الوطن

«ما حكّ جلدك مثل ظفرك»…

 علي بدر الدين

اللجوء إلى لجنة الدعم الدولية أو إلى صندوق النقد الدولي والعودة إلى مؤتمر «سيدر» والـ 11 مليار دولار المقررة لدعم لبنان وطلب المساعدة والقروض كلها باتت من الماضي ولن تتمّ الاستجابة لاستغاثة لبنان ولو بالحدّ الأدنى لاعتبارات كثيرة منها الاشتراط على الحكومة إعداد مشروع إصلاحي والمباشرة بتطبيقه ورفض الاستثمار في بلد مفلس وترتيبه في أعلى هرم الفساد في العالم ويفتقد الى كلّ المقومات الأساسية الاقتصادية والماليه والى تراكم ديونه المالية وعدم القدرة على تسديدها وآخرها «اليورو بوندز»، فضلاً عن الانقسام العمودي والأفقي بين قواه السياسية وخلافاتها التي لا تنتهي حتى على تعيين موظف.

انّ محاولات الدولة الاستعانة بالخارج لن تؤتي ثمارها لأنّ اللاشيء الذي يفاوض عليه لبنان سيحصد منه العدم وفي أحسن الأحوال الوعود المشروطة، يعني من يزرع الريح يحصد العاصفة، واجتماع بعبدا مع لجنة الدعم الدولية لم ينتج سوى الوعود التي لا قيمة لها ولا تعني سوى إبقاء لبنان معلقاً على حبال الانتظار الى ما شاء الله.

وما زاد الطين بلة والأمور تعقيداً وصعّب على لبنان المهمة اقتحام فيروس كورونا لما يقارب 200 دولة في العالم وتفشيه بسرعة هائلة، وما أدّى إليه من تداعيات قاتلة للبشر ومدمّرة للاقتصاد، وقد أصاب كلّ الدول وأنظمتها ومشاريعها وبرامجها وخططها وتكاد وهي الأكثر عراقة وإنتاجاً والأضخم موازنة ان تحمي شعبها من هذا التسونامي الأخطر على البشرية منذ أكثر من مئة عام ليس فقط بالنسبة لعدد الضحايا بل لأنه قتل حياة الناس وعدم القدرة على القضاء عليه. هذا يعني أنّ استجداء لبنان لمساعدته وتقديم القروض والهبات لا فائدة منه في ظلّ أزمة وباء كورونا وإنتاجه لأزمات تضعط على الدول التي وعدت لبنان بدعمه والوقوف الى جانبه في محنته القاسية اقتصادياً ومالياً وصحياً، لأنّ الذي فيها مكفيها ولا حاجة للبنان المبتلي بطبقة سياسية فاسدة أوصلته الى ما هو عليه بعد ان حوّلته الى مزارع وملكيات حصرية ونهبت أمواله وأفلسته ولا زالت تواصل نهج الفساد والمحاصصة رغم معرفتها انّ هذا البلد بفضلها أصبح «ع الحديدة» كما يُقال.

يكفي المســـؤولين في كـــلّ مواقعـــهم الســـلطوية اللفّ والدوران وإضاعة الوقت في البحث عن جنس الملائكة وعدم التلطي خلف الوعود الدولية الزائفة والاجتماعات التي لا تقدّم شيئاً مفيداً بل تؤخر لبنان عن البحـــث عن حلول ومعالجات جدية تغني عن انتظار الأوهام. وكما يُقال «لا يحك جلـــدك إلا ظفـــرك»، ولا حلّ لبعض أزمات الداخل الاقتصادية والمالـــية والاجتماعية إلا باتخاذ الإجراءات والقرارات الموضعـــية المطـــلوبة قبل فوات الأوان، وأمامنا ما قامت به الحكومة ووزارة الصحة من إجراءات وقائية ذاتية لمواجهة كورونا وتسجل نجاحات بإمكانيات متواضعة وبشهادة دول تملك الكثير من الإمكانيات.

انّ الحكومة اليوم قادرة إذا ما قرّرت وامتلكت الجرأة والشجاعة والقرار الحرّ وتحت عناوين التعبئة العامة والظروف الاستثنائية ان تمسك زمام المبادرة وتقلب الموازين ومن دون اعتبارات سياسية وطائفية ومذهبية وخطوط حمر ومجاملات أو الخشية على المنصب والامتيازات السلطوية المغرية التي يتمناها الكثيرون ان تضغط على كلّ الذين نهبوا ثروات الدولة وأموالها العامة وحقوق الناس ليعيدوا للدولة جزءاً مما نهبوه من دون فضائح أو إعلام، يعني على «السكّيت» لأنّ الهدف أكل العنب لا قتل الناطور، ولا حلّ سواه وانّ كان حصوله أقرب الى المستحيل وقد يكون بمثابة معجزة العصر مع أنّ عصر المعجزات قد ولّى.

انّ الطبقة السياسية والمالية وحيتان المال وأصحاب المصارف وطيران المـــيدل إيســـت حيـــث يتغـــنّى رئيس مجلس إدارتها بأرباحها الضخـــمة وبنفي علاقة الدولة بها وأنها ملك لمصرف لبنان، إضـــافة الى التجار الفجار وقسم من المغتربين المقتدرين مع انهم لم يبخلوا يوماً على وطنهم ان يتبرّعوا لخزينة الدولة ونرى البعض منهم يتبرّع لمؤسسات دينية وجمعيات خيرية بمئات ألوف الدولارات وقد تصل إلى الملايين. وهذا يؤكد أنّ الأموال متوفرة وكـــذلك المتبرّعـــين واذا لم يقفوا الى جانب وطنهم وأهلـــهم في هذه المرحـــلة الصعبة فمتى يحصل ذلك؟ خاصة أنّ ثرواتهم المكدّسة في مصارف الداخل والخارج تمّ جمعها بالسلبطة والنفوذ والتسلط والاستبداد.

فهل تحسم الحكومة أمرها وتفرض على هؤلاء إجراءات وضغوط لتقديم القليل من ترساناتهم المالية لصالح خزينة الدولة كما فرضت التعبئة العامة والحجر المنزلي ومنع التجوّل ليلاً وسير السيارات على قاعدة المفرد والمزدوج ومن يخالف ويعاقب وقد فاخر وزير الداخلية بأنّ 9000 محضر ضبط سطرت بحق المخالفين ومعظمهم لا يملك ثمن ربطة خبز. فلماذا لا تفرض الدولة محاضر ضبط بملايين الدولاراتعلى أصحاب رؤوس الأموال المتغوّلين من اجل ان تتساوى الرعية بالحقوق والواجبات؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى