أولى

قراءتان من قلب الانتفاضة

 د. هاني سليمان

بعد مرور شهرين على نزول الناس إلى الشوارع والساحات، في إعلان نهائي لإفلاس الطبقة السياسية التي حكمت البلاد والعباد طيلة ثلاثين سنة، فإن القوى الداعية إلى الديمقراطية والتغيير وتداول السلطة، معنية بتقديم تصوّر آنيّ ومستقبلي لمآلات الأوضاع السياسية والاقتصادية والإجتماعية التي تعيشها البلاد.

قراءتان للمشهد:

الأولى: وهي المستندة إلى أن معاناة الشعب ونزوله الميدان هي استمرار للحراكات الشعبية السابقة التي سببتها سلطة المحاصصة والفساد والنهب المنظم لموارد الخزينة ومالية الدولة، بحيث تمكنت هيئة التنسيق النقابية سابقاً من حشد القوى والهيئات الأكبر والأكثر تمثيلاً لمختلف شرائح الشعب اللبناني وصولاً إلى التظاهرات الحاشدة 2015-2016. ويعتقد أصحاب هذه الرؤية وبالنظر إلى المعطيات التي فرضتها الانتفاضة أنه يمكن إحداث ثغرة في جدار النظام اللبناني أو على الأقل انتزاع مكاسب سياسية واجتماعية منه، مع تأكيدها أن بنية النظام لا يمكن أن تتصدّى للوضع الاقتصادي والمالي الذي يعيش حالة إفلاس مكشوفة.

الثانية: وهي المستندة إلى تحليل سياسي لأزمة الطبقة السياسية من وجهة نظر بنيوية (مالية وإقتصادية) تنتهي عبرها إلى نفض يدها من هذه الطبقة، وتدعوها الى الاعتراف بفشلها وترتيب النتائج السياسية عن هذا الفشل، في مقدّمة لإسقاطها عبر انتخابات نيابية مبكرة تنشأ عنها حكومة جديدة تتولى معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية.

أصحاب هذه الرؤية يؤكدون أن مشهد الإفلاس المالي للدولة، وربما لبعض المصارف، يتقدم على ما عداه من مشاهد أخرى (كتشكيل الحكومة أو مواجهة الحراك بالعنف أو غيره من المشاهد) لأننا أمام خمس سنوات عجاف مقبلة؛ هذا إذا تمكنت الحكومة القادمة من وضع الحلول السياسية والاقتصادية والمالية على سكتها الصحيحة. وينتهي أصحاب هذه الرؤية إلى القول إنه ليس في الوقت الراهن من إمكانية لتحقيق مكاسب سياسية أو حتى اقتصادية في ظل حالة التدهور السريع التي تعيشها البلاد.

ملاحظة: بالرغم مما بين القراءتين من اختلاف حول إمكانية تحقيق مكاسب من عدمها، إلاّ أنهما مشتركتان في التوجس مما يُحاك للانتفاضة من كمائن وفخاخ داخلية وخارجية، من شأنها أن تعيد الحالة الجماهيرية إلى ما قبل 17 تشرين الأول 2019.

 ما يجب التأكيد عليه:

من رؤية واقع لبنان في الإقليم، إن لبنان يعيش بين مطرقة المشروع الأميركي الهادف إلى تركيعه، بتجويف وضعه الداخلي، وإسقاطه في هوة الإفلاس، عبر تدابير وإجراءات يفصح عنها وينفذها بجدول مدروس، في مقدّمة لفرض حلول سياسية عليه، وبين سندان الواقع الداخلي المأزوم معيشياً بسبب السياسات المالية والضريبية الخاطئة التي كانت بحق حليفة موضوعية للمشروع الأميركي.

ما يجب الاعتراف به: هو أن ساحة الانتفاضة تخترقها ثلاثة شوارع:

 شارع الناس العاديين المستقلين المطالبين بلقمة العيش.

 شارع متقاطع وطنياً وقومياً مع المقاومة.

شارع اخترقته بعض القوى المعادية للمقاومة، تضمّ تحت عباءتها هيئات من المجتمع المدني المشارك في الحراك، والمموّلة من دول وهيئات استثمارية ضخمة تعمل في الخارج، نصبت خيامها وراحت تطبخ، ففاحت رائحة طبيخها، ندوات يدعو بعضها إلى الحياد مع الكيان الصهيوني.

ويسود الاعتقاد والتوجّس لدى قطاع وازن في الحراك وخارجه، أن هذه الهيئات لن تكتفي في قابل الأيام بالطروحات الخجولة الموارِبة، بل ستنتقل إلى حالة أكثر تقدماً في الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة، عبر بعض الساحات ووسائل الإعلام والندوات المتلفزة، وبعض الأجهزة والشخصيات.

إن هذه الحالة من شأنها أن تهدّد الحراك بوحدة مطالبه المعيشية، وتذهب به في مهب السياسة والشعارات السياسية الخارجية الممولة داخلياً.

 وما يجب الاعتراف به أيضاً: أن النظام اللبناني ولاعتبارات كثيرة (داخلية وخارجيةيخضع لمعادلة دقيقة مفادها أن هذا النظامهو أقوى من أن يسقط في الشارع وأضعف من أن يستمر بدوره المرسوم له تاريخياً”.

لكن بالمقابل وبالرغم من هذه المعادلة، فإنه يمكن القول إن الحراك قد جعل من نفسه طرفاً مفاوضاً للسلطة من أجل انتزاع مكاسب اجتماعية، وإدارية واقتصادية، وحتى مطالب سياسية تتعلق بكيفية تشكيل السلطة وتداولها عبر انتخابات تقوم على قانون انتخابي جديد.

كما يمكن القول إن الانتفاضة قد نجحت في الوصول إلى أهدافها القريبة والمتوسطة وربما البعيدة المدى، في أن يكون الشارع طرفاً من المعادلة السياسية المقبلة؟

وقبل الاسترسال في التفاؤل، يفترض بالانتفاضة أن تحافظ على استمراريتها ووحدتها وسلميتها ومشروعها الواقعي الذي يجب أن يوظف في أهداف ومطالب محددة يطمئن لها جمهور المقاومة من جهة، ويستجيب لها النظام من جهة اخرى.

هل للحراك أن يشارك في السلطة إذا تشكلت الحكومة:

إنطلاقاً من أن النظامأقوى من أن يسقط وأعجز من أن يطوّر نفسه”.

ومن أن اركان النظام قد دعوا إلى تمثيل الحراك (صدقاً أو التفافاً أو مراضاة).

وحيث إن الحراك موحّد بمطالبه الاجتماعية، بالرغم من الخلفية السياسية التي تحكم أطرافه وتتحكم بسلوكياته.

تطرح مسألة في غاية الأهمية حول إمكانية المشاركة في السلطة بعد 60 يوماً من وجود الناس في الشارع.الجواب على هذا السؤال مطروح للنقاش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى