أولى

إيران فعلتها… لم لا!

د. عدنان منصور*

ما تعوّدت إيران أن تسكت عن حقها، او تفرّط بكرامتها، أو تساوم على مبادئها. هي إيران التي قالت كلمتها للعالم كله، وبالذات للغرب المتوحش المتمثل بالإمبراطورية المستبدة، ولدولة الإرهاب المؤقتة في تل أبيب.
إيران تقول وتفعل! أمس، كان قمة التحوّل في الصراع مع «إسرائيل» منذ قيامها عام 1948 وحتى اليوم. لقد أسقطت إيران الهالة عنها، وأسقطت معها عربدتها وعنجهيتها. «إسرائيل» ستدرك جيداً بعد الآن، انه من المستحيل أن تتعاطى مع إيران بالأسلوب الذي تتعاطى فيه مع الأنظمة الصوريّة الهشّة في المنطقة التي تدور في فلكها، وتضع نفسها في خدمتها. ستعلم «إسرائيل» وإنْ كان متأخراً أنها تتعاطى مع دولة مقتدرة، تحترم نفسها، تعبّر عن ضمير وعنفوان شعبها، تردّ الصاع صاعين، وتزلزل الأرض من تحت أقدام دولة الإرهاب.
سيتوقف العالم طويلاً أمام ما جرى يومي الثالث عشر والرابع عشر من شهر نيسان/ ابريل 2024 ليسجل ما خلصت إليه الضربة الإيرانية من تداعيات على الكيان المحتلّ في عقر داره، والنتائج السلبية الخطيرة التي بانتظاره، والتي يمكن إيجازها باختصار:
1 ـ لم تعد القبب الحديدية التي تروّج لها «إسرائيل»، تمنع مُسيّرات إيران وصواريخها البالستية وغير البالستية من ضرب الأهداف الإسرائيلية في العمق وعند اللزوم، أياً كان الموقع المستهدف.
ولن تكون أجواء الكيان في أيّ وقت لتقيّد ضربات إيران.
2 ـ لم تعِر إيران أهمية لمواقف دول الغرب المسبقة المؤيدة لـ «إسرائيل» والمنحازة كلياً لها، ولم يثنِها رغم الدعم الهائل الذي توفره لها، عن القيام بما يحفظ أمنها القومي وسيادتها، وما تخوّله لها المادة 51 في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك الى أن يأخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي».
3 ـ جاء الردّ الإيراني ليخلخل «المجتمع الإسرائيلي» من جذوره، الذي لن يشعر بعد اليوم وينعَم بالأمن والاستقرار والسلام، ما دام هناك احتلال للأرض العربية، وإصرار عربي وإسلامي وفلسطيني على النضال من أجل الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية، وانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني.
4 ـ ستراجع «إسرائيل» حساباتها ملياً في المستقبل، قبل أن تقوم بأيّ عمل عدواني، لأنّ الردّ سيكون مكلفاً جداً لها في ما بعد.
إنّ ما ينتظر «إسرائيل» في الأشهر المقبلة، هو تراجع ملموس في أعداد الهجرة اليهودية الى فلسطين، وارتفاع كبير في أعداد المغادرين نهائياً للكيان المحتلّ.
5 ـ صمود شعب غزة الذي قلب كلّ المقاييس، وعرّى دولة الاحتلال، وفضح جيشها ومرّغ أنفه في تراب غزة، وأحبط معنويات المستوطنين، والقيادات السياسية والعسكرية، وبدّد ثقة الإسرائيليين بدولتهم وجيشهم ومسقبلهم. الغزاويون في خيامهم، وبؤسهم، وجوعهم يتمسكون بأرضهم بأظافرهم حتى النفس الأخير، فيما الإسرائيليون يغادرون نهائياً. إنه صراع الإرادات، وهل هناك بعد التجارب والمحن من إرادة أقوى من إرادة الفلسطينيين!
6 ـ لقد أثبتت إيران بالقول والفعل أنّها أحرص على فلسطين ومقدّساتها من كلّ المنافقين المساومين، المتآمرين على القضية الفلسطينية، والمهرولين باتجاه «إسرائيل»، والمتواطئين معها. طهران صحّحت اتجاه البوصلة، وأحدثت صدمة قوية في الشارع العربي الذي بدأ يستفيق من غيبوبته، وتتحرك فيه من جديد، مشاعر العزة والعنفوان والكرامة التي كانت تسكن عقول الجماهير في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
7 ـ لقد أسقطت إيران حاجز العربدة الإسرائيلية، وصورة «إسرائيل» المزيفة. فما بعد الضربة الإيرانية، ليس كما قبلها. الزمن تغيّر، والأيام المقبلة لا تصبّ في صالح الكيان. العدّ العكسي لدولة الاحتلال بدأ على يد إيران ومعها كلّ أحرار العالم.
إنها الصحوة العربية بانتظار العرب كلّ العرب!
فيا بقية العرب، إيران فعلتها، فماذا أنتم فاعلون؟!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى