أخيرة

سرقوا الأموال… والوطن!

 

 خالد الداعوق*

خطيرة جداً المعلومات المتداولة منذ فترة، وخاصة بعد 17 تشرين الأول الماضي، عن تحويل أموال إلى الخارج بمليارات الدولارات. ومنذ حصول هذه التحويلات أكدها خبراء اقتصاديون وماليون لهم علاقات عمل مع مؤسسات ومصارف سويسرية وأوروبية، كما أكدها مؤخراً رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري حين تحدّث في لقاء الأربعاء النيابي الماضي عن تحويل أصحاب خمسة مصارف أموالهم الخاصة إلى خارج لبنان، في ظلّ أزمة بنيوية حادّة يعيشها القطاع المصرفي الرسمي والخاص، مع ما لها من انعكاسات مؤلمة جداً على مجموع المودِعين، كباراً وصغاراً، وعلى الاقتصاد اللبناني برمّته.

لا يمكن في كلّ المقاييس القانونية والأخلاقية والوطنية ان يتمّ تجاوز هذه المسألة كأنها لم تكن. وإذا كنا أمام مرحلة جديدة في لبنان عنوانها المساءلة والمحاسبة فإن لا قضية تتقدّم على هذه القضية التي تمسّ اللبنانيين في حياتهم اليومية بل في قوتهم اليومي، ولا بدّ من كشف الحقائق كاملة عبر تحقيقات قضائية شاملة وتحديد المسؤوليات الخاصة والعامة وفق القوانين المرعية.

وقد أكد رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود هذه المعلومات. وزاد عليها أنّ الذين حوّلوا الأموال إلى الخارج ليسوا أصحاب خمسة مصارف فقط بل هناك مصارف أخرى عديدة حوّلت بدورها أموالاً إلى الخارج، لكن لا تزال هناك قطب مخفية في هذه القضية، ومن واجب السلطة القضائية فكفكة هذه القطب وكشف كلّ الملابسات وإيصال التحقيقات إلى خواتيمها. إذ لا يجوز أن ينجو من العقاب والمحاسبة أيّ جهة أو شخص مهما كانت رتبته وأياً كان موقعه سواء في القطاع المصرفي الرسمي والخاص أو في السياسة والإدارة ومواقع القرار.

حتى الآن لم نلمس أنّ هناك توجّهاً جدّياً للمحاسبة، فالمعلومات المتداولة في هذا الإطار تفيد بأنّ لجنة الرقابة على المصارف طلبت بخطاب موجّه إلى المصارف أن تحيطها علماً بشأن حجم التحويلات المالية لديها إلى سويسرا، بينما هناك تحويلات إلى بلدان أخرى ولا يجوز التغاضي عنها. كما أنّ لجنة الرقابة طلبت معلومات عن حجم التحويلات ولم تطلب أسماء الذين قاموا بهذه التحويلات، مع العلم أنّ لدى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان الصلاحيات المطلقة لطلب رفع السرية المصرفية، لكنها لم تطلب ذلك بعد حتى نعرف مَن هم الأشخاص أو الجهات التي حوّلت الأموال إلى الخارج، وهذا الأمر من شأنه أن يبقي الأمور مبهمة وغير واضحة، فيما المطلوب هو الوضوح التامّ ووضع كلّ المعلومات بتصرّف الرأي العام.

وفي هذا السياق يعرف الجميع أنّ قانون النقد والتسليف يحمي حرية نقل الأموال من وإلى لبنان، ولكن في هذه الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان لا بدّ من تحديد المسؤوليات من خلال كشف كلّ أسماء الذين قاموا بالتحويل، وما إذا كان بينهم سياسيون أو موظفون في القطاع العام وعندها لا بدّ من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة أولاً لاسترداد هذه الأموال حيث ينوء الاقتصاد اللبناني تحت عبء الأزمة القاسية وهو بأمسّ الحاجة لضخّ بعض السيولة في شرايينه كي يعود إليه نبض الحياة، وثانياً لمحاسبة هؤلاء الذين يصحّ وصفهم بالمجرمين لأنهم لم يسرقوا الأموال فقط بل أيضاً سرقوا الوطن وناسه وأحلام أجياله الطالعة…!

*أمين عام منبر الوحدة الوطنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى