أولى

«كورونا»… وحقبة إمبرياليّة جديدة!

 د. جمال زهران*

 

مع الأسابيع الأولى من العام الميلادي الجديد (2020)، تفجّرت أزمة «فيروس كورونا»، التي بدأت في الصين، وسرعان ما انتقلت الأزمة إلى دول العالم البعيد قبل القريب من الصين، حتى أصبحت أزمة عالميّة، على الجميع في كلّ مكان بذل الجهود لوقف الانتشار والمعالجة والمواجهة لهذا الفيروس الخطير. وقد ذكّرنا هذا الفيروس الغريب بأمراض فتاكة ظهرت في آخر (500) عام ميلادي، متوازية مع الثورة الصناعيّة والاتجاه نحو الرأسمالية بديلاً للإقطاع الذي كان سائداً في القرون السابقة على ذلك. فقد ظهرت أمراض خطيرة مثل الطاعون، والكوليرا والملاريا وانفلونزا الخنازير والطيور، والسارس وغيرها، وأطاحت بالملايين بين قتيل ومصاب قد تعافى منها في ما بعد.

وقد تبارت الآراء حول أسباب انتشار هذا الفيروس في الصين تحديداً، حتى ساد الاعتقاد بأنه فيروس مصنّع في المعامل، والأرجح أنه تمّ ذلك في المعامل الأميركيّة بالتنسيق مع الإدارة الأميركيّة وأجهزتها الأمنية والمخابراتية، وقد تمّ تصديره إلى الصين عبر ضابطة مخابرات أميركية متخفية نقلته للصين، ثم إيران ثم أوروبا عبر البوابة الإيطالية، وذلك بهدف تدمير الاقتصاد الصينيّ الآخذ في الصعود والنمو المتسارع بما يمكن أن يفوق أميركا بشكل حاسم خلال السنوات الخمس المقبلة. بل إنّ الإجراءات والعقوبات الأميركية التي انتهجها ترامب ضدّ الصين باعتبارها «المنافس والعدو»، لم تصل إلى نتيجة لصالح أميركا. وذلك على عكس الديموقراطيين، الذين يتعاملون في عهد كلينتون (ثماني سنوات)، ثم أوباما، (ثماني سنوات)، باعتبار أنّ الصين هي «شريكة عالمية»، وليست «عدواً أو منافساً»، الأمر الذي يُسهِم في احتواء النمو الصيني المتسارع ويتفادى التداعيات السلبية على الاقتصاد الأميركي المحتملة. وقد انتصرت فكرةفيما أصبح راسخاً في الذهنية العالمية الآن، أنّ أميركا/ ترامب، وراء نشر الفيروس المتوحش (كورونا) في الصين، بداية من مدينة (ووهان). حيث صرّح المتحدث باسم الحكومة الصينية (تشاولي جيان) يوم الخميس 12 آذار/ مارس 2020 وهو أول تصريح رسمي عن الحكومة الصينيّة ضد أميركا، بالقول: «إنّ الجيش الأميركي «ربما» جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان الصينية التي كانت الأكثر تضرّراً بسبب تفشي فيروس كورونا. ثم انتقل وانتشر في الصين، الأمر الذي فرض تحدّيات على الحكومة الصينية بحتمية المواجهة، فكانت الإدارة المثالية لهذه الأزمة بلغة صينية، حققت معه انتصاراً غير مسبوق.

فالصين التي يبلغ عدد سكانها 1,4 مليار نسمة، أول من واجهت هذا الفيروس، فقد بلغ عدد الوفيات حتى 13 آذار/ مارس 3180 ضخصاً، بينما المصابون بلغ عددهم 81003 أشخاص، وأعداد الوفيات والإصابات تتراجع في آخر 4 أيام، حيث بلغ عدد الوفيات في 13 آذار/ مارس 7 وفيات، 21 إصابة جديدة. وبالنسب المتوقعة، فإنه خلال أسابيع قليلة ستعلن الصين عن مواجهتها الشاملة لهذا الفيروس وشفاء جميع الحالات ونظافة الصين كاملة. بينما بلغت حالة الوفيات في العالم كله 5406 أشخاص، منهم الثلثان في الصين، بينما بلغت حالات الإصابة 145 ألف حالة، تحتلّ الصين نحو 55 % من هذا الإجمالي فضلاً عن أنّ إجمالي الحالات التي شفيت تجاوزت 70 ألفاً بما يعادل نحو 50% من حجم الإصابات، إلا أنّ اللافت للنظر هو انتشار هذا الفيروس المعدّي في نحو 138 دولة من إجمالي 194، أيّ نحو ثلثي العالم! وبنسب وأعداد متفاوتة. ولعلّ الأعداد الكبرى، إصابة ووفيات في إيطاليا (1266 حالة وفاة + 1766 مصاب) وفي تزايد وليس في تراجع كالصين، وكذا الأمر في بريطانيا وفرنسا وعدد كبير من دول أوروبا.

أما في إقليم الشرق الأوسط، فإنّ الدولة الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس كانت إيران، وهي ظاهرة محيّرة ولافتة للنظر، حيث استهدف فيها من الشخصيات الكبرى، الكثير! على الجانب الآخر، نجد الرئيس الأميركي ترامب يوم الجمعة 13 آذار/ مارس، يعلن فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء الولايات المتحدة، الأمر الذي سبّب فزعاً كبيراً لدى الأميركيين، وباعتراف كبار مساعديه لـ «واشنطن بوست»، بأنه فشل في تهدئة الأميركيين بخطابه حول «كورونا»، حيث فرضت الطوارئ بالكامل في عدد من الولايات أبرزها (أوهايوتكساس)، حتى أنّ واشنطن العاصمة تواجه مخاطر كبرى باعتراف ترامب، حتى أنه أعلن خضوعه للكشف الطبي! وقد فوجئنا بأنّ رئيس المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية، يعلن بأنه يعتقد أنّ حالات الوفاة بالانفلونزا هي (كورونا المستجدّة)، المسجلة بأميركا لديهم باسم (كوفيد 19)، وأول حالة ظهرت في العالم، كانت في أميركا!

ـ وكما هو واضح، فإنّ الأمر جدّ خطير، والاتهامات متبادلة بين الصين التي تتهم أميركا رسمياً على لسان المتحدث الرسمي للحكومة الصينية كما أشرت، بأنها وراء نشر هذا الفيروس، واتهامها بعدم الشفافية. بينما على الجانب الآخر، يعلن ترامب خطورة ما تواجهه أميركا من جراء هذا الفيروس، إلى حدّ أنه قرّر فرض حالة الطوارئ، وهو الذي لم تفعله الصين في إدارتها ومواجهتها للأزمة. وكأنّ ترامب يقول إنّ أميركا تعاني من الفيروس، وهي بالتالي ليست وراء نشره! والحقيقة في طريقها للظهور، بالتأكيد.

وفي الحقيقة، فإنّ ما حدث حتى الآن، رغم خطورته على الاقتصاد العالمي، وحالة الفزع والارتباك في الدول خاصة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية، قد تودي بأنظمة وحكومات خلال الأشهر المقبلة من جراء كوارث ما بعد «كورونا»، لا يمثل إلا نسبة محدودة من الحالات الوبائية التي شهدها العالم خلال الـ 500 عام الماضية، والأرقام تؤكد ذلك. والمؤكد الآن أنّ هذا الفيروس هو بداية حروب بيولوجيّة، فشلت الحروب التقليدية في تحقيق المُراد، ولكن ربما تنجح «البيولوجيا» في إعادة ترتيب النظام العالمي واقتصادياته، وتراتيب القوة فيه بشكل مختلف. ولعلّ في انهيارات البورصات العالمية وتراجع سعر البترول إلى ما دون الـ 30 دولاراً للبرميل، البدايات المؤلمة لما هو قادم، فاستعدّوا يا شعوب العالم لما هو أسوأ! فنحن نعيش الآن مرحلة إمبريالية جديدة، فاحذروا يا شعوب العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومةورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى