مقالات وآراء

جرائم الفاخوري… بين قانون العقوبات اللبناني والقانون الدولي الانساني جرائم الفاخوري… بين قانون العقوبات اللبناني والقانون الدولي الانساني

وجيه زغيب

تسمّرت البلاد دهشةً على مدى أيام أمام تسلّل العميل عامر الياس الفاخوري الى لبنان عبر مطار بيروت تسللاً مُشرعناً، من خلال المساعدة اللوجستية التي سبقت ومهّدت لعودته، بإسقاط العقوبة التي قضت عليه بها المحكمة العسكرية الدائمة بجناية الاتصال بالعدو والتعامل معه، ومن خلال استرداد أو الغاء وثيقة الإتصال الصادرة بحقه عن مخابرات الجيش اللبناني، والتي تصدر عادة بحق العملاء نظراً لخطورتهم أمنياً،

وفي قراءة للمشهد العام في البلاد يتضح وجود انقسام غير معلن بين من يعتقد مطمئناً بأنّ قضية العميل الفاخوري بحكم المنتهية استناداً الى فكرة سقوط العقوبة المحكوم بها عليه من المحكمة العسكرية بمرور الزمن، ولكن دون المجاهرة بهذا الاطمئنان الذي يخفي رغبة في افتتاح مسار فعلي لتسوية أوضاع العملاء، وبالتالي تشريع أبواب عودتهم.

وبين غاضب ومستنكر لهذا التسلل، ورافض للتسليم بفكرة سقوط العقوبات عن العملاء، وإمكانية عودتهم الى لبنان على الرغم من خيانتهم الوطن وتعاملهم مع العدو، والتنكيل باللبنانيين ابان فترة الاحتلال الصهيوني.

على هذا الأساس تجري مقاربة المسألة من زاويتين مختلفتين، ولكن حتى اللحظة لم يقدم ايّ من المتصدّين لمقاربة هذه القضية، موقفاً حقوقياً حاسماً بالاستناد الى نص قانوني واضح، فسقوط العقوبات بمرور الزمن هو أمر مرعي الإجراء ومتعلق بالنظام العام الذي لا تجوز مخالفته،

ورفض الخيانة واستنكار الصفح عن العملاء أمر تفرضه مبادئ الولاء للوطن واحترام سيادته وعزته واحترام عذابات الأسرى وتضحيات الشهداء.

إلا انّ المسألة المُثارة لا تندرج تحت ايّ من العنوانين السابقين ولا ينبغي تناولها في ضوء ايّ منهما نظراً للأسباب التالية:

صحيح انّ العميل عامر الفاخوري مدان بجرم الاتصال بالعدو، وصحيح ايضاً انّ الحكم الصادر بحقه عن المحكمة العسكرية مضى على صدوره أكثر من عشرين عاماً.

ولكن الصحيح أيضاً انّ العميل الفاخوري تجنّد في صفوف العدو وحمل السلاح على لبنان، وتلك جرائم جرى النصّ عليها في الفصل المتعلق بالجنايات الواقعة على أمن الدولة في المواد ٢٧٣ وما يليها من قانون العقوبات اللبناني.

انّ العميل الفاخوري تولى فضلاً عن دوره الخياني والأمني في ميليشيا العملاء، مسؤولية معتقل الخيام الذي ارتكبت فيه على يد العميل المذكور وتحت إشرافه أبشع أشكال التنكيل والتعذيب والقتل بحق الأسرى اللبنانيين المقاومين وبحق المعتقلين والمحتجزين المدنيين،

والأسرى بالمعنى المقصود في نص المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة هم الذين ينتمون الى مجموعة من الفئات المحمية بالاتفاقية، بينها أعضاء حركات المقاومة وفقاً لنص الفقرة ٢ من المادة الرابعة،

وفي البروتوكول الملحق باتفاقية جنيف جرى التوسع في تعريف أسير الحرب تبعاً لإضفاء صفة النزاع المسلح الدولي على حروب التحرير الوطني.

وقد حظرت اتفاقية جنيف الثالثة في المادة ١٣ منها تعذيب وإساءة معاملة الأسرى، والحط من كرامتهم الإنسانية وممارسة الأعمال المفضية الى الموت عليهم.

اما الجرائم ضدّ الإنسانية التي حظرتها المواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة وعدّدتها على سبيل المثال لا الحصر فقد شملت: الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والمعاملة القاسية والتعذيب، أخذ الرهائن، الاعتداء على الكرامة الشخصية والمهينة للكرامة…

انّ توصيف الأفعال الجرمية التي ارتكبها العميل الفاخوري تقع ضمن دائرة الأفعال المحظورة بموجب الاتفاقيات الدولية على النحو المبيّن آنفاً، وهي جرائم حرب وقعت على أسرى لبنانيين مقاومين، وجرائم ضدّ الإنسانية ارتكبها بحق المدنيين من عائلات المقاومين، من خلال اعتقال آباء أو اخوة أو أخوات أو أمهات أو بنات أو زوجات الأسرى المقاومين وتعذيبهم بالتزامن وعلى مرأى بعضهم بعضاً بهدف كسر إرادات المقاومين والحط من كرامتهم الإنسانية،

وفضلاً عن اكتساب العميل جنسية العدو، وبمعزل عن رفض او قبول فكرة سقوط العقوبة الصادرة بحقه، فإنّ العميل الفاخوري تنطبق عليه صفة مجرم الحرب الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية على النحو المعرّف في اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب وبحظر انتهاكات الحقوق الإنسانية للمتحاربين، وبحماية الأسرى وحقوقهم المكرّسة بالاتفاقيات الدولية.

ولبنان دولة موقعة على اتفاقيات جنيف إضافة الى البروتوكولين الإضافيين لهذه الاتفاقيات المعقودة في ١٢-٨-١٩٤٩ وهي بالنسبة للدولة اللبنانية ليست عرفاً دولياً واجب التطبيق فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من المنظومة التشريعية اللبنانية، وسنداً لمبدأ تطبيق القاعدة الأسمى، فإنها تسمو على التشريع الداخلي وتتقدّم في التطبيق على القوانين العادية، وفي حال التعارض بين نص المعاهدة الدولية والتشريع الداخلي يجري إهمال نص القانون الداخلي وإعمال نص المعاهدة،

ولا يغيب عنا في سياق البحث انّ البروتوكول الأول من البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف انصبّ هدفه تحديداً على حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، ويسري على المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضدّ التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضدّ الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير .

الأهمّ من كلّ ما تقدّم هو انّ الجرائم التي ارتكبها العميل عامر الفاخوري باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن بالاستناد الى نصوص اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الانسانية التي نصت صراحة على ما يلي:

الديبـــاجة

إنّ الدول الأطراف في هذه الاتفاقية:

إذ تشير إلى قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 د 1 المتخذ في 13 شباط / فبراير 1946

و 170 د 2 المتخذ في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1947 بشأن تسليم ومعاقبة مجرمي الحرب، وإلى القرار 95 د 1 المتخذ في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1946 والذي يؤكد مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية، وفي حكم المحكمة، وإلى القرارين 2184 د 21 المتخذ في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1966 و2202 د 21 المتخذ في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1966، اللذين نصا صراحة على إدانة انتهاك حقوق سكان البلاد الأصليين الاقتصادية والسياسية من ناحية، وإدانة سياسة الفصل العنصري من ناحية أخرى، باعتبارهما جريمتين ضدّ الإنسانية.

وإذ تشير إلى قراري المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة 1074 دال د 39 المتخذ في 28 تموز/ يوليو 1965 و1158 د 41 المتخذ في 5 آب/ أغسطس 1966 بشأن معاقبة مجرمي الحرب والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضدّ الإنسانية،

وإذ تلحظ خلو جميع الإعلانات الرسمية والوثائق والاتفاقيات، المتصلة بملاحقة ومعاقبة جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية، من أيّ نص على مدة للتقادم.

وإذ ترى أنّ جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية هي من أخطر الجرائم في القانون الدولي.

واقتناعاً منها بأنّ المعاقبة الفعالة لجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية عنصر هامّ في تفادي وقوع تلك الجرائم وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتشجيع الثقة وتوطيد التعاون بين الشعوب وتعزيز السلم والأمن الدوليين.

وإذ تلاحظ أن إخضاع جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية لقواعد القانون الداخلي المتصلة بتقادم الجرائم العادية، يثير قلقاً شديداً لدى الرأي العام العالمي لحيلولته دون ملاحقة ومعاقبة المسئولين عن تلك الجرائم.

وإذ تدرك ضرورة ومناسبة القيام، في نطاق القانون الدولي وبواسطة هذه الاتفاقية، بتأكيد مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية، وبتأمين تطبيقه تطبيقاً عالمياً شاملاً.

قد اتفقت على ما يلي:

المــادة الأولى

لا يسري أيّ تقادم على الجرائم التالية بصرف النظر عن وقت ارتكابها:

أ جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب/ أغسطس 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 د 1 المؤرخ في 13 شباط/ فبراير 1946 و95 د 1 المؤرخ في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1946، لا سيما الجرائم الخطيرة المعدّدة في اتفاقية جنيف المعقودة في 12 آب/ أغسطس 1949 لحماية ضحايا الحرب.

ب الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب/ أغسطس 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 د 1 المؤرخ في 13 شباط/ فبراير 1946 و95 د 1 المؤرخ في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1946، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصري…

المادة الثانية

إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المذكورة في المادة الأولى، تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضاً مباشراً على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها.

المادة الثالثة

تتعهّد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ جميع التدابير الداخلية، التشريعية أو غير التشريعية اللازمة لكي يصبح في الإمكان القيام، وفقاً للقانون الدولي، بتسليم الأشخاص المشار إليهم في المادة الثانية من هذه الاتفاقية.

المادة الرابعة

تتعهّد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بالقيام، وفقاً للإجراءات الدستورية لكل منها، باتخاذ أية تدابير تشريعية أو غير تشريعية تكون ضرورية لكفالة عدم سريان التقادم أو أيّ حدّ آخر على الجرائم المُشار إليها في المادتين الأولى والثانية من هذه الاتفاقية، سواء من حيث الملاحقة أومن حيث المعاقبة، ولكفالة إلغائه أنى وجد ،

في ضوء ما تقدّم يصبح البحث في مسألة مرور الزمن على جرائم العميل عامر الفاخوري ضرباً من ضروب العبث، وخارج ايّ سياق قانوني، اذ من واجب الدولة اللبنانية وليس فقط من حقها، الشروع في توجيه الاتهام اليه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، وعليها تقع مسؤولية اعتقاله ومحاكمته بمواد الاتهام، ولا يعفيه من ذلك اكتسابه ايّ جنسية أخرى لأنّ مجرمي الحرب يحاكمون على جرائمهم بغضّ النظر عن جنسياتهم،

بل وأكثر من ذلك فإنّ عدم قيام الدولة اللبنانية باعتقاله ومحاكمته ومعاقبته بوصفه مجرم حرب يعتبر إخلالاً بالتزاماتها الدولية في مكافحة جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية.

محام وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى