مقالات وآراء

سورية ملفات متعددة والهدف واحد…

‭}‬ د. حسن مرهج*
لا شك بأنّ الحرب على سورية، وإنْ اتخذت طوابع مختلفة، إلا أنّ الحرب بمفهومها العام لم تتغيّر، وباختلاف الجبهات وحدودها، وباختلاف العناوين ومضامينها، تبقى الحرب على سورية تتخذ طابعاً يُراد منه إقصاء الدور السوري ضمن المسارات الإقليمية، ومنع التأثير السوري على مجمل الملفات الإقليمية، لا سيما اللبناني والفلسطيني، وتنفيذاً لتلك الغاية، كان لا بدّ من إشغال الدولة السورية بجملة من الملفات المعقدة، من السياسي إلى الاقتصادي وحتى الملف الاجتماعي لم يسلم من محاولات التفكيك، بغية إضعاف الدولة وضربها من الداخل، إلا أنّ القيادة السورية، ورغم محاولات حصارها عبر عناوين متعددة، لكنها وضعت استراتيجية اعتمدت على الملفات الأكثر أولوية، وبناء هرم استراتيجي قاعدته تحرير الجغرافية السورية من البؤر الإرهابية سواء في إدلب، أو أرياف حلب، وصولاً إلى مناطق الجزيرة السورية.
هرم الاستراتيجيات الذي وضعته القيادة السورية، كانت تدرك من خلاله أنّ هناك ملفات ستطالها تأثيرات كثيرة، من ضمنها الجانب الاقتصادي والمعيشي للسوريين، لكن في المقابل فإنّ هذه التأثيرات وإنْ اتسمت بالمحدودية، لكن تتمّ معالجتها وفق ما يقتضيه الواقع السوري الضاغط على ملفات أخرى، فالجغرافية إنْ حُرّرت فهذا يعني عودة سورية إلى المربع الذهبي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبالتالي فقد كان من الضروري إيلاء الإرهاب الذي يتجوّل في الجغرافية السورية بدعم أميركي وغربي أهمية استثنائية، فعلى سبيل المثال لا معنى لإعادة ترميم البنية التحتية في سورية، دون القضاء على الإرهاب نهائياً، ويمكننا القياس على ذلك في مختلف المجالات.
واقع الحال يؤكد بأنّ الإستراتيجية التي وضعتها القيادة السورية، نجحت في مواضع عديدة، لكن في المقابل فقد كانت هناك إخفاقات في نواح أخرى. هذه النواحي كانت بحاجة إلى قرارات جديدة تتناسب مع الواقع السوري بعموم جزئياته، خاصة أنّ سورية لا تزال تعاني من حصار اقتصادي لا مبرّر له، وهو حصار غايته الأولى والأخيرة إرهاق السوريين، نتيجة لذلك فقد أصدرت الدولة السورية جملة من المراسيم الاقتصادية، مع مراسيم رفع الأجور والرواتب، في محاولة لسدّ الفجوة الاقتصادية الناجمة عن تأثير العقوبات، وبالتالي فقد كان للمراسيم الاقتصادية التي أُصدرت، بالتوازي مع رفع الرواتب والاجور، تأثير واضح طال بفاعلية مختلف جوانب حياة السوريين.
وربطاً بما سبق، فإننا لا نقول بأنّ الواقع الاقتصادي والمعيشي في سورية، هو في أفضل حالاته، بل يعاني من أزمات عديدة، وتُحلّ عبر سياسية تجزئة الأزمة، وهذا ما بدت آثاره في عدة مجالات، فالدولة السورية ورغم حالة اللا إستقرار الاقتصادي والحرب وتأثيراتها والعقوبات ونتائجها، إلا أنّ رواتب الموظفين لم تنقطع إطلاقاً منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، وقد يقول البعض إنّ هذا الأجر أو الراتب لا يكفي العائلة السورية أياماً معدودة، لكن في المقابل فإنّ النظر بصورة أعمق إلى تلك المحدّدات، يؤكد بأنّ مؤسسات الدولة لا تزال تعمل وتقدّم وتنتج وتحاول ضبط الرواتب والأجور، بما يتناسب والواقع السوري، وهذا كله مرتبط باستراتيجيات الدولة في ظلّ الأزمة، لكنها استراتيجيات أثبتت نجاعتها في إبقاء السوريين ضمن أطر المعقول والمقبول اجتماعياً، لكن في الفترة المقبلة ستكون هناك قفزات مهمة تحقق في غايتها أهداف السياسات التي تم اتباعها من قبل الدولة.
في جانب آخر، فإنّ عمق الأزمة السورية، أجبر القيادة على العمل في سياق محدّد يرتبط نظرياً بالأزمة، فقد اتبعت الدولة السورية نموذجاً يكاد يكون معادلة غاية في الأهمية، حيث تمّ الإبقاء على حالة الجهوزية العسكرية للقوات السورية المنتشرة في عموم الجغرافية السورية، وإنْ كانت العلميات العسكرية قد خفّ إيقاعها، لكن بؤر الإرهاب تتحرك بين الحين والآخر، ولا بدّ في هذا الإطار متابعته بما يضمن الإبقاء على ما تمّ تحقيقه خلال سنوات الحرب، فالأزمة لا تزال قائمة وإنْ كانت بمستوى أخفّ، وكذلك الحرب لا تزال ناراً تحت الرماد، وعليه فإنّ هناك تأكيدأت بأنّ دمشق تعد العدة للعودة إلى إدلب، والتأسيس لمعادلات سياسية في ما يتعلق بشرق الفرات، ولا بدّ أيضاً من ترجمة الانتصارات العسكرية إلى منجزات اقتصادية تعود بالنفع على السوريين، وبين هذا وذاك، فإنّ الهدف الأهم للقيادة السورية يتمثل في هدف واحد.
الهدف الأوحد للدولة السورية في هذا التوقيت، هو تحرير ما تبقى من الجغرافية السورية من براثن الإرهاب، صحيح أنّ المناخ الاقليمي والدولي قد لا يكون مناسباً، لكن الصحيح أيضاً بأنّ الدولة السورية لديها هاجس في القضاء على الإرهاب وداعميه، ومن ثم الانتقال إلى معادلات جديدة، تتعلق بإعادة الأعمار وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد. كل هذا لا يُعَدّ أمنيات، بل هي وقائع سترى النور قريباً…
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى