أولى

كورونا… وحتميّة إسقاط
العقوبات الأميركيّة ضدّ إيران

 د. جمال زهران*

 

لا شك في أنّ وباء كورونا الذي اجتاح العالم، ولم يترك إلا بلداناً قليلة، إلا ودخلها بطريقة أو بأخرى، لم يعط اختياراً لأحد إلا إعطاء الأولوية له، ووضعه في صدارة اهتمامات الدول والحكومات والمواطنين. ولم يعد هناك تفكير لدى الجميع سوى الخيارات ثلاثية الأبعاد. فالخيار الأول: هو محاولة الحدّ من الانتشار بإجراءات الوقاية ونشر قيم النظافة، والخيار الثاني: هو معالجة من ثبت حمله للفيروس، ومحاولة تخفيض عدد الوفيات، والخيار الثالث: هو: العزل أو الحجر الصحي لمن يحملون شبهة حمل الفيروس كورونا (Covid – 19).

كما أنّ الثابت أيضاً أنه وللآن ليس هناك علاج مباشر لهذا الفيروس لمن يُصاب مباشرة، إلا باتباع خطوات قد تؤدّي إلى الشفاء قبل مرحلة التمكّن الكامل والشامل للفيروس من وجوده في الرئتين.

وبالنظر إلى الإحصاءات الإجمالية، فنجد النسب تشير إلى شفاء نحو 20%، ووفاة نحو 10%، واستمرار 70% حالات إصابة لم تشفَ ولم تمت! الغريب في الأمر كيفية التعامل مع دولة إيران من العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة. فإيران، بلغ فيها حجم الإصابات بالفيروس (32,322) مساء ليلة 28 آذار/ مارس 2020، وبلغت حالات الشفاء نحو الثلث (11,133)، بينما بلغت حالات الوفيات (2378) شخصاً بينهم شخصيات كبرى في البرلمان والحكومة. وقد اعتبرت إيران الدولة الأكبر في الإصابات والوفيات، بعد الصين، إلا أنه بعد توقف الفيروس في الصين التي استطاعت السيطرة على الوباء بعد انتشاره في مدينة (ووهان)، واتخذت الإجراءات الصارمة، فانغلق صنبور الحالات الجديدة بالإصابة، وتزايدت أعداد الشفاء من الإصابة، وتوقف حالات الوفيات، أصبحت إيران الآن وقد اقتربت في الوفيات، من الصين التي لم تتجاوز أعداد الوفيات فيها (3200)، وربما تتجاوز الصين في القريب العاجل.

كما أنّ تزايد الأعداد في إيطاليا، التي تجاوزت حجم الإصابات فيها، دولة الصين، بل وأصبح عدد الوفيات فيها ضعف وفيات الصين.

وكذلك حدث في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا والبرتغال، وعدد آخر من دول أوروبا. إلا أنّ الجديد هو تعرّض الولايات المتحدة لانتشار مماثل لهذا الوباء في نيويورك التي صارت (ووهان) أميركا، ومعها كاليفورنيا، وتجاوز عدد المصابين، أعداد الصين، وكذلك تزايد أعداد الوفيات إلخ

المشهد أصبح مأساوياً، حيث الوباء أصبح عالمياً، وتوقفت معه نشاطات البشر وتراجعت حركتهم، والمؤكد تأثر الاقتصادات العالمية في كافة البلدان التي ضربها الفيروس والوباء.

فكيف تعاملت أميركا التي فرضت العقوبات على إيران منذ اندلاع الثورة في شباط/ فبراير 1979، وتزايدت نوعياً وكمياً في 2012، الأمر الذي كان له تأثير على الاقتصاد الإيراني الذي كان انطلق من عقاله بعد الثورة، وأحدث تقدّماً صناعياً غير مشهود من قبل، وذلك تخفيض مستويات معيشة الشعب الإيراني. حيث قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات شديدة على إيران في عام 2012، بعد تزايد دورها في الإقليم العربي والشرق أوسطي، على خلفية الإصرار الإيراني على السير قدماً، في برنامجها النووي. ثم هدأت الأمور نسبياً بعد اتفاق (5+1) في عام 2015، في عهد إدارة (أوباما)، وبضمانات من روسيا والصين. إلا أنه بمجيء ترامب عام 2017، وازدياد التوحش الأميركي، بعد تولي الجمهوريين الذين يتسمون بالتحالف الصليبي مع الكيان الصهيوني، وأوقف الاتفاق، وانسحب ترامب من الاتفاق في ظلّ الانسحابات الأميركية من كلّ شيء في النظام العالمي.

والغريب أنه رغم انتشار وباء الكورونا، الأمر الذي يستدعي أولوية العوامل الإنسانية في التعامل لإنقاذ البشر والحياة، ورغم أنّ إيران كانت الدولة الثانية بعد الصين، وقبل أن تتجاوزها إيطاليا الأوروبية، في عدد الإصابات والوفيات نتيجة ضعف الإمكانات لمواجهة هذا الوباء، إلا أنّ أميركا لم تبادر برفع العقوبات عن إيران، ولا الاتحاد الأوروبي. بل حدث ما هو أسوأ من ذلك، بتوقيع عقوبات جديدة على الدول التي تتصف بالإنسانية مثل جنوب أفريقيا، نظراً لمبادرتها بتجميد العقوبات ضدّ إيران. وتلك هي جريمة ضدّ الإنسانية ارتكبتها أميركا والاتحاد الأوروبي!! إنّ ترامب ارتكب جريمة ضدّ الإنسانية، بعدم المبادرة برفع العقوبات عن إيران، أو ترك الدول ترفعها، بعيدة عنها وعن سطوتها، من باب الحياء وعدم انكسار هيبتها العالمية، وذلك لاعتبارات إنسانية، ضدّ الشعب الإيراني. بل إنّ كلّ شخص استشهد في إيران له دين في رقبة هذا الرئيس المتغطرس المغرور، وله حق بالمطالبة بمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأنه مجرد حقيقي يستحق العالم كله، القصاص منه بلا رحمة.

إنني أرفع صوتي عالياً، لكلّ الأحرار في العالم بممارسة الضغوط على حكامهم في أميركا وأوروبا وكلّ الدول المشاركة في العقوبات ضدّ إيران وشعبها، لإلغاء العقوبات ضدّ إيران، ووقفها فوراً. ونوجه الشكر للصين التي تبادر مع روسيا بالتعاون وتقديم كلّ المساعدات لإنقاذ شعب إيران. إنّ العالم كله يعتذر للشعب الإيراني عما أصابه بفعل فيروس كورونا وباستمرار العقوبات الظالمة القاسية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى