مانشيت

معركة إدلب تخلط أوراق المنطقة: أردوغان بين ليبيا وتونس… والرئيس العراقي لنصف استقالة سجال سياسي بين البرتقالي والأزرق حول التكليف والتأليف… وعين الحريري على دياب الحكومة الجديدة على نار هادئة بعد قطع نصف الطريق… والاهتمام بالتوازنات لتحصينها

كتب المحرّر السياسيّ

ليس بعيداً عن لبنان تدور رحى واحدة من المعارك الفاصلة على مستوى المنطقة، والتي سيترتب عليها الكثير من النتائج المتصلة بكل جبهات الاشتباك بين محور المقاومة والمحور الذي تقوده واشنطن وتنضوي تحت لوائه كل من السعودية وكيان الاحتلال؛ ويشهد لبنان والعراق بعضاً من فصوله المتداخلة مع الأزمات المحلية الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلدين. فالمعركة التي تقارب على نهاية جزء حاسم منها في إدلب شمال سورية، حيث يستعدّ الجيش السوري لدخول مدينة معرة النعمان بالقوة ما لم تفلح مفاوضات الساعات المقبلة بتسليمها للجيش دون قتال، كما سبق وجرى في مدينة خان شيخون في الصيف الماضي. ونهاية هذا الجزء الحاسم تفتح الطريق لما هو أشدّ أهمية لجهة فتح طريقي اللاذقيةحلب وحماةحلب مع التحرير المنتظر لمدينتي سراقب وجسر الشغور، وبعدهما يصير في الميدان مستقبل إدلب نفسها، حيث يصير الإيقاع الإقليمي والدولي لما يجري في سورية أشدّ خطورة وحساسية بفتح ملف رحيل القوات التركية والأميركية وصولاً لما يتوقعه الإسرائيليّون من فتح لاحق لملف احتلال الجولان.

خلط الأوراق الناجم عن معارك إدلب وجد تعبيراته بالتوجّه التركي المتسارع نحو ليبيا لضمان دور إقليمي يعوّض الفشل في الحرب السورية، فحطّ الرئيس التركي رجب أردوغان في كل من ليبيا وتونس أملاً بفرض حضوره كشريك في رسم مستقبل المعارك على ليبيا كخزان نفطي وساحل متوسطي، مقدماً حضوره كرأس جسر يطمح بتوظيفه مع موسكو لدور روسي يشبه الدور الذي لعبته موسكو سياسياً كمرجع للتسوية في سورية؛ بينما كان التحرك الموازي أميركياً باتجاه العراق، حيث قام الرئيس العراقي برهم صالح برفض تسمية مرشح كتلة البناء النيابية لرئاسة الحكومة بصفتها الكتلة الأكبر نيابياً، واستبق المساءلة على المخالفة الدستورية بنصف استقالة، رداً على استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي التي رمت كرة الأزمة في حضن حلفاء واشنطن، لكن دون أن يستقيل لأن الرئاسة ستؤول دستورياً لرئيس المجلس النيابي الذي سيقوم بتكليف مرشح البناء لرئاسة الحكومة، فيما يبدو صعباً تأمين توافق على رئيس جمهورية يحظى بموافقة ثلثي المجلس النيابي قبل الانتخابات المبكّرة التي ستلي تشكيل الحكومة الجديدة.

في لبنان مواجهة مشابهة تدور على الإيقاع ذاته، بين مساعي تسريع تشكيل الحكومة الجديدة ومحاولة إعاقتها ووضع العراقيل بوجهها، وجاء السجال الحاد بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر تعبيراً عن هذا الاشتباك، ولو كانت عناوينه تبدو طائفية ومذهبية تتناول الميثاقية ومَن يقوم بتأليف الحكومة. فهي لا تخفي حقيقة أن عين الرئيس سعد الحريري على الرئيس المكلف حسان دياب الذي فاجأ الحريري بثباته على مسؤوليته الدستورية وإصراره على تشكيل حكومة جديدة، رغم كل الضغوط والحملات التي تستهدفه، وعين الحريري بعد تشكيل الحكومة ستبقى على دياب لخشيته مما قد يحدث على جبهات التعيينات أو حملات مكافحة الفساد، وهما بالإضافة لتغيير السياسات المالية وموقع المصارف منها، ومصير مشاريع الخصخصة، استحقاقات حكومية واهتمامات حريرية.

مصادر متابعة لما تشهده مساعي تشكيل الحكومة تقول إن نصف الطريق قد تمّ قطعه نحو استيلاد الحكومة الجديدة، حيث تمّ حسم قرابة عشرة وزراء وحقائبهم، ويتواصل التشاور حول الحجم النهائي للحكومة، والحقائب المتبقية والأسماء المناسبة لها، في ظل الثقة بأن النار الهادئة مفيدة، لأن الاهتمام بمراعاة التوازنات يحصّن الحكومة أكثر، لتكون الحكومة جاهزة بعد عطلة الأعياد.

وعلمت «البناء» أن «الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب يستغلّ عطلة الأعياد لإجراء مروحة مشاورات مكثفة تشمل الكتل النيابية بما فيها الرئيس سعد الحريري وكتلة المستقبل والاشتراكي والقوات اللبنانية والكتائب، حيث إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يعمل على خط إقناع تيار المستقبل بالمشاركة في الحكومة ولو تأخر تأليفها بعض الوقت. فالمهم لدى بري أن تحظى الحكومة بأوسع تمثيل سياسي ممكن ما يحصّنها داخلياً وخارجياً، علماً أن موقف القوات اللبنانية والكتائب بات حاسماً لجهة عدم المشاركة في الحكومة وأيضاً الحزب الاشتراكي. وتوقعت مصادر «البناء» أن يلتحق بهم المستقبل وينتقل الى ضفة المعارضة؛ وهذا ما أعلنه النائب محمد الحجار أمس.

إلا أن الرئيس المكلف وفريق الأغلبية النيابية يُصرّ على تمثيل المستقبل لكي لا يتذرع فريق 14 آذار بأنه أقصي عن الحكومة. علماً أن مصادر 8 آذار توضح لـ»البناء» أن «اتهام الحكومة بأنها حكومة اللون الواحد لم يعد يثير حفيظة فريق الأغلبية، فعملية التأليف في كل دول العالم تتم ضمن اللعبة الديموقراطية أي فريق يحكم ومعارضة تعارض، وطالما أن الحكومة العتيدة تراعي المناصفة والتمثيل النيابي وتحظى بثقة 65 نائباً فهي حكومة أصيلة وميثاقية».

ولفتت مصادر عين التينة الى أن «الرئيس بري لا يتدخل على الإطلاق في عملية تشكيل الحكومة ولم يلتق دياب إلا في البرلمان خلال الاستشارات».

وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن «عملية تأليف الحكومة حققت تقدماً مهماً، مرجحة أن تبصر النور مطلع الشهر الأول من العام الجديد، وكشفت أنه تمّ التوافق على أمور أساسية حتى الآن: أن الحكومة لن تضمّ نواباً حاليين ولا وجوهاً مستفزة للشارع ولا مسؤولين حزبيين»، لافتة الى أن «الرئيس دياب يريد حكومة مصغّرة من 14 وزيراً فيما يفضل رئيس الجمهورية ميشال عون 18 وزيراً لكي تكون أكثر تمثيلاً للمكوّنات السياسية ويفضل فريق أمل وحزب الله والحلفاء حكومة من 22 وزيراً»، وعلمت «البناء» أن «أمل وحزب الله سيتمثلان بوزراء اختصاصيين ومشهود بكفاءتهم وانتمائهم لخط المقاومة».

وبقي السجال بين رئيس الجمهورية والرئيس سعد الحريري في واجهة المشهد، لا سيما كلام عون عن أن من حق باسيل المشاركة في تأليف الحكومة، ما لاقى امتعاض فريق تيار المستقبل إلا أن مصادر اوضحت أن «الرئيس عون أراد القول للرئيس المكلف أنه إذا أراد الحصول على ثقة تكتل لبنان القوي في المجلس النيابي فعليه أن يتفاوض مع رئيس التكتل للوقوف على مطالبه كغيره من الأطراف السياسية وبالتالي عون لم يفرض شروطاً على الرئيس المكلف».

وترى مصادر مستقبلية أنالرئيس المكلف هو من يؤلف الحكومة وقدرة الوزير جبران باسيل في التأثير على تأليف الحكومة وعلى منح الثقة فقط وليس المشاركة في التأليف”.

وعن توزيع الحقائب لفتت مصادرالبناءالى أنالوزارات السيادية كالدفاع والعدل والداخلية والمالية سيبقى القديم على قدمه لجهة توزيعها طائفياً وسياسياً، أما التغيير فسيطال الحقائب الخدمية التي لن تكون كما في الحكومة السابقة، مضيفة أنالحكومة ستولد خلال أسابيع بعد تذليل أغلب العقبات إلا اذا استمر تيار المستقبل بالضغط في الشارع لدفع دياب للاعتذار، الأمر الذي لن يحصل بحسب مصادر الرئيس المكلف”. ولفتت الى أنالحكومة الجديدة ستكون مهمتها احتواء الأزمة الاقتصادية ومنع الانهيار ووقف الفساد والتمهيد للدعم المالي الدولي وإقرار قانون انتخاب جديد”.

وقالت مصادر سياسية بيروتية لـالبناءإناستخدام تيار المستقبل للشارع للضغط السياسي يضرّ بمصلحة الرئيس الحريري وسيسجّل التاريخ أنه عرقل تأليف حكومة إنقاذ للوضع الاقتصادي والمالي، علماً أن الحريري أحد أهم أركان الحكومات السابقين التي ساهمت في الوصول الى الوضع الراهن، مذكرة بما تعرّض له الرئيس سليم الحص من حملة حريرية ابان ترؤسه الحكومة العام 1998 في عهد الرئيس اميل لحود”. ولفتت المصادر البيروتية الى أنالرئيس الحريري هو مَن استقال لاعتبارات خارجية ثم رفض العودة لترؤس الحكومة الجديدة رغم التسهيلات التي قدّمها له ثنائي أمل وحزب الله، ولا يجوز له التذرع بعدم الميثاقية، فعملية تأليف الحكومة حصلت وفق الدستور واتفاق الطائف حيث أجريت الاستشارات النيابية في قصر بعبدا ومن نال الأكثرية النيابية حصل على التكليف، فالميثاقية في التأليف وليست في التكليف كما يدعي تيار المستقبل الذي لا يمثل الطائفة السنية وحده بل يمثل قسماً منها، مشيرة الى أنمنح غطاء دار الفتوى للرئيس المكلف غير موجود في الدستور ولم يحصل في الحكومات السابقة، بل التكليف يخضع للأصول الدستورية والديموقراطية، مضيفة أنالطائفة السنيّة لا تشعر بالإقصاء كما يقول المستقبل بل ما يهمها هو إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي ومالي ومكافحة الفساد وخلق فرص عمل، فهل استطاع الحريري أن يحقق ذلك؟”. واعتبرت أنالحريري يعمل على استنهاض الشارع السني عبر الممارسات الميليشياوية في الشارع وعبر الخطاب الطائفي لتحقيق أهداف سياسية”.

على صعيد آخر، أثار كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن سعر صرف الدولار بعد الاجتماع المالي الذي عقد أمس، في المجلس النيابي قلقاً واسعاً لدى الأوساط السياسية والشعبية، حيث قال سلامة في رده على أسئلة الصحافيين إنه لا يعرف اذا كان الدولار سيرتفع ام لا، الا أن مكتبه الإعلامي عاد وأوضح في بيانان كلام الحاكم بعد لقائه بلجنة المال والموازنة لا يعني إطلاقاً أي تغيير في سعر صرف الليرة الرسمي والمحدد عند 1507,50 وإنما جاء رداً على سؤال حول سعر الصرف لدى الصرافين تحديداً. ويؤكد المكتب ان سياسة مصرف لبنان لا زالت قائمة على استقرار سعر الصرف بالتعامل مع المصارف”.كما أثار قول سلامة إنه لا يعرف بالأموال التي تم تحويلها الى الخارج استغراباً شديداً، علماً أن أكثر من مصدر دبلوماسي واقتصادي أكد بأن هناك 6 مليارات دولار تمّ تحويلها الى الخارج خلال الشهرين الماضيين، فيما تساءلت مصادر عن دور مصرف لبنان وجمعية المصارف ولجنة الرقابة على المصارف؟ فيما أعلن عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أن “لجنة المال والموازنة طلبت من سلامة والمعنيين بالشأن المالي التحقيق بالأموال المهربة والعمل على استعادتها الى لبنان كسيولة بالعملة الصعبة لدعم السيولة المالية في المصرف المركزي والمصارف اللبنانية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى