أولى

الحصار الاقتصادي… وسيكولوجية المقاومة!

  د. محمد سيد أحمد

مع مطلع العام 2019 وفي ظلّ انتصارات الجيش السوري المدوّية على الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل بالوكالة لدى العدو الأميركي على كامل الجغرافيا العربية السورية، قرّر الأصيل في هذه الحرب استخدام أساليب جديدة للعدوان على سورية بعد فشل مشروعه العسكري ووجد في ورقة الحصار الاقتصادي التي عرفت بقانون «قيصر» أحد أهمّ أدوات الحرب الجديدة على سورية واعتقد العدو الأميركي أنّ ما لم يستطع تحقيقه عبر الحرب العسكرية الكونية على مدار ثماني سنوات يمكن تحقيقه بالحصار الاقتصادي في مدى زمني أقلّ.

 فالشعب السوري الذي زادت ثقته في قيادته السياسية عبر سنوات الحرب يمكن أن يفقد هذه الثقة مع تشديد الحصار الاقتصادي عليه مع عدم إتاحة الفرصة لحلول اقتصادية سريعة وناجزة من قبل الحكومة أمام المشكلات المصطنعة بفعل الحصار مثل غياب بعض السلع الأساسية من الأسواق خاصة المحروقات في ظلّ استمرار سيطرة العدو الأميركي ووكلائه المحليين والإرهابيين على آبار النفط السورية، هذا الى جانب استهداف العقوبات الاقتصادية مجالات استراتيجية حيوية كقطع الغيار في العديد من الصناعات، وسياسة التجويع بتعطيش الأسواق من السلع والمواد الغذائية، ومحاولة مدّ الحصار ليشمل الأدوية، وهناك تشديد لمنع تهريب السلع عبر دول الجوار الأردن والعراق ولبنان. وفي ظلّ هذا الحصار ترتفع أسعار السلع تدريجياً مع انخفاض سعر الليرة السورية، فيؤدّي التضخم والغلاء الى زيادة المعاناة، وبذلك تنفجر الجماهير وتتحقق الفوضى التي لم تحدث أثناء سنوات الحرب.

وبالطبع تعتمد سياسة الحصار الاقتصادي للعدو الأميركي على نظريات عديدة في مجال علم النفس الاجتماعي أو علم النفس الجماعي أو علم نفس الجماهير، وهنا يمكن الإشارة لكتاب عالم النفس الفرنسي الشهير «جوستاف لوبون» سيكولوجية الجماهير والذي حاول من خلاله مواجهة الأفكار الداعمة للحركات الاشتراكية والعمالية التي تعتقد أن الحراك الجماهيري واعٍ وعقلاني، حيث يرى «لوبون» أنّ كل كوارث الماضي القريب التي مُنيت بها فرنسا وكلّ هزائمها والصعوبات التي تواجهها تعود الى هجوم الجماهير على مسرح التاريخ وعدم معرفة مواجهته، ويؤكد أنّ ضعف النظام الديمقراطي البرلماني الذي تولد عن الثورة الفرنسية يعود الى الجهل بقوانين علم النفس وطرائق تسيير الجماهير. لقد كان «لوبون» يشعر بالاحتقار نحو الجماهير الشعبية ويؤكد أنّ روح الجماهير مكوّنة من الانفعالات البدائية التي دائماً ما تكون بعيدة عن المنطق والعقلانية، وكان يؤكد أنه وكما تخضع روح الفرد دائماً لإيعازات وتحريضات القائد الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها، فإنّ الجماهير الشعبية تخضع هي الأخرى للقاعدة نفسها إذا تمكنّا من امتلاك الأدوات والأساليب التي تمكننا من فرض إراداتنا عليها.

وعبر كتاب سيكولوجية الجماهير وضع «لوبون» القواعد التي يمكن من خلالها التأثير على الجماهير وتوجيه حركتها، حيث ركّز على الخصائص العامة للجماهير والقانون النفسي لوحدتها الذهنية، وعواطف الجماهير وأخلاقياتها، وأفكار وخيال الجماهير، وآراء الجماهير وعقائدها، ومحرّكي الجماهير ووسائل الإقناع التي يمتلكونها، ومحدودية تغيّر كلّ من عقائد الجماهير وآرائها، وأخيراً تصنيف الفئات المختلفة من الجماهير ودراستها، ويحاول العدو الأميركي استخدام القواعد التي طرحها «لوبون» على الجماهير الشعبية داخل مجتمعاتنا العربية عامة، والمجتمع السوري خاصة.

لكن ما يجهله العدو الأميركي أنّ هناك شعوب مقاومة وهذه الشعوب لا يمكن أن تنخدع في ما يصنعه العدو من أزمات منها الحصار الاقتصادي بهدف فرض إرادته على القيادة السياسية لهذه الشعوب من أجل تركيعها وإجبارها على التبعية. ومن هذه الشعوب الشعب العربي السوري الذي يمتلك سيكولوجية مقاومة نتيجة وعيه وعقلانيته التي يسعى العدو الأميركي لتزييفها، لكن هيهات أن يحدث ذلك، فالقيادة السياسية السورية التي أدارت الحرب العسكرية وانتصرت فيها خرجت على جماهيرها الشعبية لتؤكد لها أنّ الحرب على سورية بدأت تأخذ شكلاً جديداً أساسه الحصار والحرب الاقتصادية، وبذلك انتبه الشعب لما هو مُقدِم عليه، وبدأت تحركات القيادة السياسية بمجموعة من الإجراءات غير التقليدية لمواجهة الحصار الاقتصادي. وهو ما جعل الشعب أكثر ثقة في قيادته.

ففي الوقت الذي تحرك فيه العدو الأميركي معتمداً على الحصار الاقتصادي باعتباره أحد الأساليب التي تحرك الجماهير غير الواعية تجاه قيادتها السياسية، كان هناك تحرّك مضاد لكشف مؤامرته من قبل القيادة السياسية الوطنية التي تثق فيها جماهيرها الشعبية ومكاشفاتها بالحقيقة المقبلة عليها. وهنا تصنع سيكولوجية المقاومة، ويفشل الحصار الاقتصادي ويُعدّ النموذج الإيراني أحد أهمّ النماذج المعبّرة عن هزيمة السياسة الأميركية. فعلى مدار أربعة عقود كاملة من الحصار الاقتصادي لم تنجح في دق إسفين بين القيادة السياسية والشعب الذي يمتلك سيكولوجية المقاومة، لذلك يجب على شعوبنا العربية أن تتحلى بسيكولوجية المقاومة فهي الحلّ الأمثل في مواجهة سياسات التجويع الأميركية. اللهمبلّغتاللهمفاشهد.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى