أولى

بعد أكثر من 200 يوم: إعلان هزيمة “إسرائيل” انتصار المقاومة في غزة مسألة وقت…

حسن حردان

كما جرى في حرب تموز عام 2006، اعتقد حلفاء “إسرائيل” والمتعاونين معها والذين يخافون من قوّتها وبطشها ويبالغون بقدراتها على تحقيق ما تريد في غزة وانها ستتمكن من سحق المقاومة وفرض مشيئتها وتغيير الواقع القائم فيها في غير مصلحة قوى المقاومة، وإعادة غزة إلى بيت الطاعة “الإسرائيلي” عبر تعويم أدوات عميلة تحت اسم روابط قرى، أو مجلس عشائر، أو أجهزة أمن سلطة فلسطينية ممن جرى تدريبهم وتحضيرهم على أيدي الاستخبارات “الإسرائيلية” والأميركية.. لكن مرّ أكثر من 200 يوم على العدوان الصهيوني على غزة، وايّ من هذه الأهداف لم يتحقق، ولم يرَ النور، وجيش الاحتلال عاجز عن تحقيق ولو إنجاز او هدف واحد من أهداف حرب الإبادة التي نجحت فقط في قتل وجرح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، والشيوخ وتدمير كلّ مقومات الحياة ولم تستثن حتى المستشفيات والصحافيين والمؤسسات الدولية وطواقم الإغاثة الأجانب حيث قتل أخيراً 7 من طاقم المطبخ المركزي العالمي، من مواطني الدول الداعمة لـ “إسرائيل”… ليتبع ذلك العدوان على القنصلية الإيرانية في دمشق، الأمر الذي ادّى إلى إثارة غضب حكومات الدول الأكثر تأييداً لـ “إسرائيل”… لأنّ “الكيل طفح” ورئيس حكومتها المتطرفة بنيامين نتنياهو بات يضرب خبط عشواء، وهو فقد أيّ اتزان وقد أصبح متهوّراً وكلّ همّه ارتكاب المزيد من القتل ومواصلة الحرب، حتى ولو أدى ذلك إلى تفجير حرب إقليمية، من أجل خلط الأوراق، وبالتالي الهروب من استحقاق الإقرار بفشل عدوانه على غزة حفاظاً على مستقبله السياسي، واستطراداً تجنّب الرضوخ لشروط المقاومة الفلسطينية، مدعومة ومسنودة من دول وقوى محور المقاومة، لوقف الحرب والانسحاب من غزة وعودة النازحين إلى شمال غزة وتقديم الإغاثة العاجلة لهم وفك الحصار وإعادة الإعمار، من ضمن صفقة شاملة لتبادل الأسرى…
لكن الأمر لم يعد يسير كما تشتهي سفن نتنياهو ومن ورائه أحزاب اليمين المتطرف، الذين لا يرتوون من سفك دماء الأبرياء في غزة.. فإدارة العدوان في واشنطن التي وفرت لـ “إسرائيل” الدعم والمساندة والغطاء لحرب الإبادة الصهيونية وسحق المقاومة، وأقامت جسراً جوياً وبحرياً مدّ جيش الاحتلال بأحدث الأسلحة والذخائر اللازمة لتمكينه من خوض هذه الحرب ومواصلتها، وأخيراً إقرارها 26 مليار دولار مساعدات عسكرية واقتصادية لـ “إسرائيل”.. لكنها اصطدمت بتطورين:
التطور الأول، الردّ الإيراني القوي والمؤثر والذي كشف عن مدى ما تمتلكه إيران من قدرات وقوة متطورة، مما أحدث تحوّلاً في موازين القوى ومعادلات الصراع وقواعد الاشتباك، ووضع حداً للعربدة والغطرسة الصهيونية، وجعل واشنطن تدرك جيداً المخاطر التي تنتظر قواتها وقواعدها ومصالحها في المنطقة، إذا ما انخرطت مع كيانها الصهيوني المؤقت في حرب إقليمية ضدّ إيران وقوى محور المقاومة.. ستجعل أيضاً الكيان في خطر حقيقي يهدّد وجوده برمته بعدم القدرة على البقاء والاستمرار…
التطور الثاني، انقلاب الرأي العام الأميركي، ولا سيما انتفاضة الطلاب في الجامعات الأميركية ضد سياسات واشنطن الداعمة للعدوان الصهيوني، على أبواب الانتخابات الرئاسية، مما بات يشكل تهديداً حقيقياً لاحتمال فوز جو بايدن بولاية رئاسية ثانية، خاصة أنّ آخر استطلاع للرأي أجرته مجلة “نيوزويك” في 24 آذار الفائت كشف ان نسبة معارضي سياسات بايدن تجاه الوضع الإنساني في غزة ارتفعت إلى 37%، في حين تراجعت نسبة المؤيدين إلى 30% بعدما كانت الأرقام معاكسة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث أيّدت نسبة 37% سياسات بايدن معلنين دعمهم الكامل لـ “إسرائيل”، فيما عارض 35% سياسات الرئيس الأميركي. بينما أظهرت نتائج استطلاع أجري في 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي تراجع نسبة المؤيدين إلى 33% وارتفاع نسبة المعارضين إلى 39%. وهو ما دفع زوجة بايدن إلى مطالبة زوجها بوقف الحرب في غزة.
وكذلك الأمر بات ينسحب على بقية شركاء أميركا الغربيين الذين باتوا يخسرون في استطلاعات الرأي نتيجة استمرارهم في دعم “إسرائيل” وبيع الأسلحة لها..
انه جرس الإنذار الذي دق في دوائر صنع القرار في كلّ عواصم الغرب بضرورة التحرك لإنقاذ “إسرائيل” ومصالحهم من تهوّر نتنياهو وإمعانه في مواصلة حرب خاسرة، فشلت في تحقيق أهدافها ولا يوجد في الأفق ايّ إمكانية لبلوغها، فيما استمرار الحرب لا يؤدي سوى إلى مزيد من الخسائر عليهم وعلى “إسرائيل” وانّ وقف هذه الحرب الآن أصبح ضرورة للحدّ من الخسارة وإنقاذ “إسرائيل” من الاستمرار في الغرق في مستنقع غزة بدلاً من الخروج منه..
من هنا يجب أن نفسّر أسباب الارتباك في موقف الرئيس الأميركي بايدن والحكومات الغربية.. انه يحصل تحت ضغط الرأي العام في أميركا ودول الغرب، حيث أصبحت الغالبية الشعبية تساند القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة “الإسرائيلية” المدعومة من الحكومات الغربية.. على أنّ هذا المأزق الذي باتت تعاني منه إدارة بايدن والذي يفاقم منه قيامها باستخدام العنف لقمع انتفاضة الطلاب، يلاقي أيضاً مأزق نتنياهو المتزايد في مواجهة الرأي العام “الإسرائيلي” الذي يدعوه للاستقالة، وقبل ذلك إجراء صفقة لتبادل الأسرى حتى ولو أدّت إلى القبول بشروط المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة…
إنّ هذا الانقلاب في الرأي العام الأميركي والغربي، والتحوّل في موقف الحكومات الغربية، وتفاقم مأزق نتنياهو، لم يكن ليحصل لولا:
أولاً، نجاح المقاومة الفلسطينية في الصمود في مواجهة أشرس حرب صهيونية أميركية، مدعومة من شعبها الذي أذهل العالم بصبره وتحمّله، ولم يتخلّ عن مقاومته من جهة، ومدعومة من محور مقاومة الذي لم يتركها تقاتل وحدها في ساحة المعركة من جهة ثانية…
ثانياً، دخول كيان الاحتلال الصهيوني في مأزق كبير نتيجة الغرق في مستنقع غزة، وما يسبّبه من استنزاف كبير لجيش الاحتلال، لا سبيل للخروج منه سوى التسليم بالفشل والتراجع الآن قبل الغد، لأنّ الاستمرار في الغرق لن يقود سوى إلى هزيمة أكبر وأكثر فادحة بنتائجها على “إسرائيل”، والحكومات الغربية الداعمة لها ولا سيما الولايات المتحدة.. وتحوّل “إسرائيل” إلى كيان منبوذ ومعزول عالمياً على غرار ما واجهه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قبيل سقوطه…
لذلك عاجلاً ام آجلاً فإنّ لحظة هزيمة “إسرائيل” في غزة قد اقتربت، وانّ محاولة تأجيل هذه اللحظة عبر قيام نتنياهو باجتياح مدينة رفح لن يغيّر من هذه الحقيقة، لأنّ اجتياح رفح انْ حصل لن تكون نتيجته أفضل حالاً من نتيجة اجتياح شمال غزة أو خان يونس، ولهذا فإنّ إعلان هزيمة “إسرائيل” أمام المقاومة باتت مسألة وقت.. حتى ولو حاولت واشنطن إيجاد المخرج السياسي للحدّ من تداعيات الهزيمة الإسرائيلية.. فالهزيمة حاصلة طالما انّ أهداف الحرب الإسرائيلية لم تتحقق، والمقاومة لم تهزم، وصمدت، وهي تواصل القتال ببسالة منقطعة النظير، تماماً كما حصل إبان اتضاح مشهد الهزيمة الإسرائيلية في حرب تموز عام 2006 عندما فشلت “إسرائيل” في سحق المقاومة واضطرت إلى وقف حربها تحت غطاء القرار الدولي 1701…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى