مانشيت

طائرات مسيّرة صغيرة الحجم تحلق فوق أصفهان وتسقطها الدفاعات الإيرانية/ مسرح المنطقة يستقبل مسابقة عروض الردع: ملحمة إيرانية وكوميديا إسرائيلية/ المقاومة في غزة ولبنان: مزيد من التكتيكات الإبداعيّة ومزيد من خسائر الاحتلال

‭‬ كتب المحرّر السياسيّ

صحا العالم فجر أمس، على نبأ يملأ شاشات القنوات الأميركيّة وتتدفق معه معلومات مسرّبة بصورة منسقة ومبرمجة دون إعلان رسميّ بالمسؤولية الاسرائيلية، لكن بالقول بلا أدنى شك ها هو الرد الإسرائيلي على ايران لم يتأخر، وتحت عناوين جاذبة متقنة كانت وسائل الإعلام الغربية تشترك في حملة تسويق تريد خلق الانطباع بأن غارات لطائرات إسرائيلية أصابت قواعد عسكرية كبرى ومفاعلات نووية حساسة في منطقة أصفهان في وسط إيران، قبل أن تؤكد الأنباء الآتية من طهران أن لا شيء من ذلك على الإطلاق وأن لا جسم طائراً دخل أجواء إيران، وأن لا غارات استهدفت قواعدها العسكرية، كما عادت وأكدت قناة «سي أن أن» وفق صور الأقمار الصناعية. وأن مفاعلاتها النووية لم تتعرّض لأي غارات او استهدافات، كما عادت وأكدت وكالة الطاقة الدولية. وأن الأمر اقتصر على ثلاثة أجسام طائرة صغيرة، كناية عن طائرات مسيّرة صغيرة أطلقت من داخل إيران، على أيدي عملاء تمّ تجنيدهم لهذا الغرض، وقد أسقطتها الدفاعات الإيرانية. وبقيت القنوات الإسرائيلية تتناقل خبر الرد على الرد الإيراني أملاً بأن يصحّ بعض ما وردها من تسريبات، لكن كل ساعة تمرّ كانت تقول إن الرواية الصحيحة هي الرواية الإيرانية، حتى خرج وزير الأمن الداخلي في حكومة كيان الاحتلال ايتمار بن غفير يقول إن ما جرى هو مجرد مسخرة.
عمليّاً، شهدت سماء المنطقة خلال أيام قليلة عروضاً للردع قدّمتها كل من إيران وكيان الاحتلال. وإذا قبلنا بإيجابية ما قاله البعض تهكماً بوصف الرد الإيراني بالمسرحية، فإن عامل الإبهار الذي يرافق العمليات الحربية الكبرى المصمّمة لتحقيق انتصارات كبرى، يسمح بتشبيهها بالعمل الممسرح. ووفقاً لمعادلات العمل المسرحيّ فإن المنطقة كانت في عرض 14 نيسان على موعد مع ملحمة إيرانية مبهرة، وشاهدت في 19 نيسان كوميديا إسرائيلية سوداء فاشلة.
بالتوازي، كانت هذه الأيام ذاتها تسجل للمقاومة في غزة ولبنان النجاح بتقديم تكتيكات إبداعية مبهرة، بينما جيش الاحتلال في حال تراجع قتاليّ، ومثلما كانت الفخاخ التي نصبتها المقاومة في غزة في شرق خان يونس واصطادت فيها أربعة عشر جندياً من جيش الاحتلال واصلت ملاحقة الجنود والآليات بطرق إبداعية متجددة، كان ما أنجزته المقاومة على جبهة لبنان يقول شيئاً مشابهاً، سواء بتكتيكات استخدام الصواريخ السريعة ذات الرؤوس الثقيلة، أو الطائرات المسيّرة الانقضاضيّة أو عمليات التفخيخ واستدراج جنود الاحتلال إلى الكمائن، بينما نيران صواريخ المقاومة نجحت بجعل مقار القيادة ومرابض المدفعية ومراكز القبة الحديدية والحرب الالكترونية والمتابعة الجوية، مناطق مُقفرة غير صالحة للاستخدام، وهي تتلقى كل يوم المزيد من النيران.

فيما تنفّس العالم الصعداء بعدما أتى الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني هزيلاً و«مسخرة»، وفق توصيف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير، عادت الجبهتان الغزاوية والجنوبية الى صدارة المشهد الإقليمي والدولي في ظل تعثر جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بموازاة استمرار العمليات العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي مع تراجع نسبي في سخونة العمليات عن الأيام القليلة الماضية.
وعلمت «البناء» أن الأميركيين وبعض الدول الأوروبية حاولوا استثمار الرد الإسرائيلي على إيران قبل حصوله، بمحاولة الضغط على الحكومة اللبنانية وحزب الله تحت تهديد توسيع العدوان على لبنان كبديل أميركي لـ»إسرائيل» عن ضرب إيران، لانتزاع ضمانات من لبنان بوقف العمليات العسكرية ضد «إسرائيل» من الجبهة الجنوبية. وقد نقلت جهات دبلوماسية لمراجع سياسية رسائل حازمة بأن لبنان سيتعرّض لضربة إسرائيلية قريبة، إلا أن حزب الله لم يكترث لهذه التهديدات فيما رفضت الحكومة تهدئة جبهة الجنوب من دون تطبيق القرار 1701 وانسحاب قوات الاحتلال من كامل الأراضي اللبنانية المحتلة.
وأيّد مصدر سياسي مسيحي مخضرم قول رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن «وحدة الساحات قائمة شاؤوا أم أبوا»، مشيراً لـ»البناء» الى أنه لا يمكن فصل لبنان عن ما يجري في المنطقة، وبخاصة في فلسطين المحتلة، وهو أكثر المتأثرين من نتيجة حرب طوفان الأقصى، ولذلك لا يمكنه الوقوف مكتوف الأيدي لكي تستفرد «إسرائيل» بغزة وتقضي على حركة حماس ثم تنقضّ على لبنان، فضلاً عن أنه من حق حزب الله أن يفتح المعركة مع «إسرائيل» من بوابة مزارع شبعا لكي يعيد الأراضي المحتلة والحقوق والسيادة اللبنانية على الطاولة وفي الواجهة، بعدما انتهك العدو هذه السيادة وداس على الحقوق وتجاهل القرار 1701 باعتداءاته المستمرة على الجنوب.
على الصعيد الميداني، واصلت المقاومة عملياتها النوعية ضد مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأعلن حزب الله، في بيان، أنه «وبعد رصد دقيق ‏وترقب لقوات العدو، وعند وصول آلية من نوع هامر الى موقع المطلة وتجمّع الجنود حولها استهدفها ‏مجاهدو المقاومة الإسلامية ‏بصاروخ موجّه ما أدى إلى تدميرها وسقوط الجنود بين قتيل وجريح».
كما أعلن الحزب في سلسلة بيانات، استهداف تجمّع لجنود ‏العدوّ الإسرائيلي في محيط موقع الراهب بقذائف المدفعية، والتجهيزات التجسسية في موقع بياض بليدا بالأسلحة المناسبة. كما استهدف تجمعاً لجنود العدو الصهيوني في محيط موقع رويسات العلم بتلال كفرشوبا المحتلة بالأسلحة ‏الصاروخية، وتجمعاً لجنود ‏العدو الإسرائيلي في موقع بيّاض بليدا بقذائف المدفعيّة، كما استهدفوا التجهيزات ‏التجسسيّة في موقع الرادار بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة ودمّروها.
وفي سياق آخر، أشار نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الى أننا «نحن لا زلنا كحزب الله عند موقفنا، أي تجاوز إسرائيلي لهذا السقف المعمول به في المواجهة سنردّ عليه بالمقدار التناسبيّ، وأي تصعيد إذا بلغ مستوى معيناً سنواجه هذا المستوى بما يستلزم حتى لو أدى الأمر إلى أقصى ما يمكن، لكن لا انسحاب من المواجهة ولا تراجع عن المساندة والحماية، ولا يمكن أن نقبل بإقفال هذا الملف إلَّا بعد إقفال ملف غزَّة وتوقف إطلاق النار هناك».
وكشف قاسم تفاصيل عملية عرب العرامشة النوعية وقال في كلمة له في احتفال: «تحصَّن الإسرائيلييون في مبنى مدني على أساس أن لا يعرف أحد، وقرروا إنشاء مركز معلومات ومتابعة للجبهة، ولكن الإخوة في المقاومة راقبوهم وصوَّروهم عند دخولهم وعند خروجهم لمدة شهر وكان التصوير والمراقبة يتمَّان بشكل يوميّ، ثم قاموا بعملية مزدوجة (صاروخ موجَّه وطائرة مسيَّرة)، والإسرائيلي اعترف بثمانية عشر بين قتيل وجريح، وادعى أنَّ 6 منهم في حالة خطر. هذا يعني أنَّ حضور المقاومة قويّ، فالمقاومون يراقبون العدو بالعين المجردة وبالوسائل التقنية التي تصوّرهم وتعرف أين هم، وهذا إنجاز كبير».
وأضاف: «البعض يسأل هل هنالك تغيير عند الحزب بعد الردّ الإيراني؟ هل هناك مثلاً مساومات أو تطورات معينة؟ أقول لكم لا يوجد تعديل بعد الرد الإيراني بل التغيير في المنطقة والتغيير بالاستراتيجية والتغيير بالردع الاستراتيجي، لكن بالنسبة لموقفنا كحزب الله في عملية المواجهة لا تعديل ولا تغيير».
في غضون ذلك، شهدت باريس اجتماعات فرنسية – لبنانية حول عدد من الاستحقاقات لا سيما رئاسة الجمهورية والحدود الجنوبية وملف النازحين السوريين.
وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اجتماعًا مطولًا تناول العلاقات اللبنانية الفرنسية والأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، وفق المكتب الإعلامي لميقاتي. ثم انتقل ماكرون وميقاتي الى غداء عمل موسّع شارك فيه عن الجانب اللبناني قائد الجيش العماد جوزاف عون، وعن الجانب الفرنسي كل من سفير فرنسا في لبنان هيرفيه ماغرو، رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال تييري بوركهارد، والموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان.
وخلال الاجتماع، جدّد ماكرون تأكيد دعم فرنسا الجيش اللبناني في المجالات كافة، والتشديد على الاستقرار في لبنان وضروة إبعاده عن تداعيات الأحداث الجارية في غزة. وأعاد تأكيد المبادرة بشأن الحل في الجنوب والتي كانت قدّمتها فرنسا في شهر شباط الفائت، مع بعض التعديلات التي تأخد بالاعتبار الواقع الراهن والمستجدات، وفق مكتب ميقاتي.
كذلك جدّد الجانب الفرنسيّ التأكيد على «أولوية انتخاب رئيس جديد للبلاد والإفادة من الدعم الدوليّ في هذا الإطار لإتمام هذا الاستحقاق والموقف الموحّد للخماسية الدولية». كما جدّد الجانب الفرنسي تأكيد أن «فرنسا تدعم ما يتوافق بشأنه اللبنانيون وليس لديها أي مرشح محدد»، مشيراً الى «توافق الجانبين الفرنسي والأميركي على مقاربة الحلول المقترحة». كما تطرّق البحث إلى موضوع النازحين السوريين في لبنان، فوعد الجانب الفرنسي بالمساعدة في حل هذه المشكلة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
بدوره لفت ميقاتي الى أننا «تطرقنا بشكل خاص الى ملف النازحين السوريين وشرحت لماكرون المخاطر المترتبة على لبنان بفعل الأعداد الهائلة للنازحين. وجدّدت المطالبة بقيام المجتمع الدولي بواجباته في حل هذه المعضلة التي ستنسحب تداعياتها على أوروبا خصوصاً». وأشار إلى «أنني تمنّيت على ماكرون أن يطرح على الاتحاد الأوروبي موضوع الإعلان عن مناطق آمنة في سورية بما يسهّل عملية إعادة النازحين الى بلادهم، ودعمهم دولياً وأوروبياً في سورية وليس في لبنان».
ونقلت مصادر إعلامية عن مصدر مواكب لزيارة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى باريس الى أن «اجتماعه مع قائدي الجيش الفرنسي والإيطالي كان إيجابياً وجاء استكمالاً لاجتماع روما الذي قدّم خلاله العماد عون دراسة عن حاجات الجيش ووضعه وحاجاته لوجيستياً ومادياً، في ضوء التحدّيات التي يواجهها. ومنذ ذلك الحين، درس قائدا الجيش الفرنسي والإيطالي عرض العماد عون الشامل، واستوضحا بعض النقاط لتحديد الخطوات الواجبة للمساعدة في إطار خطة معينة، خاصة في ما يتصل بالوضع في الجنوب، وحاجيات الجيش والتطويع، وغيره». وأشار المصدر إلى أنه سيتمّ تشكيل لجنة مشتركة من كل الأطراف المجتمعة، لدرس الحاجات وكيفية تأمين الدعم والتمويل اللازمين».
وأشارت أوساط سياسية لـ»البناء» إلى أن زيارة الرئيس ميقاتي وقائد الجيش الى فرنسا ليست محضَ صدفة، بل هي منسقة في إطار شعور الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش بأخطار جمّة ومتعددة الأوجه على لبنان، تبدأ بالحرب في غزة وعلى الجبهة الجنوبية والتداعيات الاقتصادية وأزمة نزوح الجنوبيين، واحتمالات توسُّع العدوان الإسرائيلي على لبنان، إضافة الى الفراغ الرئاسي الذي يهدد استمرار منظومة عمل المؤسسات وشلل تسلل إلى كافة مفاصل الدولة، ما يعمّق فجوة الانهيارات المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل أزمة النزوح التي أرهقت كاهل البلد وباتت تشكل خطراً وجودياً على لبنان. لذلك غادر المسؤولون الى الدول الكبرى لإيصال الصرخة وإطلاق النداء والإنذار الأخير بأنه في حال لم تتحرّك هذه الدول المانحة والصديقة للبنان، فإنه لن يستطيع الصمود لبضعة أشهر وسينهار كل شيء، ولن ينفع التحرك بعد فوات الأوان.
ووفق معلومات «البناء» فإن جهات أمنية لبنانية نقلت تحذيرات لدول كبرى من تأثير أزمة النزوح على الواقع الأمني في لبنان، ومن تزايد موجات الهجرة غير الشرعية للنازحين السوريين إلى أوروبا عبر البحر. لكن مصادر معنية بملف النزوح كشفت لـ»البناء» عن ممانعة أميركية لعودة النازحين السوريين الى سورية، وضغوط أوروبية على مراجع لبنانية كبيرة للجم تحرّكها في ملف النزوح ملوحة بسلاح العقوبات المالية. ولفتت المصادر إلى أن الرئيس القبرصي عرض على الحكومة خلال زيارته الى لبنان، زيادة المساعدات المالية للنازحين لإبقائهم في لبنان، وتحدث عن مناطق آمنة في سورية يمكن إعادة بعض النازحين إليها.
وليل أمس، وزعت دوائر الرئاسة الفرنسية بياناً لفتت فيه الى ان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اكد خلال لقائه ميقاتي في باريس، «التزام فرنسا بذل كل ما في وسعها لتجنب تصاعد أعمال العنف بين لبنان و»إسرائيل»»، بحسب ما نقل الإليزيه.
وتابعت أن «ماكرون يواصل التحرّك من أجل استقرار لبنان بحيث تتم حمايته من الأخطار المتصلة بتصعيد التوترات في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، ذكر بالالتزام الفرنسي في إطار قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) وشدّد على مسؤولية الجميع حيالها لتتمكّن من ممارسة مسؤولياتها في شكل كامل».
وأورد البيان أيضاً أن «فرنسا ستتحرّك في هذا الاتجاه مع جميع من هم مستعدون للمشاركة في شكل أكبر، وخصوصاً شركاءها الأوروبيين، وفق ما توصل إليه المجلس الأوروبي الطارئ» الذي عقد الأربعاء والخميس في بروكسل.
كذلك، تشاور ماكرون هاتفياً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكرّر دعوته «المسؤولين السياسيين الى إيجاد حل للأزمة المؤسسيّة التي تضعف لبنان».
قضائياً، تسلَّم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار من مخابرات الجيش ملفّ التحقيق الأوّلي في جريمة منسق هيئة «القوات» في جبيل باسكال سليمان، وأحاله الى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان طالباً إجراء المقتضى القانونيّ. وأحيل مع الملف ستة موقوفين من التابعيّة السورية بينهم الموقوفون الأربعة الذين نفّذوا الجريمة بداعي سلب المغدور سيارته بحسب إفاداتهم الأولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى