اقتصاد

سبل حماية المودعين.. المعركة حول عدالة القانون المنويّ وضعُه ودستوريّته

 “أي سبل لحماية المودعين في لبنان؟، عنوان المؤتمر الصحافي الذي عقدتهالمفكرة القانونيةوتجمّع مهنيات ومهنيينوجمعية المستهلكلبنان ولجنة المحامين المتطوعين للدفاع عن المودعين. وعرض المؤتمر للخطوات المتخذة أمام المحاكم الجزائية والمدنيةتصدياً لاستيلاء المصارف على سلطة التشريع وسن قوانينها الخاصة والمجحفة بحق المودعين، مع وضع السلطات العامة أمام مسؤوليتها في معالجة الأزمة المالية والنقدية وفق مبادئ الضرورة والعدالة الاجتماعية”.

وقال المدير التنفيذيللمفكرةالمحامي نزار صاغية: بدل أن تسعى السلطة العامة إلى وقف المصارف عن غيّها، إذا بها تمدّ يد العون لملاحقة عدد من المودعين المطالبين بحقوقهم، في مسعى منها لفرض التطبيع والقبول العام بهذا الاعتداء. إن ما يحصل يأتي ليكمل أخيراً دائرة الاستيلاء على موارد الدولة والمجتمع. فبعدما استولت قوى الأمر الواقع على كم هائل من الأملاك والأموال العامة، ها هي المصارف تحول حقوق المودعين وأملاكهم الخاصة وملكيتها إلى حقوق احتمالية بالغة الهشاشة، لهذه الأسباب، رأينا ضرورة تكثيف المواجهة القانونية ضد هذا الاعتداء الخطير جداً.

وتابع: “معركتنا هذه أخذت اليوم مسارين، أحدهما جزائي والآخر مدني: المسار الجزائي، يتمثل في الشكوى التي قدمناها كمفكرة مع جمعية حماية المستهلك أمام النيابة العامة التمييزية ومآلها ملاحقة جمعية المصارف وممثليها القانونيين على اعتبار أنها تحوّلت إلى إطار للتآمر بين المصارف للقيام بجناية الاستيلاء على السلطة التشريعيّة، وبعبارة أخرى جمعية أشرار association de malfaiteurs، وفق المادة 335 من قانون العقوبات، المسار المدنيّ، يتمثل هو في الدعاوى التي ستقدّمها جمعية المستهلك. ونأمل من خلال هذه الدعاوى أن ينخرط القضاء في ما ينتظر منه وما وعد به لجهة حماية حقوق الناس في مواجهة التعسف واللاقانون”.

وتحدّثت المحامية مايا الدغيدي عنحملة الدفاع عن المودعينولجنة المحامين المتطوّعين للدفاع عن المودعينالتي تضمّ اختصاصيين اقتصاديين وخبراء قانونيين، فقالت: “المصارف اليوم تضرب القطاع المصرفي بالكامل مع ما نراه من انعدام للشفافية وتفاقم الإجراءات غير القانونيّة التي تقوم بها لا سيما تحديد سقوف ضئيلة للسحب الداخليّ والخارجيّ حتى الرواتب منها، ورفض التحويل حتى للمبالغ الضئيلة، وأيضاً نراها لا تلتزم بمراعاة أوضاع الناس المعيشيّة فلا تلبي الحاجات الضرورية والملحّة متذرّعة ببيان جمعية المصارف الذي لا تسري قراراته على المودعين إطلاقاً، مخالفة بذلك قانون النقد والتسليف والموجبات والعقود وقانون حماية المستهلك. ولجأت المصارف الى زيادة بالتعسف في خرقها للقانون فأصبحت تعامل الناس، كما لو أنها سلطة آمرة ناهية”.

وأملت أن يقف القضاء أمام مسؤولياته ويطبق القانون ويحمي المودعين حماية كاملة، ولتقف الدولة والسلطات التشريعية امام مسؤولياتها ايضاً ولتوقف تعسف المصارف التي تخنق الاقتصاد اللبناني وتصنف الناس وفق معايير طبقية بحتة مخالفة بذلك مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية وإلزام جمعية المصارف العودة عن تعميمها وإعادة المصارف الى حجمها الطبيعي.

وقال رئيس جمعية المستهلك زهير برو،في هذه الأيام العصيبة سيحدّد، قريباً، ملامح لبنان الآتي: إما لبنان الانهيار الاجتماعي الشامل والفقر والبطالة والفوضى الشاملة واستمرار نظام الفساد والمافيويّة، وإما لبنان الذي يحاسب ويبني دولته العادلة ويسترجع أمواله المنهوبة والمهرّبة. إنها لحظة تأسيسية في حياة البلاد وعلى القضاء أن يقرّر موقعه وأي مصير يريد للبنان. ونحن نريد القضاء إلى جانب الشعب الذي يعمل في الشوارع على تقرير مصيره بدون وصاية من أحد”.

أما الصحافي والخبير الاقتصادي محمد زبيب فتحدث باسمتجمع مهنيات ومهنيينعن سبل لحماية اصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة، وقال: “ليس هناك أي مبرّر لاستهداف الحسابات الصغيرة والمتوسطة سوى تمكين الحسابات الكبيرة والضخمة من التحرك بحرية وتهريب الأموال الى الخارج او اكتنازها. كيف؟ منذ أيلول الماضي، تفرض المصارف قيوداً غير نظامية، جائرة واستنسابية، وصلت الى حد مصادرة مدخراتنا القليلة وأجورنا المتدنيّة وتحديد مصروفنا. برّرت المصارف ممارساتها بوجود أزمة سيولة بالعملة الأجنبية، الا ان الإحصاءات الصادرة عن مصرف لبنان، تفيد بشكل واضح ان رصيدودائع الزبائنفي عام 2019 انخفض من 170.3 مليار دولار الى 154.6 مليار دولار، أي أن صافي الودائع التي خرجت من المصارف في هذا العام هو بقيمة 15.6 مليار دولار. الفضيحة التي تكشفها هذه الاحصاءات، أن 15.3 مليار دولار خرجت من الحسابات التي يفوق المليون دولار. في حين أن 355 مليون دولار فقط خرجت من الحسابات دون المليون دولار”.

وتابع: “طبعاً، هذه الإحصاءات لا تعكس الحقيقة الكاملة، اذ ان بعض الودائع الكبيرة قد تتحوّل الى ودائع متوسطة بعد السحب منها، الا ان ذلك لا يغير من الحصيلة: ان 98% من الودائع المسحوبة تخص 1% من المودعين فقط لا غير. وأدّى هروب كبار المودعين الى تراجع حصتهم من مجمل ودائع الزبائن من 52% الى 47%. واذا امعنا النظر في هذه الإحصاءات، يتبين ان 112 مودعاً فقط، هم اكبر المودعين، اخرجوا وحدهم اكثر من 5.6 مليار دولار، وتراجع عدد حساباتهم الى 68 حساباً، اي ان 44 حساب تم إقفاله. وتوازي قيمة ودائعهم المسحوبة مجمل ودائع مليونين و207 الف حساب تمّت مصادرته، اي 78% من مجمل الحسابات. الصورة تصبح أكثر فظاعة عند إضافة مدفوعات الفائدة التي بلغت 11.3 مليار دولار (اي ان الأموال التي خرجت من المصارف فعلياً تبلغ أكثر من 26.9 مليار دولار). كما ان ما يوازي 15 مليار دولار من الودائع تمّ تحويلها من الليرة الى الدولار، تمهيداً لإخراجها”.

وقال: “تجري محاولات حثيثة الآن لتغطية هذه الانتهاكات الكبرى عبر إصدار قانون من مجلس النواب او مرسوم من مجلس الوزراء او تعميم من مصرف لبنان، وفق ما تطالب به جمعية المصارف، التي حذرت في اجتماعها الاخير مع حاكم مصرف لبنان في 29 كانون الثاني الماضي من انعدم إصدار تغطية قانونية يفتح الباب امام دعاوى متلاحقة”. وشدّد على ان الساحة القضائية من اهم الساحات في معركة الدفاع عن النفس التي نخوضها مع المصارف. الى جانب الضغوط التي يجب ان تتواصل في الشارع للمطالبة بحقوقنا من دون اي انتقاص”.

أضاف: “لقد اظهرت مسودة البيان الوزاري الميل لحماية المصارف لا المودعين وفئات المجتمع المختلفة. لم تقدّم الحكومة أي التزامات فعلية بحماية الودائع والأجور والتحويلات، بل جاء في مسودة البيان عبارات تزيد قلقنا: تنظيم العلاقة بين المصارف ومودعيها تحت عنوانمنع الاستنسابية، وهذا يمهد لإصدار تعميم من مصرف لبنان يشرع الإجراءات الجائرة التي اتخذتها المصارف. المحافظة على سلامة النقد، من دون الإشارة بأي شكل الى الاستقرار النقدي ومصير سياسة تثبيت سعر الصرف. إعادة رسملة المصارف، وهي عملية تجري منذ سنوات عبر الهندسات المالية المكلفة التي اعلن حاكم مصرف لبنان مراراً أن احد اهم اهدافها هو تعزيز رساميل المصارف وموجوداتها. معالجة تزايد القروض المتعثرة، وقد صدر في اطار قانون موازنة اجراء غير كافٍ يقضي بمنع المصارف من فرض جزاءات التأخير وتنفيذ الرهون حتى نهاية حزيران المقبل، ما يعني أن الأقساط والفوائد المتراكمة ستستحق دفعة واحدة، من دون إعادة الجدولة، وقد تركت أمور تنظيم هذه المسألة الخطيرة للعلاقة بين المقترض والمصرف، مع علم الجميع ان لا توازن قوة بين الطرفين، وهذا يعبر عن مدى رضوخ السلطة لمصالح المصارف ورغباتها”.

وتابع: “في هذا السياق، حصلنا على مشروع التعميم الذي ارسله حاكم مصرف لبنان الى رئيس الحكومة ووزير المال وطلب موافقتهما عليه، علماً أنه ارفق هذا المشروع باقتراح قانون يهدف الى منح مصرف لبنان صلاحيات استثنائية. ويتضمّن مشروع التعميم 6 إجراءات، هي:

1 – عدم تقييد الأموال الجديدة الواردة من الخارج بعد 17 تشرين الثاني.

2 – حصر التحويل الى الخارج بـ:

أالنفقات الشخصيّة الملحّة، ضمن سقف 50 ألف دولار سنوياً.

بتمويل استيراد المواد الأولية للزراعة والصناعة ضمن سقف 0.5% من الودائع سنوياً.

3 – عدم تقييد التحاويل أو الشيكات أو البطاقات بالليرة والعملات الأجنبية داخل لبنان.

4 – تحديد سقف شهري للسحب النقدي بالليرة اللبنانية فقط بقيمة 25 مليون ليرة.

5 – إخضاع استعمال البطاقات خارج لبنان للحدود المفروضة من المصارف عليها.

6 – عدم دفع الشيكات بالليرة أو بالدولار نقداً وإنما بالحساب فقط”.

وختم: “لا يتطرق هذا المشروع بأي شكل من الاشكال الى السحوبات بالعملات الأجنبية، ما يعني امرا واحدا، وهو تطبيق ما كان حاكم مصرف لبنان قد صرّح به اخيراً عن ان المصارف ملزمة بالدفع بالليرة فقط، وان لا شيء يلزمها بإعادة الودائع الى أصحابها بالعملة التي حفظوا اموالهم بها. هذه العملية تعد شكلاً من أشكال قص الشعر، التي ستؤدي الى خسارة الأجور والمدخرات نحو 40% من قيمتها الشرائية بالدولار، طبعاً في حال بقي سعر الصرف في السوق على ما هو عليه ولم يرتفع أكثر فأكثر. نجدد رفضنا لهذه المصادرة، ونعلن أننا سنواجهها بكل الوسائل. وندعو جميع المتضررين والمتضررات الى الانتظام في هذه المواجهة دفاعا عن النفس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى