هل ينتبه الأميركيّون
إلى اللعب بالنار؟

 ناصر قنديل

لم يعُد ممكناً تجاهل المعنى الدقيق لتوقيت التصعيد الذي يشهده الملف الاقتصادي خصوصاً في لبنان والعراق، وتحويله قضية متفجّرة في الشارع، والقضية كي تكون واضحة للبحث هي فقط التوقيت، وليست أبداً نفي أسباب الغضب الشعبي أو مشروعية هذا الغضب. فالفساد قائم هنا وهناك، والاستهتار بأوجاع الناس قائم هنا وهناك. والمحاصصة قائمة هنا وهناك، والجوع والبطالة والضغوط المعيشيّة قائمة هنا وهناك، لكن كل ما هو قائم قائم منذ زمن، ولم يطرأ عليه جديد بحجم يفرض توقّع ردود أفعال بحجم ما هو قائم، وربما يمكن إضافة مصر إلى القائمة التي تضمّ لبنان والعراق بطرح سؤال التوقيت.

قد يكون واضحاً لكل متابع أن للتوقيت صلة بخطوات انفتاحيّة على سورية اتخذتها الدول الثلاث أو أعلنت العزم على اتخاذها، عقب الإعلان عن نجاح مساعي تشكيل اللجنة الدستوريّة السوريّة وصدور إشادات بتشكيلها من واشنطن والرياض، العاصمتين اللتين منعتا سابقاً أي انفتاح مصري أو لبناني أو عراقي على سورية يتجاوز حدود الشكليات الدبلوماسية، بينما جاءت الخطوات المعلن عنها نوعيّة، بحجم عودة سورية إلى الجامعة العربية، كما قال وزير الخارجية المصري، وبحجم فتح معبر البوكمالالقائم وما يعنيه من فرص استراتيجية أمام العلاقات بين سورية والعراق واستطراداً من ورائهما إيران ولبنان، وكذلك الفرص الاقتصادية الواعدة لسورية بوجه العقوبات. أما لبنان فترجم سعيه الانفتاحي بفتح ملف عودة النازحين بتعاون الحكومتين، وكلها تبدو تجاوزاً لخط أحمر أميركيّ سعوديّ يريد ربط كل انفتاح بقاطرة تقودها واشنطن والرياض بتوقيتهما. وهذا لا يعني ولا يجوز أن يعني أن الذين نزلوا إلى الشارع عملاء أميركا والسعودية، بل يعني أن صواعق التفجير للشارع أميركيّة سعودية ومعلومة بالأسماء كيفية تحضيرها وتفجيرها، وأن نوابض التلقي في الشارع منظمات مموّلة من برامج المساعدات الأميركيّة لما يُسمّى بمؤسسات المجتمع المدني.

ما لا تنتبه له واشنطن هو أنها تلعب بالنار، فدول وقوى محور المقاومة ومعها روسيا، بعد الانتصارات الكبرى التي حققتها جميعاً، لن تترك التآكل والهريان أن يصيبا بيئتها الشعبية، ولا الفوضى أن تنخر بيئتها السياسيّة، وعلى الأميركييّن أن يلتفتوا إلى كون قواتهم تشكل نقطة ضعف مكشوفة لا تحميها خطوط حمراء. ولعله من اللافت ما تقوله سورية في هذا التوقيت عن وجود وسائل مشروعة ستلزم الأميركيين بالرحيل، ومثلها كلام للحشد الشعبي عن التمركز الأميركي في العراق، وأخيراً كلام مهم لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن خطورة الغارات الإسرائيلية في سورية، والأهم القول إنهاقد تدفع الوضع للخروج عن السيطرة”.

واشنطن مدعوّة لإدراك معادلة الحرب المالية مقابل الحرب العسكرية، والفوضى في الشارع تقابلها مقاومة الاحتلال، وأن التملص من معادلة للهروب إلى أخرى سيزيد الوضع تعقيداً، وربما يكون دقيقاً ما قاله لافروف أنه قد يخرج عن السيطرة، وتبدو الأسابيع المقبلة حاسمة على هذا الصعيد بضوء ما ستحمله أخبار الشارع في بغداد وبيروت.

زر الذهاب إلى الأعلى