أولى

السافلون السافلون…!

‬ د. عدنان منصور*

في القمة الاستثنائية التي عقدها القادة الأوروبيون في بروكسل يوم 17 نيسان/ أبريل الحالي، قرّر المجتمعون فرض المزيد من العقوبات على إيران، وذلك بعد ردّها على قصف «إسرائيل» لقنصليتها في دمشق.
الرئيس الفرنسي ماكرون كان الأكثر تشدّداً حيال إيران بعد اتصاله بنتنياهو، مؤكداً له على «عزمه تشديد الإجراءات لمواجهة أفعال إيران المزعزعة للاستقرار»! جاء ذلك بعد بيان رسميّ صدر عن الإليزيه، وصف الهجوم الإيراني بـ «غير المسبوق والمرفوض، وينطوي على خطر تصعيد عسكري شامل».
ماكرون أعلن أنه من واجب الاتحاد الأوروبي توسيع نطاق العقوبات على إيران، لتستهدف أيضاً كلّ من يساعد في صنع الصواريخ والطائرات المُسيّرة التي استخدمت خلال الهجوم الإيراني على «إسرائيل».
وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، أعلنت أنّ العقوبات الأميركية الجديدة ستفرض على طهران، وترمي إلى خفض قدرة إيران على تصدير النفط، وحظر كافة أشكال التجارة الأميركية معها.
العقوبات الجديدة رأت فيها «خدمة أبحاث الكونغرس» أنها الأكثر شمولاً من أي عقوبات أخرى تفرضها واشنطن على أي دولة!
بعد عدوان «إسرائيل» وقصفها القنصلية الإيرانية في دمشق، سارع الرئيس الأميركي جو بايدن الى التنصل من العدوان الذي «لم يكن على علم به»، ولم يعلق أو يدين او ينتقد عدوان «إسرائيل» ولو بالحدّ الأدنى، والذي شكل سابقة جرمية خطيرة متعمّدة فاجأت دول العالم.
بايدن الحريص على أمن «إسرائيل»، لم يكلف نفسه لإدانة العدوان الذي دمّر قنصلية لها حرمتها الدبلوماسية، إدانة كنا ننتظرها من دولة عظمى تتشدّق دائماً بـ «حرصها» على الأمن والقانون الدوليين، وعلى الاستقرار والسلام في العالم.
لم نسمع من مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي يختزن في داخله انحيازاً كلياً فاضحاً لـ «إسرائيل»، أي إدانة لعدوانها على القنصلية، وهو الذي سارع على الفور الى إدانة هجوم إيران «بكلّ شدة» بسبب ردّها على العدوان الإسرائيلي الذي طال قنصليتها.
هو بوريل الذي يعكس بكلّ أسف «أخلاق» سياسة الاتحاد الأوروبي وازدواجية معاييره، المنحاز الى جانب «إسرائيل» دون ضوابط أو تحفظ.
سُئل بوريل مرة من قبل محاوره أثناء الحرب «الإسرائيلية» على غزة: «هل تعتبرون أنّ ما تقوم به «إسرائيل» في غزة، جرائم حرب»؟! أجاب بوريل: «انا لست محامياً، ولكن هناك محكمة جنائية دولية ستجري التحقيق». سأله المحاور ثانية على الفور: «سيد بوريل، هل موقف الاتحاد الأوروبي يرى أنّ ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر جرائم حرب؟! أجاب بوريل على الفور وبوقاحة موصوفة: «نعم»! فما كان من المحاور إلا أن قال له على الهواء: «سيد بوريل، قلت للتوّ عندما سألتك عن «إسرائيل»، أنك لست محامياً. ألهذا السبب كثيرون يتهمونك بازدواجية معايير واضحة»!.
بوريل بتعمّده عدم إدانة «إسرائيل» عرّى صدقيّة الاتحاد الأوروبي، وموقفه المخزي وانحيازه الأعمى، إزاء العدوان الإسرائيليّ على سيادة إيران وقنصليتها، وحقها المشروع في الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
بوريل، وأثناء إحاطته من قبل وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، بعدوان «إسرائيل» الذي انتهك قنصليّة بلده، أجابه بكلّ خبث ومراوغة: «نحن أيضاً من الرأي القائل، أنّ الإجراء الإسرائيلي الأخير ـ ولم يقل العدوان ـ يعارض خفض التصعيد في المنطقة».
هل أدان الاتحاد الأوروبي الممثل ببوريل «بكلّ شدة» المجازر التي ارتكبتها «إسرائيل» بحق الإعلاميين والأطقم الطبية، وقتل المواطنين المدنيّين على شاطئ غزة فيما كانوا عائدين الى شمال القطاع؟! هل تحرك ضمير بوريل بعد المجازر الوحشيّة التي ارتكبها جيش الاحتلال ضدّ مئات المدنيين، من نساء وأطفال، وطمرهم في مقابر جماعيّة؟!
انبرى السافلون السافلون، في أكثر من دولة في العالم، في أوروبا والولايات المتحدة، وغيرها، ليدينوا هجوم إيران المدافع عن حقها.
سوناك بريطانيا، وما أدراك ما بريطانيا! الدولة التي ما زالت أيديها ملطّخة بدماء الشعوب المقهورة، حيث تاريخها الأسود يسجل أفظع الجرائم والمجازر بحق الشعوب، لا سيما شعب فلسطين، عندما سلّمت أرضه ووطنه للصهاينة القادمين من بعيد. هو سوناك وديعة الاستعمار والتمييز العنصري، والكراهية البريطانية الموصوفة، تحرّك بكلّ وقاحة وسفالة ليقول إنه: «يدين بأشدّ العبارات الممكنة الهجوم المتهوّر للنظام الإيراني على «إسرائيل»، وأنّ المملكة المتحدة ستواصل الدفاع عن أمن «إسرائيل»، وجميع الشركاء الإقليميين».
مجازر غزة، والإبادة الجماعيّة لسكانها، لم تحرك ضمير سوناك الغائب من أجل وقف العدوان.
إنّ انحدار السياسة الأوروبيّة وسقوطها الأخلاقيّ، لم يتوقفا عند بوريل وسوناك، فهي امتدّت الى فرنسا عبر وزير خارجيتها ستيفان سجورنيه ليقول: «إنّ فرنسا تدين بأشدّ العبارات الهجوم الإيراني على «إسرائيل»، من خلال اتخاذ هذا الإجراء غير المسبوق، فإنّ إيران تتجاوز خطأ جديداً في أفعالها لزعزعة استقرار الوضع، وتزيد من خطر التصعيد العسكري».
سيجورنيه وزير خارجية دولة «الحرية والإخاء والمساواة»، لم يكلّف نفسه ليتساءل عما إذا كان العدوان على القنصليّة الإيرانيّة، غير مسبوق أم لا، وهل يتجاوز القانون الدولي وخطوطه الحمر، وما هو موقفه من هذا العدوان المتعمّد، وغير المسبوق على القنصليّة! لا ننتظر صحوة ضمير، من مسؤولي دول مارسوا على الدوام سياسات الاستبداد، والقهر، والعنصريّة، والاستغلال، والنهب بحق الشعوب منذ قرون في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية حتى تستفيق في فلسطين.
إنهم السافلون السافلون، الذين أغمضوا عيونهم عن إبادة غزة، ولم يكترثوا لإعدام وتصفية مئات المدنيين فيها، على يد جيش الاحتلال وطمرهم في مقابر جماعيّة!
السافلون السافلون لم يستفق ضميرهم ولم يتحركوا لإطلاق سراح أكثر من 12 ألف معتقل في سجون دولة الاحتلال، ولم يكترثوا لهدم عشرات الآلاف من الوحدات السكنيّة.
ما أقبح سياسة الولايات المتحدة عندما، صرّح رئيسها جو بايدن موجهاً كلامه لروسيا قائلاً: لا يجوز لأيّ أمة، ولا يجوز لأيّ دولة او معتد أن يستولي على دولة مجاورة بالقوة! لكن انحيازه المقيت، أغمض عينيه عما فعلته وتفعله «إسرائيل» بحق دول المنطقة، واحتلالها أراضيَ عربية، وهو الذي اعترف بـ «سيادة إسرائيل» على الجولان.
لقد أدان الغرب ومعه الولايات المتحدة، روسيا، بسبب استمرارها ـ حسب زعمه ـ في استهداف وقمع الصحافيين! لكن السافلين الوقحين في الغرب الذين يدّعون حرصهم على حرية الصحافة وحياة الإعلاميين، لم يرفّ لهم جفن بعد تصفية أكثر من 125 صحافياً في غزة حتى الآن، على يد الجيش «الإسرائيلي».
أيها السافلون السافلون! والقتلة المشاركون في ذبح غزة، قولوا لنا ما هي القرارات والعقوبات التي ستتخذونها، وتفرضونها على «إسرائيل»، فيما مجرم الحرب يتطلع إلى رفح، ويستعدّ للذهاب حتى النهاية في «تطهير» غزة، وإبادة سكانها، معتمداً على تواطئكم، وتأييدكم ودعمكم له، وأنتم تزوّدونه بالمال والسلاح، وتغطون جرائمه باستخدامكم الفيتو.
أيها السافلون الوقحون، المستمرون بسلوككم العنصريّ، وانحيازكم الأعمى إلى جانب «إسرائيل»، نسألكم مَن يتحكم بقرار مَن! «إسرائيل»! أم أنتم الجبناء الأقزام في قبضتها وقبضة لوبياتها اليهوديّة؟!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى