الخيانة مجرد وجهة نظر!
جمال محسن العفلق
ربما غرقنا في الدبلوماسية والتهذيب بالردّ على خصومنا وكنا نعتبر أنها خصومة سياسية لا يجب أن تخرج عن إطارها السياسي، فهم الشركاء في الوطن وأبناء جلدتنا وتربّينا في نفس البيئة، ولكن الواقع اليوم يخبرنا أنهم يستغلون تهذيبنا واستخدامنا للكلمات الدبلوماسية في الدفاع عن قضايا الوطن أسوأ استغلال.
لقد رفعوا شعار الخيانة تحت اسم حرية التعبير فكانت النتائج كارثية بكلّ معنى الكلمة، هم اليوم أعداء وليسوا مجرد خصوم سياسيين نختلف معهم في بعض القضايا الوطنية.
اليوم نحن نتعامل مع جيش من العملاء يبث الدعاية الصهيونية ويروّج لتدميرنا ويحتفل بقتلنا، تحت اسم الوطن يقف في صف عدونا مدّعياً أنها وجهة نظر لا يجب أن نحاسبه عليها، يمارس علينا كلّ أنواع الضغوط مدعوماً بالإعلام والصحافة الصهيونية رافعاً شعار المحبة والسلام الكاذب.
عدونا هذا لم يرَ ولم يسمع ولم يشاهد كلّ جرائم الصهيونية منذ سبعة عقود ولكنه في غفلة من الزمن رأى جريمة اغتيال أطفال الجولان فخرجت البيانات المتطابقة لاتهام المقاومة وسمعنا أصواتاً لم نكن نعلم بوجودها سابقاً تتحدث عن حماية (قومية طائفية) مصطلح جديد لم تعرفه المنطقة من قبل. يطلقه من تربّى في كنف الصهيونية ويروّجه العملاء مصدّقين أنّ إنشاء الدويلات سيجعل العالم أفضل.
ليأتي العدوان الهمجي على حارة حريك في بيروت ويحتفل خصوم المقاومة بالقصف الصهيوني على وطنهم بتشفٍّ يدلّ على مدى غرق هؤلاء في العمالة والخيانة، فمن يتابع تلك المقالات والتصريحات يجدهم أنهم صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم.
ربما تحتاج المرحلة التي نعيشها الى شيء من الدبلوماسية والدعوة الى توحيد الجهود لحماية وجودنا ولكن مع من نتحاور وهم اليوم يطلقون تصريحاتهم بدون خجل ولا أبالغ حين أقول إنّ الصهاينة أنفسهم حذرون في بعض التصريحات في وقت يعمل العملاء كأنهم ملكيون أكثر من الملك نفسه، فهذه الحرب اليوم بشكلها الواضح هي حرب بين الأحرار من أهل الأرض ومنظومة استعمارية غربية ذراعها ما يسمّى الكيان الصهيوني، حرب شرسة بكلّ ما للكلمة من معنى، فكم هو جاهل من يعتقد أنّ معركتنا مع مجموعات من قطعان الاستيطان الصهيوني فقط، لأنّ من على الأرض اليوم هو الغرب الاستعماري بكلّ خبراته ومعداته الحديثة والدعاية التي يروّجها عملاء الصهيونية انّ الكيان قوة لا تقهر ويجب علينا جميعاً أن نخضع له صاغرين، متجاهلين كلّ الأخبار الآتية من فلسطين ومتجاهلين أنّ هذا العدو كلّ انتصاراته هي مجازر بحق المدنيين فقط…
ويبقى السؤال أين نحن من المستقبل؟ إذا قبلنا بكلّ ما يحدث اليوم ورضينا بتلك الأوهام التي تعدنا بها أميركا بالتقسيم وفق الطائفية والمذهبية وتشكيل دويلات خالية من أيّ تنوع ثقافي يحكمها مجموعة من العملاء للصهيونية العالمية، فماذا سيبقى من وجودنا الإنساني إذا تمّ إخضاعنا لهذه النظرية التي تلغي وجودنا وتدفع بنا الى المصير المحتوم وهو الزوال الأكيد.
لقد آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمّياتها الحقيقية ولم نعد بحاجة الى تلك اللغة المهذبة في وصف خصومنا، فهم اليوم أعداء وجودنا وأعداء الوطن اختاروا طريقهم فهذا أمر يعنيهم أما نحن فخيارنا ثابت وواضح أن فلسطين ليست مجرد أمتار أرض نقاتل من أجل الحصول عليها إنما هي قضية وجود منطقة كاملة أسمها الشرق وحربنا مقدسة لأن انتصارنا هو انتصار للإنسانية في العالم بأسره، ودليل نزاهة قضيتنا شاهدناه في تلك الجموع التي خرجت من كلّ عواصم العالم بما فيها عواصم الغرب الاستعماري مناصرة لنا ومدافعة عن حقنا بالمقاومة وهو حقّ مشروع ضمنته كلّ الشرائع السماوية والقوانين الوضعية فلماذا نخجل اليوم بإعلان موقفنا من العملاء قبل الأعداء؟
فنحن نقدّم الشهداء وهم يقبضون ثمن تلك الدماء، نحن على الجبهات وهم يعيشون في الفنادق وعلى الشواطئ،
نحن نتقاسم رغيف الخبز وهم متخمون فلمن يكون الوطن؟
غضب العالم لأنّ مجموعة من الشباب الغاضب كسر كاميرا لمحطة تعلن ولاءها للكيان وثارت الحمية عند كلّ المنافين عن حرية الصحافة وتجاهل هذا العالم المنافق أنّ نفس المحطة كانت تبث لقطات لحفل غنائي ورائحة الدماء ما زالت في المكان. فكيف لنا أن نثق بكلّ هذا العالم الذي يتعامل معنا بالكيل بمكيالين ويسمّي شهداءنا مجرد قتلى وأرقام ولا يصف الحقيقة كما هي أنهم شهداء عدوان ومجازر بحق البشرية.
أيها القارئ العزيز ربما تجد في مقالي هذا كلمات التحريض ولكنها في الحقيقة بعض من بركان غضب على دماء اخوتنا وشهداء صدقوا الوعد وكانوا على العهد، على وطن عشنا فيه ونريده أن يكون أفضل من أجل أجيال قادمة، فنحن لا نسعى لإلغاء أحد ولكن من حقنا أن ندافع عن وجودنا الإنساني فهل يُلام من يطلب الحرية والكرامة لأبناء قومه؟
فالخيانة هي الخيانة ولا يمكن ان تكون مجرد وجهة نظر، والعالم اليوم يعتمد علينا وعلى ثباتنا في الدفاع عن القضايا الإنسانية بحق ويبقى لرجال الميدان كلّ الحق في تحديد الردّ ووقته فلن يهزمنا الانتظار ولن نساوم على دعم من يضحي بنفسه من أجل تحررنا، فما دمنا من البشر فمن حقنا أن نعيش كما نرغب لا أن نكون مجرد أرقام على أرض ليس لأحد فضل علينا بوجودنا عليها.