هل سترعى روسيا تفاهمات بين دمشق وأنقرة عمادها اتفاقية أضنة
} د. هدى رزق
قام وفد روسي في 27 كانون الثاني/ يناير مؤلف من المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين لافرنتيف ونائب وزير الخارجية ومسؤولين عسكريين رفيعي المستوى لإجراء محادثات مع الرئيس بشار الأسد. في الوقت عينه أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محادثة مع نظيره التركي ميفلوت جاويش اوغلو.
ركز الحدثان على الوضع في محافظة إدلب في شمال غرب سورية، حيث وصلت القوات السورية إلى معرة النعمان، وهي استراتيجية يمرّ بها طريق سريع رئيسي يربط دمشق بحلب. وسيطر الجيش السوري على 22 بلدة. كما تعرّض اثنان من 12 مركز مراقبة تركياً تمّ إنشاؤها كجزء من صفقة سوتشي للحصار، وكان الهجوم مدعوماً بضربات جوية روسية اعتبرها الجانب التركي انتهاكاً لوقف إطلاق النار الذي تمّ بين الرئيس بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 12 يناير/ كانون الثاني. كان الرئيس بوتين قد نصح الرئيس الأسد عند زيارته دمشق ثم توجّهه إلى اسطنبول في 8 يناير /كانون الثاني، بوقف هجومه على إدلب للسماح لتركيا بنقل بعض الجماعات المعارضة إلى ليبيا والضغط على الآخرين للانفصال عن هيئة تحرير الشام الإرهابية. كجزء من الصفقة الروسية التركية بشأن إدلب… وكان الجيش السوري في حينها قد سيطر، بدعم من القوات الجوية الروسية، على عدة بلدات في إدلب ولا يريد أن يفقد زخمه. ومع ذلك، وافق على نصيحة بوتين، فالمبادرة كانت جزءاً من حزمة أكبر من الصفقة الروسية التركية بشأن ليبيا والاتفاقيات الثنائية.
وكان رئيسا المخابرات التركية هاكان فيدان والسورية اللواء علي مملوك قد التقيا وجهاً لوجه في أول لقاء تركي ـ سوري رفيع المستوى منذ عام 2011، في موسكو في 13 كانون الثاني. شدّد الجانب السوري خلال اللقاء على إدلب، جرى الاجتماع بعد أن اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الارتقاء بمستوى الاتصالات بين تركيا وسورية إلى مستوى أعلى في اجتماعه في 8 يناير/ كانون الثاني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اسطنبول.
حثّ الجانب السوري أنقرة على تحديد جدول زمني لسحب القوات التركية من سورية – أولاً من نقاط وقف التصعيد في إدلب، بدءاً من تلك الموجودة في جنوب المحافظة، ثم من عفرين والمثلث بين جرابلس والراي والباب، وأخيراً من شمال شرق سورية.
كما قام الجانب السوري بالضغط على تركيا للوفاء بالالتزامات التي قطعتها على إدلب بموجب اتفاق سوتشي مع روسيا، وخاصة في ما يتعلق بكبح جماح الجماعات المسلحة في المحافظة، ومحاربة هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة وفتح طريق حلب – اللاذقية. وطرق حلب حماة. وهذا يشير إلى أنّ مطلب دمشق الأساسي من أنقرة هو إخلاء مواقعها العسكرية في مورك ومعرة النعمان وعريمة والسورمان وتل طوقان في جنوب إدلب.
اثر الضربات الروسية والتقدّم التركي انتقد الرئيس التركي أردوغان روسيا مباشرة للمرة الأولى منذ فترة طويلة. واتهمها بأنها لا تطبّق اتفاقات سوتشي او أستانا، وانه يجب على تركيا وروسيا وإيران البحث عن وسيلة لإحيائها، جاء تصريح أردوغان في وقت يحاول فيه الجانب الروسي دعم موقف تركيا في منافسة الطاقة على الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط وإقناع أنقرة بتخفيف موقفها ضدّ الجماعات الكردية السورية.
تعاني تركيا من عزلة عميقة من حلفائها الغربيين ومن الدول العربية بسبب مشروعها الليبي في شرق البحر المتوسط. أكدتها المكالمة الهاتفية بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب التي شكلت آخر مظاهر هذه العزلة حيث أكد البيت الأبيض على الحاجة إلى القضاء على التدخل الأجنبي والحفاظ على وقف إطلاق النار في ليبيا.
وفي ردّها على اعتراضات غير بيدرسون والتسبّب بأزمة إنسانية او بموجات النزوح الى الحدود التركية بسبب القصف، أكدت روسيا انّ من أرادوا التفاوض أو الخروج من المنطقة فعلوا ذلك وانّ الاتفاق مع تركيا بشأن إدلب لم يكتمل، وانّ مسألة فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين قد فشلت بعد ما يقرب من عام ونصف العام، الأمر ليس سهلاً، لكن هذا كان التزام أنقرة ولم تف به والإرهاب يزداد ويضرب.
العجز التركي في الفصل بين جماعات المعارضة وقع على عاتق روسيا فهي التي اتفقت معها ولم تف بوعودها، حجتها اختلاط هيئة تحرير الشام بالمدنيين، كانت روسيا قد سمحت لتركيا في إدلب بالتعامل مع قضية المعارضة بمفردها، ثم عندما لم ينجح ذلك، تحركت روسيا للضغط من حين لآخر على أنقرة لاتخاذ إجراءات من خلال هجمات الجيش السوري والغارات الجوية الروسية، والاستيلاء تدريجياً على أجزاء من إدلب الكبرى.
أنقرة تواجه تحدياً في فصل مجموعات المعارضة عن هيئة تحرير الشام، وفي التخلي ع ما تراه مصلحة في البقاء في إدلب. وأظهار القوة والنفوذ في السياسة على مستوى سورية وفي التعامل مع مخاوفها المشروعة حول التدفق الجديد للاجئين السوريين إلى تركيا.
لكن روسيا واضحة ولن ترضخ بعد الآن في مواجهة التحديات الأمنية القادمة من منطقة إدلب. الا انها لا تريد ان تواجه تركيا، بل المحافظة على العلاقات السياسية والاتصالات العسكرية الوثيقة بين الطرفين، والتزام كلاهما بمواصلة دعم عمل “اللجنة الدستورية”. فهل تسلّم تركيا إدلب إلى النظام في مقابل وقف تقدّم الجنرال حفتر في طرابلس؟ يبدو أنّ أنقرة مستعدة بشكل متزايد للتخلي عن مطالبها الإقليمية في شمال سورية والسعي للحصول على دعم دمشق في كبح وحدات حماية الشعب وتعاونها العسكري مع الولايات المتحدة.
يشير استمرار وجود القوات التركية إلى أنّ أنقرة لا تزال لها اليد الأقوى، وإذا غادرت القوات، فإنّ ذلك يعني أنّ دمشق تكتسب اليد العليا.المحادثات الروسية المتنقلة بين أنقرة وطهران في هذا الشأن يشي بذلك والقرار قد اتخذ، موسكو تريد تنفيذه فهل نحن امام اتفاقات بين أنقرة ودمشق عمادها اتفاقية أضنة او زيادة ما يتمّ التفاهم عليه.