ المجتمع الدولي مع العدو ودعمه له عسكرياً وسياسياً، وأنّ هذه المقاومة التي سبق وحرّرت الجنوب اللبناني بدماء شهدائها وجرحاها وعذابات أسراها في المعتقلات الصهيونية مستعدة للدفاع عن لبنان وشعبه، ومستعدة أيضاً للذهاب مع العدو في حرب بلا هوادة وبلا سقوف لو فكّر العدو ببدء حرب واسعة على لبنان. فهل يغامر نتنياهو ويشعل حرب الشمال؟
كل المؤشرات والضغوط الأميركية تحذره من الذهاب إلى هذه الحرب الآن لا سيما أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة في الولايات المتحدة. لكن خوف نتن ياهو على مصيره الشخصي وعجزه عن تحقيق نصر عسكري في حربه على غزة بالرغم من وحشيته المنقطعة النظير، ونظراً لتعطش الصهاينة للدماء العربية نتيجة مشاعرهم العنصرية الحاقدة وخوفهم على وجود كيانهم، كلّ هذه الأمور تدفع العدو باتجاه الحرب من دون حساب نتائجها الكارثية على كيانهم.
وبناء عليه، وبناء على عشوائية العدو باتخاذ القرارات غير المحسوبة جيداً، في مقابل ما قامت وتقوم به المقاومة من استعدادات وتجهيزات طيلة السنوات الماضية تحسّباً لأيّ حرب مقبلة قد يشنها العدو في أيّ وقت ومن دون أيّ ذريعة، وتضاعفت هذه الاستعدادات خاصة خلال الشهور المنصرمة برفع مستوى أداء عناصرها وتزويدهم بكلّ ما يحتاجونه للمواجهة الكبرى، نرى أنّ الحرب الشاملة قد تحصل في القريب المنظور اذا فشلت الواقعية الأميركية بإقناع نتنياهو بعدم المغامرة في حرب مع حزب الله،، والاكتفاء بضربات ذات تأثير كبير وربما على مواقع حيوية. لكن هل تتحمل المقاومة بعد تقديم كل هؤلاء الشهداء والجرحى ومشاهد التدمير في القرى الامامية مزيدا من الصبر وعدم ضرب العدو على رأسه لإيقاف تماديه في اعتداءاته على لبنان وغزة؟ قد يكون هناك رأي بأنّ المقاومة تحاول تجنيب لبنان والمقاومة مترتبات ونتائج حرب شاملة، وتحقيق ما يمكن تحقيقه من دون الانجرار إلى ما يطمح له العدو، لكن هذا العدو المجرم والأحمق قد يقلب الطاولة على الجميع وعندها ستكون الحرب الشاملة أمراً لا مفرّ منه. وما زيارة الوزير الصهيوني غالانت إلى الولايات المتحدة الاميركية إلا للحصول على ما يلزم من أسلحة لدعم الحرب على لبنان التي يراها ضرورية لتثبيت وجود الكيان الغاصب في المنطقة.
ولذلك المطلوب اليوم من الجميع الاستعداد على كلّ الصعد وكذلك الصبر إلى أن يقضي الله امراً كان مفعولا. لكن الصبر على هذا البلاء الذي أصاب الأمة وشعب فلسطين بالذات من خلال الاحتلال الصهيوني للأراضي المقدسة، لا سيما القدس، واطماعه في لبنان والبلدان المجاورة، سوف ينتهي، في زمن ليس ببعيد، على أيدي المقاومين الشرفاء وبفعل احتضان شعوبنا الحرة والمضحية لهذه المقاومة، وإيمانا بالله وبوعده للمؤمنين بالنصر على أعدائهم الصهاينة ومن معهم من دول داعمة أو متواطئة، ولن يكون للصهاينة بعد نصر الله عليهم موطئ قدم في بلادنا. وسوف يلعن التاريخ كل من ساند العدو في تمدده السرطاني في منطقتنا العربية، أو تواطأ معه في احتلاله واجرامه بحق شعوبنا، او تخاذل عن نصرة الحق وتحرير القدس وعودة الفلسطينيين إلى ارضهم وبناء دولتهم الحرة السيدة على كل فلسطين العربية.