معركة كسب… من صاحب المصلحة الحقيقية فيها؟
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
كثرت التحليلات والقراءات حول “معركة كسب”، كما كثرت محاولات الربط بينها وبين جملة تطورات أخرى، حصلت على مستوى مواقع مختلفة، كانت مؤثرة في المشهد السوري، فهل صحيح أن “معركة كسب”، كانت لها علاقة بتطور المشهد العام في سورية؟ ثم ما الرابط الموضوعي بينها وبين العنوان الرئيسي للحرب الحاصلة على مستوى الوطن السوري؟ بمعنى، هل هدف “معركة كسب” هو ذات الهدف التي قامت على أساسها هذه الحرب؟ وهل هذه المعركة لها علاقة بالمعارك الأخرى الحاصلة على مستوى أطراف ورؤوس سورية أخرى؟!!
إنّ المتابع لحيثيات هذه المعركة، والرابط لها مع جملة التطورات الأخرى، والتحولات الهامة التي حكمت المشهد العام للمنطقة، سياسياً وعسكرياً، يرى أنّ هناك متحوّلاً رئيسياً في عنوان المعركة، وعنوان العدوان الذي قامت عليه هذه المعركة، إذ انّ جملة أسئلة هامة صاعدة، يمكنها أن تفرض ذاتها في ظلّ هذا المشهد، أهمّها، هل فعلاً “معركة كسب” كان يعوّل عليها، أو يتطلع إليها، على أنها سوف “تسقط النظام” في سورية؟ أو أنها سوف تأتي “برأس الدولة السورية”؟ هذه أسئلة هامة، لا بدّ من الأجابة عليها، كي يتسنى لنا فهم حيثيات وتداعيات وأبعاد هذه المعركة…
لا نعتقد أنّ مَن أدار “معركة كسب” أراد أن يسقط “دمشق” من بوابة “كسب وأخواتها”، وإلا لكان عسكريّاً عليه أن يأتيها من الجنوب، أي يأتي دمشق، كما أنّه لم يكن غائباً عنه، أنّ القوات المسلحة السورية منعت تقدم المجموعات المسلحة باتجاه دمشق، ولجمتها في حدود معينة ومحدّدة، ومنعتها من أن تتقدم باتجاه الهدف الذي وضعته…
ولا نعتقد أنّ من تطلع إلى كسب كان يعتبرها مدخلاً باتجاه اللاذقية، أو معبراً لإسقاط اللاذقية، وإلا لكان تصوّره ليس تصوّراً عسكرياً محترفاً وواقعياً، في ظلّ معرفة مطلقة وبديهية، تقول، بأنّ محافظة اللاذقية السورية، لها حسابات مختلفة عن كثير من محافظات القطر الأخرى، لجهة أنّ كرة النار يجب ألا تشتعل فيها، مهما كان الثمن الذي يمكن أن يحول دون هذه النار، كون أنّ بنية المحافظة الداخلية يمكن أن تساهم في كثير من القضايا التي لا تساعد الدولة السورية على الاستقرار، لذلك كان جهد الدولة من أجل تبريدها، وإبقائها بعيدة نوعاً ما عن جملة تجاذبات العدوان، هامة وأساسية في استراتيجية الدفاع أو صدّ العدوان ذاته!!
نعتقد أنّ من دفع باتجاه “معركة كسب” لم تكن غائبة عنه كلّ هذه الأمور، ونعتقد أنّه لم يكن يعوّل على الأهداف التي لها علاقة بالمعركة الرئيسية والعدوان الأساسي على سورية، وإنما كانت له تطلعات أخرى وأهداف جديدة، تطلعات وأهداف لا تتعلق بـ “إسقاط الدولة” أو “إسقاط النظام” في سورية!!
بداية، من كان له علاقة بهذا العدوان الجديد، أو الفرعي من العدوان الرئيسي، ثم إلى ماذا كان يتطلع ويرمي، ونقصد صاحب العدوان، ثم من هو صاحب المصلحة الرئيسية بهذا العدوان، أو هذه المعركة؟!
نعتقد أنّ الهدف الرئيسي لهذه المعركة كان واضحاً، من خلال طبيعة المعركة، وعناصر الإثارة التي قامت عليها، ثم جملة الأحداث التي اتكأت عليها طبيعة تطور مجرياتها، والشروط والظروف التي كانت تحيط بها، خاصة لجهة الدور الذي لعبته حكومة أردوغان، وعلينا أن نجمع المشهد في مجمله، كي نستطيع فهم العلاقة بين الحاصل ميدانياً، وبين الحاصل سياسياً، وخاصة على أكتاف الانتخابات التي حصلت في تركيا، والمشهد المعقّد الذي رافق أو أحاط بهذه العملية الانتخابية…
نعتقد أن حكومة أردوغان كانت تبحث عن مشهد يأخذ الأتراك بعيداً عن الداخل التركي المزدحم جداً، ونعتقد أنّ طبيعة الملاحقة والحصار الذي وقعت فيه هذه الحكومة، دفعت كلها باتجاه البحث عن تصريف لهذا الثقل الكبير، في فعل التراكمات التي نشأت في مواجهة هذه الحكومة.
كون أنّ هناك ظرفاً وشرطاً صاعدين كانا هامين جداً، ومؤثرين في لعبة التوازنات التي كانت تتشكل على أكتاف تحوّلات وتطوّرات المشهد الداخلي، الذي كان يأخذ من طاقة التركيز لدى الشارع التركي، كما أنّ طبيعة المرحلة التي تشكلت على عنصر الملاحقة والمتابعة اليومية لسقوطات حكومة أردوغان، شكلت كلها مناخاً جديداً كان لا بدّ من تجاوزه، وبما هو أشدّ وقعاً منه، وأكثر تأثيراً في طاقة التركيز لدى الوعي الجمعي للشارع التركي!!
في ظلّ هذا المشهد التركي الداخلي أصبح ضرورياً أن يبحث أردوغان وحكومته عن منافذ تصريف لهذا المتراكم الثقيل جداً، ولا بدّ من أخذ عيون الداخل التركي باتجاه عناوين أخرى مختلفة تماماً، لها علاقة بمنجز يعطي أردوغان مساحة سياسية أوفر وأبرد للخروج من أزمته تلك!!
لم يكن أمام أردوغان إلا أخذ عيون الأتراك باتجاه معركة مفتوحة، مع من “يهدّد” أمنهم واستقرارهم، و”يهدّد” سيادة الدولة التركية والشعب التركي، ولم يكن أسهل من مشاغلة النار المستعرة على الجغرافيا السورية، أو حتى مراقصتها لفترة من الزمن، حيث يُحشد من خلالها “الشعور الجمعي” لدى الأتراك، ويضعهم “صفاً واحداً” في الدفاع عن “أمن بلادهم”!!
نعتقد أنّ هذا “السيناريو” كان واضحاً في جملة هامة من المواقف والتصريحات، حتى التسريبات، التي حكمت تداعيات المعركة ذاتها، وأثبتت كم أنّ أردوغان كان بحاجة ماسة لها، في حين أنّ البعد الميداني، أو العسكري، للمعركة ذاتها، لجهة تأثيرها على أبعاد المعركة الكلية الحاصلة على الجغرافيا السورية، لم يكن ذا قيمة تُذكر!!
إذن… يمكننا القول، إنّ “معركة كسب” كانت معركة أردوغان للدفاع عن مصالحه، في ظلّ تطور المشهد التركي الداخلي، وفي ظلّ هزيمة كانت تطارده داخلياً، كون أنّ هزيمة خارجية، على مستوى الإقليم، ما انفكت تعوي خلفه وتلاحقه، من محطة إلى أخرى، ومن موقف إلى آخر!!
“معركة كسب” لا يمكن لها أن تأتي على تغيير المشهد الميداني، كما أنها لا يمكن أن تؤثر على معادلة توزيع القوى، أو خارطة ناتج المعركة الكبرى على مستوى الداخل السوري، بل على العكس تماماً، لقد أضرّت وأساءت في مشهدها الكلي، لجزء من “حاضنة مفترضة”، كان يمكن لها أن تعوّل على ما تبقى من “مشروع معارضة”، تشكّل رافعته “ثورة”، على رأسها “عثماني” لا يتردّد في أن يتباهى بذلك!!