أولى

اليمن السعيد… يعيد إنتاج الناصرية

‭}‬ د. جمال زهران*

الله أكبر على يمننا السعيد.. الذي سيظلّ سعيداً بشموخه وعروبته، وهو أصل العروبة الحقيقية، بما فعله ويفعله وسيفعله، من أجل القضية الفلسطينية، حيث يتعرّض شعبنا العربي الفلسطيني في غزة للإبادة الجماعية المنظمة، والإجبار على التهجير العشري، بالإضافة إلى التنكيل العمدي بأهل غزة بضرب المستشفيات وتدميرها بمن فيها والمدارس، والمخابز إلى حدّ تسوية مناطق كثيرة بالأرض في غزة حتى تستحيل الحياة، ويضطر السكان للهجرة تحت القصف الإجرامي.
وفي هذا السياق، وعلى غير المتوقع، تأتي الساحة اليمنية بقيادة الحوثيين الذين ظلوا يقاومون العدوان السعودي/ الإماراتي (القادة الجدد للنظام العربي بأساليب وحشية)، لمدة أوشكت أن تكمل التسع سنوات ببسالة، أجبرت العدو السعودي على الرضوخ لمطالب المقاومة اليمنية الباسلة. وذلك بعد أن تمكّن اليمنيون من ضرب أرامكو بالرياض ودبي وأبو ظبي، ووصول الصواريخ والطائرات المُسيّرة إلى أهدافها، مما أفزع هؤلاء المعتدين، وقادهم ذلك للرضوخ والاستسلام، والبدء في مفاوضات في سلطنة عمان مع اليمنيين!
ومع إعلان المقاومة الفلسطينية المواجهة مع الكيان الصهيوني، ابتداءً من عملية «طوفان الأقصى» وما بعدها، وعلى مدار فترة زمنية امتدّت إلى ثمانين يوماً متصلة، فوجئنا بالموقف اليمني التاريخي وغير المتوقع نظراً للمواجهة مع العدوان السعودي/ الإماراتي لتسع سنوات متصلة، الذي أعلن فتح الساحة اليمنية وإشراكها في معركة «طوفان الأقصى» بكلّ ما تملكه. وهو الأمر الذي عجزت عنه نظم حكم عربية تملك من السلاح والعتاد والمال والقدرات ما يفوق قدرات اليمن بمراحل. حيث بدأت الساحة اليمنية بضرب ميناء «أم الرشراش» – إيلات بالصهيونية، بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، ومن بُعد 2000 كلم، وكانت النتيجة انفجارات في الميناء، ووصل الأمر إلى نتيجة توقف الميناء عن العمل بنسبة تتراوح بين 85 – 90%، الأمر الذي أثر بالفعل على الاقتصاد الصهيوني، وإحداث شلل حقيقي ابتداءً من رفع الأسعار وحتى توقف حركة البيع والشراء نتيجة اختفاء السلع، ورفع من تكاليف المعيشة لدى سكان الكيان الصهيونيّ. والغريب في الأمر أن مَن يتصدّى لهذه الصواريخ والمُسيّرات، والبارجات الأميركية، وبمعاونة أطراف عربية بكل أسف!
أيّ أنّ النظم العربية لا تكتفي بالفرجة، أو الضغط من أجل توصيل المساعدات إلى شعبنا في غزة، وكأن الأمر لا يعنيها، بل تشارك في جريمة اسمها: الدعم العلني للكيان الصهيوني. وقد أعلنت أميركا أنها تصدّت وأسقطت أكثر من (50) صاروخاً ومُسيّرة أطلقت من اليمن، كانت في طريقها لضرب الموانئ الصهيونية! وهذا بخلاف ما وصل بالفعل إلى ميناء «أم الرشراش»، وأحدث آثاره الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية، وفي المقدمة حدوث حالة شلل في الميناء وتداعياته الاقتصادية، كما أشرت.
كما قامت القوات اليمنية بتوجيه ضربة عسكرية إلى قاعدة «دهلق»، الصهيونية العسكرية في أريتريا على البحر الأحمر، وعلى هضبة عالية، وكانت رسالة عسكرية ومخابراتية تكشف للصهاينة أنهم مكشوفون! وفي مبادرة جريئة وشجاعة، قرّرت اليمن إغلاق باب المندب الذي يقع تحت سيطرتها كاملاً أمام السفن الصهيونية المتجهة إلى الموانئ الصهيونية، في حصار محكم على الكيان الصهيوني. بل امتدّ القرار إلى جميع السفن وبجميع الجنسيات – أياً كانت – التي تحمل مواد غذائية أو غيرها إلى الكيان الصهيونيّ، والتهديد بالضرب واستخدام القوة العسكرية ضدها في حالة المخالفة. وبالفعل، استخدمت اليمن القوة في ضرب السفن المخالفة، وأسر بعضها، بينما تراجع عدد كبير من السفن وشركات الشحن العالمية عن المرور في البحر الأحمر، الأمر الذي أحدث خسائر كبيرة لهذه الشركات، ورفعت أسعار النقل. واشترطت اليمن وقف إلغاء المرور في باب المندب، ضرورة فك الحصار على غزة، الممتدّ (17) سنة، ووقف الحرب الصهيونية على غزة، وضمان توصيل المساعدات الشاملة إلى الشعب العربي الفلسطيني في غزة، وإلا فإنّ حظر المرور للسفن الصهيونية أو التابعة لها سيستمرّ.
وفي المقابل، وبعد إصرار اليمن وترجمة القول والتهديد إلى أفعال حقيقية، انزعجت أميركا، وسقطت هيبتها، وتأكد تورّطها في حرب غزة بدعمها الشامل للكيان الصهيوني، فكانت النتيجة مسارعة أميركا للسيطرة على الأوضاع وتهديد اليمن الذي رفض هذه التهديدات، فبادرت بتكوين تحالف دولي لمراقبة الأوضاع في البحر العربي والمحيط الهندي وشرق أفريقيا، للضغط على اليمن. إلا أنّ هذا التحالف ولد ضعيفاً، وبل ميتاً. فقد ضمّ دولاً غير عربية، باستثناء «البحرين» فقط كرمزية لتعاون عربي! بينما رفضت الدولتان الكبريان وهما: مصر والسعودية، الانضمام لهذا التحالف! كذلك سارعت كلّ من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، برفض الانضمام لقيادة التحالف الأميركي، زاعمة أنها لم يؤخذ رأيها! وفي الخلفية فإنّ تفسير الرفض السعودي والإماراتي كان بسبب التهديد اليمني بضرب الرياض وأبو ظبي كما حدث من قبل! الأمر الذي أدّى إلى تراجعهما على وجه الخصوص. ومن ثم فشل هذا التحالف في مواجهة اليمن الشجاع الصامد والداعم للقضية الفلسطينية، ولشعبنا في غزة.
ولا شك في أنّ هذا هو الاستخدام الثاني لليمن، لحقه في غلق باب المندب أمام السفن الصهيونية، خلال حرب أكتوبر 1973 (منذ خمسين عاماً) وبتنسيق مع مصر. وقد كان ذلك الموقف تتويجاً للرصيد الاستراتيجي لمصر لدى اليمن، بعد دعم مصر/ ناصر، للثورة اليمنية في عام 1962 بقيادة عبد الله السلال، واستمر ذلك حتى عام 1967، حيث تمّ خلال تلك الفترة نقل اليمن من نظام ملكي متعفن ومتخلف، وينتمي لعصور ما قبل التاريخ، إلى نظام جمهوري حديث، الأمر الذي أثار حفيظة السعودية الملكية ضدّ اليمن، وضدّ نظام عبد الناصر، إلا أنّ الجيش المصري مع الشعب اليمني الذي تكوّن جيشه الحديث استطاعا مواجهة السعودية، وحماية اليمن واستقراره، وضمان نجاح ثورته. وبدورة الأيام قامت اليمن رغم ظروفها السابقة بتوضيحها، استحضرت الناصرية فكراً وممارسة في دعم القضية الفلسطينية والتحرر والاستقلال، كما فعل بعد عبد الناصر معها. فتحية للزعيم جمال عبد الناصر، وتحية لليمن الحر، المستقلّ صاحب الإرادة الشجاعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى