أولى

حسان دياب يقاوم وجنبلاط يبعث إليه ببعض الأمل؟

} روزانا رمّال

لا يحتاج المشهد قراءة عميقة لاستحضار شكل المعركة السياسية المحلية والسؤال على واقع الشارع السني والتحالفات التي كانت تأخذ بعين الاعتبار الحسابات الخارجية الكبرى التي لطالما حكمت لبنان ضمنها ولم تتخلّ عنه حتى في أحلك الظروف. وبالعودة لما بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري لحظة سقوط الاتفاق السعوديالسوري لم تتخلّ السعودية لسنوات عن هذا الدور بل أخذت بيد الحريري واستكملت طريقها نحو تمتين حضوره السياسي. وفي ذلك الوقت كان جلياً أن النفوذ السعودي في لبنان كان لا يزال قوياً وفعالاً فبقيت مظلة الرياض حاضنة للحريري وأغلبية الشارع السنيّ معه.

تغيب المملكة العربية السعودية اليوم بالكامل عن المشهد السياسي في لبنان وربما في غيابها حضوراً «كاملاً» لجهة إثبات استحالة استكمال دورة الحياة السياسية لكن الأهم الناحية الاقتصادية التي تعني بغياب السعودية غياباً للمال الخليجي. واذا كان الحساب الدولي أشمل فإن هذا الغياب هو مساحة أرادتها واشنطن خالية في هذه اللحظة من دون استبعاد أن تكون قد ملأتها بأشكال أخرى دول عربية أخرى كمصر والإمارات مؤقتاً، لكن من دون ان ترخي الوقع السياسي نفسه الذي ترخيه السعودية.

تغيب المملكة العربية السعودية عن السراي الحكومي للمرة الأولى. وفي هذا تحول تاريخي عن السلوك السعودي حيال لبنان أولاً والسراي الحكومي ثانياً. فمقاطعة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري لزيارة رئيس الوزراء حسان دياب وعدم ترتيب زيارة له للرياض بسبب عدم تقبل الأخيرة لدياب حتى اللحظة، وهو الذي كشف حسب مصادر البناء عن «أفضل استعداد وعبر عن أكبر رغبة في زيارة المملكة التي ترقب منها أي اشارة قريبة داعمة له مؤجلا جولته العربية انتظاراً لموقفها»، يعني أن السعودية لا ترى في دياب ما يهمها سياسياً ولا تجد فيه اي نقطة مصلحية لتمد يدها لعلاقة معه أي أنه لا يقع ضمن دائرة اهتماماتها. وهذا يكفي لاتخاذ موقف قوي ودقيق من المشهد، وتحديداً الانهيار المالي الذي يعني الكثير بدون الدعم الخارجي للبنان والذي أتى حسان دياب إثره بالتالي فإن المشروع الانقاذي الذي يمثله دياب لا يمثل المملكة، ولكن بالتأكيد فإن التخلي عن لبنان وهو ما يعتبر خارج التقليد السعودي ليس خياراً سعودياً خارج عن منظومة الخيارات الاستراتيجية التي تحيط بها خصوصاً الخيار الاميركي الذي لا يعطي الضوء الأخضر حتى اللحظة للمملكة للتصرف حيال دياب أو في غير هذه اللحظة الإقليمية الدقيقة. وتلفت هنا زيارة المبعوث الأميركي الى لبنان دايفد هايل عشية تكليف دياب بدون ان يصدر اي اعتراض او شارة اميركية على رفض هذا التكليف. وبالتالي يمكن وضع خيار الرياض ضمن دائرة التريث الأميركي اذا كان المشهد قابلاً للاتجاه نحو بارقة امل ايجابية تبعد عن لبنان كارثة العودة الى سيناريو 17 تشرين.

هذا المشهد يجعل من حسان دياب «مقاوماً» بامتياز لكل ما يجري ويطرح اسئلة من نوع امكانية الاستمرار وبأية مقومات؟ وهنا يلفت موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعدم اعتبار هذه الحكومة «حكومة حزب الله» وبأن فيها وزراء ممتازين, كلامه الذي جاء أثناء زيارة قصيرة له في باريس يؤشر الى ان جنبلاط لم يكن بوارد «رفع» رسائله الإيجابية من لحظة تشكيل الحكومة حتى الآن لو كان الفيتو الدولي عليها وارداً او محتوماً فهو غالباً ما يقرأ في السياسة الدولية ورسائلها تجاه لبنان بدقة ولا يتردد في مواقف الشجب اذا ما تطلب الامر ذلك. أما الأهم فهو ان هذا الموقف قادر ان يؤسس لنقطة دعم يستفيد منها دياب دولياً عند أصدقاء جنبلاط فهو بين عدم التبني وعدم الرفض لدياب يعتبر اول المواقف الداعمة لوجود حكومة بدلاً من الفراغ من «اصدقاء» الرئيس السابق سعد الحريري.

الرئيس الحريري الذي يبدو غير راضٍ عن كل المشهد أعلن ببيان كتلته الأخير ان هذه الحكومة فشلت، وكذلك استرسل نوابه في أغلب التعليقات والتقارير الصحافية لكن المفاجأة الكبرى أتت من عند المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم الذي قرّر تجميد حركة أكبر المصارف المحلية وخلق جدالاً واسعاً فربط المشهد من قبل البعض بتزامنه مع إعلان الرئيس بري في لقاء الأربعاء من عين التينة مع ما يشبه اعلان الحرب على المصارف لتبدو الصورة أكثر ضبابية مع بزوغ مواقف مؤيدة لرئاسة الجمهورية تعتبر أن القرار هذا شعبوي وخطير؛ فهل يقع المحظور بين بعبدا وعين التينة على خلفية قرار دقيق بهذا المستوى فيصبح حسان دياب مكبّلاً عند كل محطة خلاف واختلاف؟ بأي حال من الأحوال وكما كان متوقعاً قرّر المدعي العام التمييزي تجميد قرار المدعي العام المالي لحين درس تأثيره على النقد الوطني.. لكنه بقي رسالة مدوّية.

هذا التفصيل هو مثال يمكن إسقاطه على ما يدور في فلك المشهد الإصلاحي الذي يتطلب شفافية وتلاحماً سياسياً وقضائياً. وهنا يأتي الموقف من صندوق النقد مشابهاً للانقسام حوله ليعيد خلط الأوراق من جديد وربما يعود معه مشهد تزخيم الشارع.

يقاوم حسان دياب اليوم الحسابات السياسية والمشهد المنقسم الذي لم تستطع كل موجات الحراك الشعبي والمطلبي توحيده ويقاوم ايضاً لعدم اعتبار هذه الحكومة حكومة حزب الله ولا حكومة إيران بعد ان كان أول المهنئين رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني فيتم عزلها ويقاوم أيضاً ليثبت لطائفته انه أهلٌ بكرسي رئاسة مجلس الوزراء، والأهم ليثبت للبنانيين وللشارع الذي ينتظر منه الكثير انه أهلٌ بحمل هذه التركة الثقيلة فالى متى سيبقى يقاوم؟

متى ينتقل دياب الى الموقع الطبيعي الذي يجعل التكاتف حوله مادة لإنقاذ المشهد من الانهيار فتسقط الحاجة للمقاومة؟ على اي حال من الاحوال يبقى الموقف الفرنسي الإيجابي حياله وتوجيه الدعوة لزيارة قصر الإليزيه مؤشراً إيجابياً باتجاه إمكانية الحفاظ على بارقة أمل ربما تؤسس لمؤتمرات دعم لبنان المنتظرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى