أولى

الدولة بعد كورونا…

 د. عدنان منصور*

 

 

جاءت حكومة الرئيس حسان دياب، بعد حراك شعبي وأحداث واضطرابات عنيفة، شهدها لبنان على مدار أشهر، نتيجة سوء الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، والانهيار المالي والاقتصادي، وحالة الفساد المستشري داخل منظومة الحكم والمؤسسات، الذي تجاوز كلّ حدود، عزّزه تهريب وسرقة عشرات المليارات من الدولارات، على أيدي حفنة من المستفيدين والمستغلين الذين حققوا ثرواتهم بصورة غير شرعية على حساب الشعب.

فمع حكومة الرئيس حسان دياب، علق اللبنانيون آمالهم عليها بعد طول انتظار، وتوخوا منها خيراً لمواجهة المفسدين والفاسدين ومحاكمتهم، ومحاربة الفساد ومفاصله، بكلّ شفافية وحزم، للخروج من الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي المتدهور يوماً بعد يوم، والذي أصبح يهدّد لبنان، نظاماً وأمناً ووحدة واستقراراً، خاصة بعد انهيار العملة الوطنية، وتراجع القوة الشرائية لها.

منذ اليوم الأول للحكومة، انتظر اللبنانيون قرارات، جدية حاسمة، ترتقي الى مستوى المسؤولية الكاملة، والظروف الصعبة، للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية المهترئة، وتلبية مطالب المواطنين العادلة والمشروعة، بعد ان استفحل الفساد، وقويت شوكة الفاسدين المستغلين، في كلّ موقع ومكان، مع ما رافق ذلك من تفشي البطالة بين صفوف اللبنانيين، وزيادة حدة الفقر، وحجز أموال المودعين في المصارف، وتضخم اسعار السلعإلا أنّ وضعاً خطيراً، اعترض مسيرة الحكومة، نتيجة ظهور وتفشي وباء كورونا، الذي زاد الطين بلة، ما جعل الحكومة مجبرة على مواجهة هذا الوباء الخطير، وجعله من أولويات عملها، حيث لم يشهد لبنان مثيلاً له من قبل، ما حتم عليها العمل على تركيز جهودها، من أجل احتوائه بكلّ الوسائل المتاحة. بذلك، انشغلت الحكومة، واللبنانيون معها بهذا الوباء، الذي ترك وراءه تداعيات اقتصادية ومالية ومعيشية وإنسانية واجتماعية صعبة للغاية، ستستمرّ آثارها السلبية الى ما بعد التخلص من هذا الوباء الخطير.

لكن ما الذي يحمله المستقبل الآتي الى لبنان؟! وما الذي ينتظر الحكومة من مشاكل وحراك، وبطالة واوضاع معيشية مزرية، ومطالب محقة، سيرفعها المواطنون في وجهها؟!

إذا كان وباء كورونا قد أبعد مؤقتاً، الشريحة الواسعة من ابناء الشعب عن مطالبهم الملحة والعاجلة، لا سيما الطبقة الفقيرة المسحوقة، التي التزمت بيوتها قسراً، حيث فيها الجائع، والعاطل من العمل، والمحتاج، والمريض، وفيها من يبحث عن مدخراته المصادرة. وجني عمره، وفيها مَن فقد الأمل بيومه وغده، لا يعرف كيف يحصل ويؤمّن قوت عيالههؤلاء جميعاً بعد كورونا، سيضعون أنفسهم في مواجهة شرسة مباشرة مع طغاة المال المنهوب، ومع طبقة اللصوص، وأيضاً مع ايّ حكومة تتلكأ او تتباطأ في إيجاد الحلول العاجلة، او تخدّر المواطنين بالوعود الكاذبة المراوغة، كالتي اعتمدتها الحكومات الفاشلة السابقة، في سياساتها وأسلوبها ونهجها وأدائها.

الشعب جاع، والجائع لا يعرف حدوداً ولا ضوابط. وثورة الجياع متأهّبة لتصفية حسابها مع طبقة الفاسدين، هي ثورة بركان ناشط يتوقع منه، أن يقذف حممه في أيّ وقت، وفي أكثر من اتجاه ليحرق بلهيبه من حوله. فالدولة ما بعد كورونا، لا يمكن لها أن تستمرّ في سلوكها وأدائها، كما كانت قبلهفالشعب الذي تحمّل تبعات الفساد ونتائجه، ومورس بحقه الإذلال، والغبن، والنهب المنظم الوقح لثروة البلاد، والصفقات والإثراء غير المشروع، لن يقبل بعد كورونا، بالمماطلة والتسويف والوعود الفارغة. فكيف يمكن لحكم ونظام أن يستمرّ في إهمال جائع، وتجاهل سرقة مدّخرات المودعين، او العبث بالمال العام، او تغطية مهرّب للمال العام المسروق الى الخارج، دون وجه حق، او التواطؤ في تحويل مجرى العدالة والتدخل لحماية النافذين والمفسدين على مختلف مواقعهمإنه الوقت للحذر والترقب والتنبّه الى ما ينتظر لبنان قبل فوات الأواناللبنانيون يريدون أفعالاً لا أقوالاً، لا وعوداً ولا نظريات، لا مناكفات ولا كيديات، لا حصص ولا صفقات، لا تصفية حسابات ولا وضع العصي في العجلات. الشعب يريد قرارات وطنية حاسمة شجاعة لا لبس فيها، تنهض بالبلد من جديد، وتلبّي مطالب الشعب

هل تتصوّر الدولة، انها باستطاعتها إسكات البطون الخاوية؟! وهل تستطيع ان تلجم عاطلاً من العمل يبحث عن قوت عياله وقسط مدرسة لأطفاله، وثمن دواء، ثم تجعله يرضخ للأمر الواقع؟! وهل تتصوّر الدولة أنها بأجهزتها تستطيع أن تخمد الغضب، وتسكّت أفواه المسحوقين المهمشين، والباحثين عن رغيف خبز، وطبابة وعمل شريف؟!

حذار حذار يا أرباب السلطة والنفوذ والفجور! إذا كان وباء كورونا أقعد اللبنانيين رغماً عنهم في بيوتهم، فإنّ ثورة الجياع والمحبطين والمغبونين والمهمّشين، ستخرجهم من بيوتهم عاجلاً ام آجلاً، الى الساحات والشوارع من جديد، قد يزحفون هذه المرة الى قصوركم، حيث لن تستطيع قوة بعد اليوم، أن تقف في وجههم، ولن يستطيع أيّ زعيم بعد ذلك، ان يستوعب ويقنع، ويروّض محازبيه ومؤيديه ومريديهفأمام الجوع، ولقمة العيش والإحباط تسقط كلّ المحرّمات

انتبهوا أيها السادة! انّ أجراس انتفاضة على الأبواب تقرع، فهل من يتعظ، قبل ان تجرفه ثورة الجياع؟!

من يعش يرَ!

*وزير الخارجية الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى