ثقافة وفنون

معرض فنّي لدمج بين مواهب الأطفال الأسوياء والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز الوطني للفنون البصرية

} لورا محمود

يرى بعض علماء النفس أن الألوان تساعد في تقديم الأشكال بطريقة مؤثرة نظراً لاتصال اللون بالحس، خصوصاً أن الألوان تلعب دوراً مهماً في تحقيق الانسجام والتوازن في الأشكال في عين الطفل، وفي جذب انتباهه وفي إرضاء ميوله نحو ألوان معيّنة من دون غيرها.

فالرسوم والصور لها أهمية كبيرة بالنسبة للأطفال فهم يعبّرون عن أنفسهم بالرسم في سنّ مبكرة وتنطبع في أذهانهم الصورة الموحية والمعبرة. كما تشير الدراسات أن الرسم أكثر إقناعاً من الكلمة في كثير من الأحيان، لذا عمل مرسم شغف وبالتعاون مع المركز الوطني للفنون البصرية على تنمية قدرات الأطفال بالرسم ليعبّروا عن مكنوناتهم لذا استضاف المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق معرضاً لحوالي 60 طفلاً ويافعاً من الأطفال الأصحاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمعرض هو نتيجة مبادرة «الفنّ للجميع» التطوّعية التي تعاون فيها مرسم شغف وجمعية حدودي السما وجمعية ندى والمركز الوطني، حيث تم الدمج بين الأطفال الأصحاء وذوي الإعاقة ليكون هناك تفاعل بين الأطفال وعدم وجود فرق بين الفئتين باعتبار الأطفال جميعهم يمتلكون مواهب وقدرات متساوية.

وعن دمج الأطفال الأصحاء مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قال رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس لـ»البناء» إن  هذا يعود إلى قدرة الأساتذة الذين يشرفون على تدريب الأطفال فهم يتعاملون معهم على أنهم أشخاص كبار وليسوا أطفالاً. فهؤلاء الأطفال يمتلكون ذكاء من نوع خاص. وفي المعرض السابق لمرسم شغف حاورنا الأهل وحثيناهم على عدم توجيه الطفل لفعل شيء معين بل أن يدعوا أطفالهم يبدعون وأن يرسموا ما في مخيلتهم، فالطفل الرضيع مثلاً كما يقول طبيب القلب المعروف مجدي يعقوب «يرى ما نراه لكن لا يستطيع أن يتكلم»، لذا على الأهل أن يدعوا أطفالهم يعبّرون بأنفسهم عن أنفسهم. فالأهل يحتاجون للتأهيل خصوصاً من لديهم أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، لذا عليهم أن يتواجدوا عندما يرسم الطفل ليشاهدوا طريقة تعامله مع محيطه.

وأضاف الأخرس: في الغرب تقدموا أكثر في هذا المجال، لذا نحاول اليوم أن نوجّه الأهل لكيفية التعامل مع أولادهم. فلا أحد يعرف ماذا يوجد في قلب هذا الطفل وما هي حالته النفسية. ومن هنا يستطيع الأهل التعامل مع أطفالهم بشكل أفضل في حال كان الأهل يمتلكون الوعي والثقافة، أما توجيهه لرسم شيء معين أو تلقينه فهذا شي خاطئ.

وأشار الأخرس إلى أن اللوحات المعروضة اليوم في بعض الأحيان طلاب السنة الثالثة الذين يدرسون فنون جميلة لا يستطيعون الرسم بهذه التقنية. وطريقة التلوين والتكوين مدهشة بالنسبة لأطفال ويافعين. نحن سوف نقوم بطباعة كتاب يضمّ أعمال كل الأطفال مع كلمة موجهة للأهل وسنوزعه عليهم ليطلّعوا على أعمال أولادهم ويقرؤوا كيفية التعامل مع أطفالهم. في أوروبا أصبح من غير المقبول أن تقوم الأم بإسكات طفلها بل عليها محادثته وإرشاده كأنه شخص كبير وعارف بما يجري حوله.

وفي لقاء مع «البناء» تحدثت مديرة مرسم شغف ريم الحايك عن المعرض قائلة: فكرة المعرض الأساسية هي دمج الأطفال الأسوياء والأطفال ذوي الإعاقة. وهناك أعمار متفاوتة مشاركة في معرض اليوم، فهناك أطفال ويافعون وشباب، وقد درّبنا كل فئة وحدها أي الأطفال الأسوياء وحدهم وذوي الإعاقة وحدهم، لكن المعرض هو دمج بين كل الأعمال لنرى البدايات عند هؤلاء الأطفال وعلى أساسها نبني الخطوات المقبلة معهم.

أما عن مدة التحضير للمعرض فقالت حايك: لقد نفذت هذه الأعمال خلال شهرين تقريباً، والفئتان الأطفال الأسوياء وذوو الإعاقة هما بحاجة لتفريغ طاقاتهم وأن ننظر لهم بجدية أكثر ونتوّج أعمالهم بمعرض لهم. هذا ما يصقل شخصية الطفل ويعزّز ثقته بنفسه.

بدوره سليمان القوصي الذي شارك في تدريب الأطفال تحدث لـ»البناء» عن تجربته مع الأطفال قائلاً: هذه المرة الأولى التي أتعامل فيها مع أطفال من  ذوي احتياجات خاصة، أما الأطفال الأسوياء فالعمل معهم ممتع كالعادة ونحن حاولنا أن نكسر لديهم حاجز الواقعية. فهم يعتبرون إذا لم يرسموا بشكل صحيح فلا قيمة فنية لما يرسمونه، خاصة أننا كنا نبحث عن القيمة الفنية. أما عند الأطفال ذوي الاحتياجات فهم يمتلكون قيمة فنية بحتة فلا داعي أن يرسموا شكلاً معيناً، بل كانوا يرسمون الأشياء التي يحبّونها بدون حواجز وكان معنا اختصاصيون ساعدونا في التعامل معهم.

وتابع القوصي: كانت هناك مواضيع معينة ليرسمها الأطفال بالإضافة لمواضيع حرّة يختارها الطفل، ويرسم ما يريد على الورق. الأطفال تقريباً كانوا 60 طفلاً بين أطفال أسوياء وأطفال ذوي إعاقة والأعمال تقريباً بين 60 إلى 70 عملاً.

بدورها رهام الحايك ناجي من المتطوّعين الموجودين لمساعدة الطلاب قالت: التجربة جميلة جداً لأن كمية المشاعر والأحاسيس التي أخذناها من الأطفال والتي أعطيناها لهم كبيرة جداً. والفرق بين هؤلاء الأطفال بسيط جداً بالنسبة للقدرات والفهم والمشاعر فهم يمتلكون طاقات كبيرة رغم إعاقتهم.

أما عن التقنيات التي استخدمها الطلاب في المعرض أشارت ناجي هناك تقنية الكولاج والرسم على الخشب والنحت على الفوم وايضاً النحت على الطين واستخدم الاطفال ألوان الإكريليك.

أما الفنانة التشكيلية روان عودة والتي كانت من ضمن المدربين الذين رافقوا الأطفال، فقالت: يجب أن ينظر المجتمع للأطفال الأسوياء والأطفال ذوي الاعاقة على انهم من فئة واحدة لا يختلفون أبداً عن بعضهم ولا يجب

 التفريق بينهم، لأنهم يمتلكون القدرات نفسها تقريباً وأحياناً تكون أفكارهم أعمق وأغرب من الأطفال العاديين.

أما عن مواضيع اللوحات وإذا كانت هناك فكرة معينة أعطيت للأطفال ليرسموها أشارت عودة كل مرة كنا نعطي الموضوع نفسه للشريحتين والنتائج كانت مبهرة. لقد كانت تجربة فيها صدق وبعيدة عن التصنع، فالأطفال ذوي الإعاقة صادقون جداً بما يفعلونه ويقدمونه.يذكر أن مرسم «شغف» هو مبادرة شبابية خاصة تستقبل الأطفال بأعمار مختلفة وتعلّمهم مهارات الرسم والنحت وفق أسس ومناهج تعليمية تخصّ الأطفال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى