مقالات وآراء

ما الفائدّة من نقاشات «غنوصيّة» حول ماهية الردّ الإيراني‪؟‬

‭}‬ علي فضّة
إلى متى سنبقى نعاني ونتعب أنفسنا بنقاشات «غنوصيّة» حول مواضيع بالغة الحساسيّة وبغاية التعقيد، بحاجة إلى عقل رشيد وفكر حميد، لاستخلاص ما أمكنه من الغايات والأهداف المرجوة خلف كلّ حدث ووراء كلّ فعل، إلى متى سننجرّ برغبة عارمة وحنق خلف أيّ تافه لا يعلم إلا السين من كلمة «سياسّة» بمفهومها العميق، أليس جلداً للذات المدركة، نزولها بغضب إلى درك التافهين، كآليّة للردّ على سرديّات أقلّ ما يمكننا القول عنها أنها محض جهل ينتشي به صاحبه!
طالما كانت الفكرّة قويّة وتهدّد توازنات وتغيّر معادلات، حتى عُمِلَ فوراً من قبل المُهدَّد على تتفيهها بأدوات غبيّة جاهلة حكماً، لأنّ الفهيم قولاً لا يسلك مسلك البهيم فعلاً، فالحاجة هنا ملحّة لخلط آثار أقدام الذئب مع الكلب، من ذا الذي سيفرّق بين الأثرين وهو تائه بين جموع الأغبياء وغارق في تفاصيلهم، أعتقد أننا ننزلق ونوجَّه بعيداً عن أداء دورنا اللازم الفاعل ضمن سياق المواجهات والأحداث المستمرّة، بما يمتلك كلٌ منا من معرفة وإدراك، بحجج العارف المتمكّن بفعل الاستبصار الاستقرائي الى تفنيد الأحداث وتقديمها بقالب سليم للمتلهّفين سماع المنطق السياسي وفعله في عجقة التافهين الببغائيين.
عندما يتعلق الأمر بعمق الفكر السياسي وتمرحله حسب التطورات والتحديات المحدقة، يتطلب الأمر مهارات التفكير النقدي والتحليلي العلمي والقدرة على التعامل بشكل ثاقب مع الأفكار المنتجة للأفعال بالتطورات السياسية المعقدة. يعتبر الفهم المتعمّق للمفاهيم والنظم السياسية من أهمّ العوامل التي تؤدّي إلى صنع قرارات سياسية موفقة وفعّالة.
كلّ هذا يبقى السؤال، ما علاقة ذلك السرد بالردّ الإيراني على كيان الاحتلال الإسرائيلي؟
أراه مقدّمة لا بدّ منها لفهم ماهية الردّ الإيراني أو أيّ تطوّر إداري لفهم الصراع وما نتج عنه مؤخراً منذ أكثر من ستة أشهر، والردّ الايراني ليس خارج السياق البتة، بل ربما هو جوهرها الحالي، لما يترتب عليه من متغيّرات وإعادة لخلط أوراق كانت تشكّل قاعدة ثابتة في سنين خلت.
الردّ الإيراني بحدّ ذاته «فخ لنا» قبل أن يكون نقلة نوعيّة في الصراع، نتيجّة التقدّم الإيراني المباشر على خط المواجهة مع «الإسرائيلي» والأطلسي في آنٍ معاً. أذلك الحدث قليل؟ أيعبر كأنّ شيئاً لم يكن؟ في السياسة الجواب «كلا» انه نقطة تحوّل لمرحلة جديدة، تحتم على المعنيين إعادّة النظر بكلّ الاحتمالات التي كانت بالحسبان قبل الردّ. لماذا قلت إنّه «فخ لنا»، لأننا غرقنا بالنتائج والردود والمحصول على كم صاروخ اعترضته الدفاعات الجوية لحلف الناتو والإسرائيلي وكم مُسيّرة أسقطت في حين كان علينا التركيز على الـ «فعل» ـ دون تعميم؛ وما أبعاده الاستراتيجيّة والتكتيكيّة وكيف أتخذ هكذا قرار خطير في حمأة صراع لم ينتهِ ولم تبرز معالم خلاصاته الرسميّة بعد.
من هي إيران وما هو وضع الولايات المتحدّة؟
لن نتكلّم عن «إسرائيل» لأنها في حالة «موت سريري» والضرب بالميت حرام.
إيران من أعرق المدارس السياسيّة الباردّة في العالم وحضارتها وخبراتها تضرب عميقاً في التاريخ، فهي ليست بدولة مارقة، ولا حديثة العهد الجيني السياسي، إنها امبراطوريّة تاريخيّة واليوم دولة محوريّة ذات قدرات وإمكانيات كبيرة وعالية يعلمها الحليف والخصم «لا يمكننا إهمال هذه اللمحة التاريخيّة الموجزة لنعلم أقله من تجرّأ وضرب «إسرائيل» من خارج «الصندوق المألوف» في ظلّ حماية أميركية أطلسيّة كاملة.
«لكل حدثٍ سببان، سبب حقيقي جوهري وسبب يسمّى مباشراً».
لنبدأ بالمباشر وهو الذي يعتبر الفتيل والقنبلة هي الجوهر، أيّ أنّ اغتيال اللواء زاهدي واستهداف القنصليّة الإيرانيّة في دمشق هو الفتيل، أما الجوهري فهو جذرية الصراع مع العدو الإسرائيلي الذي تفاقم إلى أعلى درجاته، غير آبه بأحد ولا مكترث بأيّ قوة مستمراً بمجزرته بحق الغزيّين دون حسيب أو رقيب ولا رادع قوي يغيّر توازنات ويقلب طاولات كانوا كركائز ثابتة، بعد الردّ الإيراني اختلفت هذه القواعد كإفراز طبيعي لتدخل دولة بحجم إيران، الـ «فعل» الذي تحدثنا عنه كفيل بإعادة قراءات وتغيير أولويات.
الوضع الأميركي ليس بأحسن أحواله فهو في تيه بين انتخاباته المقبلة وحجم الكارثة الإسرائيلي وأعين شاخصة نحو روسيا بأوكرانيا، وتركيز صُنِّف منذ عام 2017 للصين باعتبارها «خطراً وجودياً» بالتالي الإيراني لحظت راداراته الاستقصائية، كلّ هذه العوامل المتيحة لاتخاذ قرار حساس غاية في الخطورة بفعلٍ تأديبي عقابي لـ «إسرائيل»، إذن نجحت إيران باللعب بين النقاط، لأنّ الرسائل وصلت، والردّ أتى من قلب إيران، ولم يأتِ من حلفائها كما دأبوا الترويج لتكون الخلاصة هي تغيير في قواعد الاشتباك ومعادلة مفادها «أنّ الذي يستطيع أن يفعل فعل مرة ويستطيع تكرارها مرات عدة» إضافة إلى أنّ الردّ لم يكن محرجاً كفاية لأميركا لاندلاع حرب إقليمية، علماً أنه أدى غرضّه المطلوب.
أخيراً وليس آخراً العين على غزّة، لأنّ الآتي من الأيام سيُبحث عن الأثمان فلم يعد الأمر يحتمل المماطلة في ظلّ كل هذه التغيّرات.
ويبقى لنظريّة «تأثير الفراشة» حديث آخر له تتمّة…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى