همزة وصل

ستشهد تركيا في المرحلة المقبلة نقاشاً واسعاً في ما يتعلق بمساعي رجب طيب أردوغان بإلغاء الهوية العلمانية للبلاد والعوامل اللاأخلاقية التي استخدمها لذلك بدءاً بحالات الفساد التي مارستها حكومته، مروراً بالتحريض الطائفي والمذهبي، وانتهاءً بإحكام سيطرته على الإعلام المكتوب والمرئي، بعدما أحسّ بالخطر الذي يحدق به نتيجة ارتدادات حربه الظالمة على سورية والعراق، معيداً إلى الأذهان من جديد وصمة العار العثمانية التي تكللت بالمذابح في أوائل القرن العشرين والتصفيات الجماعية للأرمن والسريان والآشوريين والأكراد، على أسس دينية وعنصرية مشينة.

ربما تصلح مفردة «كشف» أكثر من غيرها للتعبير عن طريقة فهمنا لتحولات «الهوية التركية» التي أصابها أردوغان في الصميم بخاصة بعد فوز حزبه (العدالة والتنمية) بالنقاط على علمانية الدولة التي أسسها كمال أتاتورك في عشرينات القرن المنصرم.

وعندما نقول بالنقاط فاللإشارة إلى أن لحلبة الملاكمة جولات مقبلة حيث يتربص العسكر في زاوية من زوايا التكية العثمانية للانقضاض عليه وعلى الإسلام السياسي والانتقام منه بالضربة القاضية.

لقد أمحت حكومة أردوغان وبطانته الكثير من المفاهيم والصروح التي شيدتها تركيا الحديثة بقيادة كمال أتاتورك. بهذا الشكل أو ذاك تنسج تركيا اليوم الحبال حول نفسها كما شبكة العنكبوت وستلتف عليها خيوط هذه الشبكة بمجرد سقوط الأقنعة والرياء عن وجوه قادة «العدالة والتنمية» في هذه الانتخابات.

وأمام قُبلة العنكبوت السامة حفر أردوغان، الذي يدعم الجماعات الارهابية في كل من سورية والعراق، مَدفناً لفكره الظلامي، مثلما كانت كل من الأرض «السوراقية» مدفناً للغزوات والحروب التي جاءت محملة بتصورات شتى إلى رمالها المتحركة.

وجد أردوغان في تكتيك الهجوم على سورية والعراق خير وسيلة للاحتفاظ بلقبه، فكشف أمام لاعبيه عبر خطاب لا سابق له في عرف السياسة الخارجية كل نواياه الهجومية بتكتيك ونبرة طائفية بامتياز، بل «شحذ سكاكين المذهبية والعرقيةعلى حد قول الباحث الصديق محمد نور الدين معنوناً بذلك إحدى مقالاته.

قيل «بشّر القاتل بالقتل» و«حبل الرياء قصير». وقريباً ستنال تركيا «العدالة والتنمية» نصيبها من الثمن الباهظ وستدفعه عاجلاً أم آجلاً، ولعل ظلال عدنان مندريس (رئيس الوزراء في الخمسينات من القرن الماضي) لا تزال تدور في غرف نوم أردوغان وهو يتحسس رقبته التي سيلتف عليها حبل المشنقة كما ألتف على عنق مندريس الذي كان أول من أدخل الاسلام السياسي إلى الفضاء التركي بعدما كان أتاتورك قد دفنه بعد سقوط السلطنة العثمانية.

                                                                                                                                                                                    نظام مارديني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى