أخيرة

آخر الكلام

لماذا لا نتوقف عن الكتابة؟*

يكتبها الياس عشي

إذا كان الناس لا يقرأون، فلماذا نكتب؟
صفعني السؤال… قلت له:
هل المطلوب أن نتوقف عن الكتابة؟ الكتابة، يا صديقي، هي المِساحة الوحيدة التي نمارس فيها حريّاتِنا، وطموحاتِنا، وصراعاتِنا من أجل غدٍ أفضلَ.
ولكنها، أجابني، هي أيضاً المكان الوحيد الذي يتحوّل، بأمر من السلطان أو بفتوى دينية، إلى معتقل. فأنت دائماً، عندما تكتب، تقف أمام خيارين: إمّا أن تكتب ما تؤمن به، وإمّا أن تكتب ما تريده الدولة أو المجتمع أو السلطة الدينية. فأنت وأنا وغيرنا كثيرون، يعيشون وراء الأسلاك الشائكة التي تحدّثتَ عنها في كتابك “من الأسلاك الشائكة إلى حقول الياسمين”.
سكتُّ… فشجّعه سكوتي على مواصلة حديثه، فقال: العرب محكومون بجمع الكتب القديمة، وتغليفها على أحلى ما يكون الغلاف لوناً وذهباً؛ وإنْ تعصرنوا أضافوا إلى رفوفهم كتباً تتحدث عن الجنس، وعن الفلك والتنجيم، وعن فنّ الطبخ، أو كتباً تتناول الفضائح السياسية. وما من معرض أقيم للكتاب إلا واحتلّت هذه العناوين، إضافة إلى كتب الدين، مركز الصدارة في نسبة البيع.
بالأمس، يا صديقي، أعلنت روسيا أنّ نسبة القراءة زادت 8% عن معدلاتها السابقة، كما أنها استطاعت، خلال عام واحد، أن تعرض في أسواقها الثقافية، مئة وثلاثةً وعشرين ألف عنوان جديد.
الناس في أوروپا يقرأون، في الحدائق العامة، والمترو، والباصات، والقطارات، والمقاهي، والمنازل، والمدارس، يقرأون! لم يتحوّل الكتاب عندهم إلى مناسبة احتفالية يوقّع فيها المؤلف كتابه. توقيع كتاب ما، هو أسلوب “حديث” لبيع الكلمة، لا يختلف أبداً عن أسلوب شعراء
المديح في العصور العربية السابقة !
من المسؤول، يا صديقي العزيز، عن هذا الانحدار الثقافي الذي لن يتوقف؟
بكلّ بساطة… الإنسان العادي يتحمّل المسؤولية كاملة. إنه يلحّ عليك أن تكتب، وإن تلكّأتَ اتهمك بالعجز، أو بالخوف، أو بالنضوب، أو بعدم قدرتك على التمرّد والخروج على المألوف! وقد تستجيب
للناس، وتكتب، وتفرح بما فعلت، ثم تصاب بالخيبة لأن أحداً لم يقرأ كتابك، باستثناء السلطة، فإن أجازته “مات” الكتاب على رفوف المكتبات، وإن أمرت بمصادرته تهافت الناس طالبين شراءه حتى من السوق السوداء. وقد حدث ذلك مع صادق جلال العظم في كتابه “نقد الفكر الديني”، ثم حدث مع الروائي حيدر حيدر في روايته “وليمة لأعشاب البحر”… والنماذج كثيرة.

*من كتابي الأخير «قرأت لهم.. كتبتُ عنهم.. أحببتهم»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى