بين الاستعراضية والحقيقة… هل تغيب الوضعية؟

فاديا مطر

في ضوء ما يتم حشده من تحضيرات عسكرية تركية على الحدود السورية، والتي كشفتها صور الأقمار الصناعية الروسية منذ أيام، تتحضّر سيناريوات عدة بعد إعلان السعودية عن خطط تدريبات عسكرية كجزء من إعدادها للتدخل العسكري في سورية بحجة «مكافحة داعش»، مع إعلان المغرب وتركيا والكويت والبحرين والإمارات وقطر عن تأييدها القرار السعودي، في ما كشف موقع شبكة CNN في 5 شباط الجاري عن مصادر سعودية أن عدد المتدربين قد يصل إلى 150 ألف جندي، وهو ما ردّت عليه الدبلوماسية السورية بمؤتمر صحافي لوزير الخارجية «وليد المعلم» في 6 شباط أن دمشق طلبت من المبعوث الدولي «ستيفان ديمستورا» تحديد جدول زمني لمحادثات «جنيف 3»، واعتبار أن أي تدخل بريّ في الأراضي السورية دون موافقة الحكومة سيُعتبر عدوناً يستوجب مقاومته، وأن السعودية تنفذ إرادة أميركية فيما كان قد أعلن وزير الدفاع الأميركي «آشتون كارتر» في 4 شباط الجاري أن الخطة السعودية ستناقش هذا الأسبوع في بروكسل.

فالجدل الدولي لم يُحسم حيال هذا الأمر حتى الآن، وحجم الخسارة الاستراتيجية التي لحقت بحلفاء واشنطن الإقليميين باتت واضحة بعد الحضور العسكري الروسي إلى الأجواء السورية، وهو ما برهن عليه أداء وفد «معارضة الرياض» في «جنيف 3»، والتعاظم الدراماتيكي لدور الجيش السوري وحلفائه في وجه العصابات التكفيرية في أرياف حلب واللاذقية ودرعا، وتنامي دور الأكراد في حسم مناطق خرجت من اليد الإرهابية في الشمال الحلبي، في ما انعكست ترتيبات توجّه واشنطن لترتيب الملفات مع موسكو على تطور العلاقة السعودية ـ التركية التشاركية تزامناً مع الدور المتصاعد لإيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وترسخ المكانة الإقليمية والدولية لها، فمنذ 14 تشرين الثاني الماضي في إنطاليا التركية والسعي يزداد لرأب الصدوع في العلاقة بين الرياض وأنقرة، بعد ما اتضح تفاعل الدور الروسي تجاه التدخل التركي ـ السعودي في سورية، وهو ما جعل صلاحيات التمويل للمجموعات الإرهابية في سورية تنخفض، بعد القضاء على طرق ومخازن ولوجستيات الدعم في الأرياف السورية بفعل الغطاء الجوي الروسي والتقدم التكتيكي والاستراتيجي للجيش السوري وحلفائه الذي يدرس بعمق نقاط وطرق إضعاف المراكز العصبية للمكونات الإرهابية ويستهدفها بدقة.

فالقدرات السعودية باتت مكشوفة وهو ما أوضحته اليوم الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية «ماريا زاخاروفا» تعليقاً على التدخل البري السعودي في سورية بأن «السعودية التي لم تنتصر في اليمن، هل يمكن لها التدخل في سورية؟، فهو دور سعودي مكشوف بثوبيه العملي والنظري، ولا يحمل في جوانبه إلا تنفيذاً لقرارات أميركية ترشح من تحت الطاولة، ويعول عليها بعض الإقليم في دور حاسم لخريطة التوازنات، لكن سيناريوات التمني بدأت بالانكسار والانحسار تدريجياً مع تقدم الجيش السوري وحلفائه وتدميره للمواقع الجيواستراتيجية للإرهاب الدولي وبدء حلقات تباين المنطلقات السياسية والإيديولوجية لفرق الإرهاب على الساحة السورية والتجاذبات والاتهامات التي بعضها سبق الانسحابات، وتضارب أهداف هذه المجموعات على الأرض التي يسيطرون عليها وهو ما بدأ يرفع الحرج عن بعض الأطراف الدولية من تقليص الدعم المالي واللوجستي لهذه التنظيمات، وضغطها على الحلفاء الإقليميين للجم اندفاعاتهم وبدء سلسلة تقديم التنازلات، وهو ما أظهرته التطورات الروسية في تغيير موازين القوة على الأرض السورية، وبدء تأهيل ونسج نظام عالمي مشارك في الحرب على الإرهاب، خصوصاً بعد التموضع الإيراني الجديد كلاعب إقليمي ودولي قادر على إيقاف الساعة البيولوجية لملفات نزاع المنطقة التي تشعلها الأيدي الغربية، ويرمي بثقل سياسي وعسكري يحمل في جعبته تغييراً لتوازن القوى في سورية.

فالسياسة الغربية البراغماتية لم تنجح في دعم أعمدة الإرهاب مع طمأنة الحلفاء، ولم تستطع التستر بنفسها عن صور الأقمار الروسية والتي استطاعت إظهار القوة الروسية الحليفة للجيش السوري كقوة جذب الانتباه الدولي لمسافة أقرب إلى الرؤية السورية عن طريق ربط العسكرة والسياسة بمركز الدولة السورية، وهو ما جعل ملامح حلف جديد بين الرياض وأنقرة يطفو على السطح، خصوصاً بعد إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني الماضي فوق الحدود السورية ـ التركية، وتغيير أولويات القوى الغربية، وهو ما سيفرز مواقف تحدد اصطفافات قد تجد نفسها في قلب العاصفة والعودة في صناديق خشبية إلى مساقط رؤوسها، كما وعد الوزير المعلم أول من أمس، فهل الأجواء الاستعراضية ستُرضي من يقف بين الجو الملتهب ونار التقدم العسكري السوري؟ أم أن القوى الحليفة نفسها تتخبط في جوانب متعارضة منها..؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى