حديث الجمعة

الكتابة هي كل ما يعنينا!

 أعرف أنني كاذبة تبسط كل يوم طريقاً طويلاً من الخدع المفتتة الرخيصة، لتمكّنها من رصف بضع كلمات تجعلها تقهقه في الليل مثل الساحراتوأتخيّل نفسي كل يوم وأنا أخرمش بأظافري جدران السّجن المؤبد، وأتخيّل عباراتي تبدو على الجدران شروخاً عنيدةوأعرف أنني لن أغادر المكان إلا جثة «غير هامدة» تتخبّط مع روحها.. مقتولة بضربة شخص غاضب، وسوف يطفو حقدي حولي بحيرة مُرّة، وحين يسحبونني، سأصرخ في موتي، احملوني! كي تتساقط بعض الكلمات الأخيرة منيأو اتركوني في الأرض كي أتحلل وأصير عبارات تزحف على الأرض كالأفاعي

لا أريد وطناً سالماً في كل الوقت، أريد لكلماتي أن تشتبك، أن تهدّم الأوطان كي ترصف الأحجار الغريبة.. لا أريد حبًّا وديعاً يفتح الأبواب ويغلقها على مهل كي أنام، أريده أن يسحب البطانيات عن جسدي البارد، ويقترح عليّ الهرب في الليالي المثلجة حافيةعاريةكي أكتب عن تجمّدي في الزواريب النتنة، وأبكي طويلاً تحت الشرفات الرطبة، ثم أرمي أوراقي الممزقة بلؤم في مصارف المياه. ربما أريد أن أكتب عن هذا الألم الطويل المقيم منذ الأزل، أريد وضعه في غرفة اعتراف، أو زنزانة كلها مرايا، عله يعترف، من أين جاء؟ من جعلني أقف هكذا في الليل مثل علاقة ملابس خلف الباب، مشدودة الظهر من شدة الألم، متشبثة بأسقف القرميد دون أن يراني أحد. مَن رمى عليّ تهمة الألم المسروق؟ وأنا تلك التي تتسوّل القصص من المارة كي تحيلها أوراقاً تسبح فوق المستنقعات. مَن أيّها العالم؟ هكذا سأسأل وأنا أطرق بيدي على طاولة الاعتراف، وحين لا يجيب، سأطعن أحلامي في جسده مرة تلو مرة، وأنتشل قطع لحمه صوراً وتشبيهات.

فليتقشّرْ وجهي كلّما كتبت سطراً، فليتبعني الأطفال وهم يصفقون ويصفرون: كاذبة، كاذبةمجنونة…. ثم أرمي عليهم الأحرف والنقاط وانا أسحب خيط الالم المديد من جوفي، حتى يصير أمامي، فأسخر منه حتى الموتويرتد صدى قهقهاتي الشريرة..

مها الهسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى