أولى

المسؤولية الاجتماعيةللدولة!!

 د. محمد سيد أحمد

تُعرّف الدولة في العلوم السياسية نظرياً وعملياً بأنها «مجتمع إقليمي مقسم إلى حكومة ومواطنين سواء أكانوا أفراداً أم هيئات تتكوّن من هؤلاء الأفراد، تحدد العلاقات بينهما ممارسة السلطة الإلزامية العليا، ويطلق على هذه السلطة اسم السيادة، ويُقصد بإسناد السيادة إلى الدولة أن الدولة تعلو جميع الهيئات الاجتماعية الأخرى، وذلك لأن لها الحق في إجبار هذه الهيئات على طاعتها دون أن تجبر هي على شيء». وبناءً عليه يذهب البعض إلى أن الدولة تختص بالمسائل المتعلقة بالدفاع والأمن الداخلي، والإشراف على الإنتاج وإدارة نظام العملة والإشراف على تحصيل الضرائب وصيانة نظام المحاكم التي تقوم بتنفيذ مبادئ الدولة القانونية، ومن بين مسؤوليات الدولة وضع التشريعات الاجتماعية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتعليم والصحة والإسكان والبطالة وغيرها.

ومنذ تبلور هذا التعريف للدولة استقرّ في الأدبيات السياسية ما يُعرَف بالحقوق الاجتماعية للمواطنين أو المواطنة الاجتماعية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من فكرة المواطنة، وذلك إلى جانب الحقوق السياسية والحقوق المدنية وهو ما يُطلق عليه البعض التقسيم الاخلاقي للعمل في المجتمع والذي تنطوي عليه نظريات العدالة الاجتماعية المختلفة، ووفقاً لذلك ظهر مفهوم المسؤولية الاجتماعية للدولة واتفق على أنه تبني سياسات واتخاذ قرارات واتباع توجهات سلوكية تستجيب لأهداف وقيم مرغوب فيها في المجتمع. وهناك مَن توسّع في تعريف المسؤولية الاجتماعية للدولة لتشمل المسؤولية الاقتصادية والقانونية والأخلاقية والإحسان العمومي، وهناك مَن يوصف المسؤولية الاجتماعية للدولة بأنها دولة الرعاية الاجتماعية التي تقف في وجه تغوّل السوق المتحرّرة من كل القيود.

والمسؤولية الاجتماعية للدولة بحكم تعقّد وتشابك مؤسساتها يمتد إلى قدرة الدولة على حل المشاكل المترتبة على تطبيق السياسات العامة في مختلف مناحي الحياة ومواجهة المخاطر الكبرى والتهديدات الداخلية والخارجية. ويمكن حصر المسؤولية الاجتماعية للدولة في قدرتها على إصدار القوانين والتشريعات التي تصبّ في مصلحة الغالبية المطلقة من المواطنين، وقدرتها على القيام بمشروعات يستفيد منها الجزء الأكبر من السكان وخاصة محدودي الدخل في مجالات التعليم والصحة والسكن وغيرها، وقدرتها على مواجهة الغزو الثقافي والفكري والإعلامي ومعالجة الاضطرابات الأمنية وتجاوز سياسات الحصار المفروضة عليها وحل الأزمات المختلفة ومواجهة العدوان العسكري على أراضيها، وقدرتها على تطوير مؤسساتها وتنمية المجتمع والاستجابة لتطلعات مواطنيها، وتبنيها سياسات اقتصادية مستقلة تقلل من التبعية لدول أخرى وتخفف مديونيتها الخارجية التي يتحمّلها المواطنون على المدى الطويل، واعتمادها الشفافية في اتخاذ القرارات وقيادة السياسات العامة وتنفيذها وتقييمها في شتى أبعادها، وقدرتها على توعية المواطنين بأهمية المسؤولية الاجتماعية الفردية والاستعداد لقيام كل منهم بنصيبه في تحقيق المصلحة العامة للمجتمع، وقدرتها على إنهاء مظاهر الفساد في مؤسساتها الحكومية والخاصة وتعميم ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى رجال الأعمال وتنمية ثقافة العطاء.  

ووفقاً لهذا الدور المنوط بالدولة وبناءً على مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها تتحرك الدول على الخريطة العالمية بمسافات متفاوتة بعيداً عن أو بالقرب من النموذج الذي رسمه العلماء والباحثون في مجال العلوم السياسية، وبالطبع مجتمعاتنا العربية ليست مستثناة من ذلك، وبالتالي يمكننا الحكم عليها وفقاً لقربها وبعدها عن النموذج المرسوم، لكن لا بد أن نضع في اعتبارنا أن الصياغات النظرية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للدولة قد صكت في سياقات الخبرة التاريخية والسياسية والاقتصادية الغربية والليبرالية على وجه الخصوص والتي تنهض على السوق الحرة أو باختصار خبرة المجتمعات الرأسمالية، ومن ثم فإن محاولة تطبيقها على مجتمعاتنا العربية دون مراعاة الفروق الاجتماعية والبنائية والخبرة التاريخية المغايرة للمجتمعات العربية قد يوقعنا في أخطاء ومقارنات ظالمة.

وفي محاولة فهم المسؤولية الاجتماعية للدولة في مجتمعاتنا العربية لا بد من العودة للخلف قليلاً ففي منتصف القرن العشرين ومع ظهور حركات التحرر الوطني بدأ دور الدولة يتشكل في الوطن العربي. وخلال هذه المرحلة برز نموذجان، الأول هو الدولة المستقلة التي تحاول أن تقترب من فكرة ونموذج المسؤولية الاجتماعية للدولة تجاه مواطنيها وتمثل مصر جمال عبد الناصر المثل لهذه الدولة. والنموذج الثاني هو الدولة التابعة للنظام الرأسمالي العالمي والذي تتخلى فيه الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها وهو النموذج الذي تمثله مصر السادات وهو النموذج الذي أصبح أكثر شيوعاً وانتشاراً عربياً اليوم.وفيظلشيوعوانتشارنموذجالتبعيةالذيتتخلىفيهالدولةالوطنيةعنمسؤوليتهاالاجتماعيةتجاهمواطنيها،يبرزالآنعلىالساحةالعربيةنموذجالاستقلالالوطنيالذييحاولالوفاءبمسؤوليتهالاجتماعيةتجاهمواطنيهوهونموذجالدولةالسوريةالتيبناهاالرئيسحافظالأسدمنذمطلعالسبعينياتوالتياستطاعتأنتقفوتصمدفيوجهالحربالكونيةعليهالمدةتسعسنواتمتصلة. وفيعزالحربمازالتالدولةالوطنيةالسوريةتقومبمسؤوليتهاالاجتماعيةتجاهمواطنيها. فالتعليموالصحةوالسكنومتطلباتالحياةاليوميةمازالتمدعومةوبشكلكبيرمنالدولة. هذاإلىجانبمحاولةالحفاظعلىاستقلاليةالاقتصادوالقرارالسياسي،لذلكلابدأنتعيمجتمعاتناالعربيةأنالحفاظعليالاستقلالالوطنيهوالسبيلالوحيدأمامالدولةللقيامبمسؤوليتهاالاجتماعيةتجاهمواطنيها. اللهمبلغت،اللهمفاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى