حديث الجمعة

انتصارات حركة التحرر ودلالتها

إن الفهم الصحيح للماركسية يؤكد أنه بالنسبة للدول التي يطلق عليها دول العالم الثالث فإن طبيعة المرحلة الخاصة بها هي مرحلة تحرّر وطني متأخرة، نظراً لأن برجوازيتها الوطنية قد فشلت في تحقيق مهام التحرر الوطني لمدة 60 عاماً من الحكم الديكتاتوري بحجة التركيز على التحرر الوطني، خاصة تحرير فلسطين والتخلص من الهيمنة الإمبريالية على اقتصاد وسياسة هذه البلدان. ولقد تجسد ذلك بشكل واضح في عصر الحكم الناصري في مصر قلب الأمة العربية والبلدان التي أتبعت أنظمة مشابهة، والنظام البعثي في بلاد الشام والعراق والبلدان التي أتبعت أنظمة مشابهة. معظم هذه البلدان لم تحقق خطوة واحدة من أجل إنجاز مهام الثورة الوطنية الديموقراطية فلا هي حرّرت فلسطين ولا تخلصت من السيطرة الإمبريالية لا اقتصادياً ولا سياسياً. هذه الأنظمة الناصرية والبعثية وأشباهها التي مثلت البرجوازيات الوطنية في بلادها تركزت جهودها في ضرب أعدائها الداخليين من الشيوعيين والأخوان وغيرهم واستخدمت مخابراتها ضد الشعب بدلاً من استخدامها ضد الإمبريالية والصهيونية وعملائهما ومارست أبشع أشكال الديكتاتورية والفساد وفي اللحظة الحاسمة تمّ سحقها من الأعداء الخارجيين. وأكبر مثال على ذلك هزيمة يونيو 1967 التي سحقت فيها جيوش مصر وسورية والأردن وضاعت سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان واستولى عليها العدو الصهيوني الحليف الاستراتيجي لكل الإمبرياليات وعلى رأسها أميركا النازية والتي هي استعمار استيطاني غاصب للأرض مثل الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين. كان تأثير هذه الهزيمة البشعة كارثياً على النظم المنهزمة وأيضاً على النظم المشابهة، وبدأت سلسلة التنازلات الإضافية للإمبريالية والصهيونية على غرار الاستسلام الساداتي صاحب «الانفتاح السداح المداح الذي دمّر الاقتصاد المصري» و» 99% من أوراق اللعبة في يد أميركا التي أضاعت الاستقلال الوطني المصري» وصولاً إلى اتفاقيات كامب ديفيد الخيانية التي ادعت إعادة سيناء كذباً، بل فتحت باب الاستسلام للإمبريالية والصهيونية وشجعت الحكام الصهاينة في الخليج العربي أن يكشفوا وجههم الصهيوني الحقيقي ويهرولوا نحو التطبيع الخياني مع الكيان الصهيوني هم وغيرهم من الحكام الصهاينة المستعربين. ورغم أن سورية لم توقع على مثل هذه الاتفاقية الخيانية إلا أنها لم تفعل شيئاً (شاهد على قناة الميادين سلسلة حلقات: الرجل الذي لم يوقّع) وظلت الأردن تحت حكم عميل كما كانت دائماً. وتهاوت دول كثيرة من دول ما يسمى العالم الثالث خصوصاً البلدان العربية. واستمر الوضع في التدهور واتساع السيطرة الإمبريالية الصهيونية، حتى جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية التي اتضح أنها فعلاً معادية للإمبريالية والصهيونية وحليفة للشعوب وحركة التحرر، كما ظهر حزب الله في لبنان الذي اشتبك أكثر من مرة مع الكيان الصهيوني وانتصر عليه وأعاد هذان القطبان الأمل لحركة التحرر ضد الإمبريالية والصهيونية وعملائهما الذين انتشروا في أرجاء الوطن العربي.

هذه التطورات باختصار شديد كشفت حقيقة أن الأسماء الكلاسيكية لم تعد تعني شيئاً إذا لم تتم مراجعتها بحرص شديد. فعلى سبيل المثال وليس الحصر أصبح ليس هنالك معنى حقيقي للاتجاه الإسلامي، فهنالك الأخوان الذين أنشأهم الاستعمار البريطاني في مصر عام 1928 وكانوا ومازالوا وسيكونون دائماً عملاء للإمبريالية والصهيونية، بينما حزب الله العظيم في لبنان هو عدو حقيقي للإمبريالية والصهيونية وعملائهما ويحقق انتصارات هامة جداً عليهم. وهو حليف لكل القوى الوطنية في لبنان من حزب ميشال عون حتى الحزب الشيوعي وما بينهما. وفى إطار الدول فإن هنالك الكيانات الصهيونية السعودية والإماراتية والقطرية وأمثالها وأسيادهم وأذنابهم وهم عملاء للإمبريالية والصهيونية وأعداء لحركة التحرر، بينما إيران عدوة قوية للإمبريالية والصهيونية وعملائهم وحليفة ممتازة للشعوب وحركة التحرر.

ورغم كل عيوب الدولة في سورية فإنه عندما تعرّض لهجمة إمبرياليةصهيونيةإرهابية مدعومة من كيانات صهيونية مستعربة مثل السعودية والإمارات وغير مستعربة ولكن متأسلمة مثل تركياأردوغان فقد التف الشعب السوري حول النظام وصمد حوالى 8 سنوات ثم انتصر بشكل شبه كامل ويستكمل الانتصار بشكل كامل حالياً وقد صمد وأنتصر بدعم من روسيا وإيران وحزب الله، وهذا انتصار هام لا يستهان به. كما أن انتصار العراق وصمود اليمن وثورة السودان والجزائر، الخ كلها بدايات لإنجازات هامة لحركة التحرر العربية سوف تستكمل خلال السنوات المقبلة والأمل كبير ألا تُكرّر أخطاء المرحلة الناصريةالبعثية وأن يشارك فيها الشيوعيون وباقي أجنحة اليسار الماركسي بدور أساسي حتى يكون انتصار حركة التحرر المتأخرة هذه مصحوباً بمشاركة واسعة للطبقات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحين وأن تتسم بقدر كبير من الديموقراطية الشعبية والعدالة الاجتماعية وأن تكون خطوة فعالة نحو الاشتراكية وأن تعوّض الستين عاماً الضائعة من تاريخ التحرر الوطني في المنطقة وأن يكون على رأس إنجازاتها تحرير كامل التراب الفلسطيني وطرد الامبريالية والصهيونية وعملائهما بالكامل من المنطقة وانتصار الديمقراطية والتخلص من الأنظمة الصهيونية المستعربة زوراً.

هذا قليل من كثير في هذا الموضوع الذي يتجسّد تاريخياً في مرحلة صعود حركة التحرر ذات الطابع الاشتراكي وانحسار الامبريالية وعلى رأسها تلك الأميركية شديدة النازية.

د. سعيد صلاح الدين النشائي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى