الوطن

جائحة كورونا أعادت الجنس البشريّ برمّته إلى المربع الأول…

} إيمان شويخ

كان يمكن أن يعود الإنسان بصورة عامة واللبناني على وجه التحديد إلى ذاته قليلاً في هذا الوقت كفرصة أتاحتها جائحة كورونا على الرغم من ثقلها وتهديدها لصحة الإنسان وصحة عائلته ومحيطه، ذلك لأنّ سلامة صحته الروحية والفكرية والنفسية قد تنقذ جسده وعقله وتحصّنه ضدّ فيروس كورونا وضدّ تهديدات قد تكون أخطر بكثير من الفيروس نفسه وقد يمتدّ مداها إلى ما بعد بعد انتهاء الفيروس. ومن أبرز هذه التهديدات التي قد تضاهي فيروس كورونا بسرعة انتشارها وعدواها ليس فقط بسبب قرب المسافة الجسدية والعطس والرذاذ والسعال، إنما على بعد مئات بل آلاف الأمتار، عدوى يصعب السيطرة عليها في الأحوال الطبيعية فكيف يمكن ذلك في زمن الجائحة.

يمكن تحديد هوية الفيروس المستجدّ على المستجدّ أصلاً تحت مسمّى «فيروس الحقد» الذي يتسابق مع كورونا في الزمان والمكان، فعداد حالات الحقد في لبنان يشهد اليوم ارتفاعاً جنونياً في الحالات المصابة وتلك التي تتأثر بالمصابين به وصولاً إلى الدائرة الأوسع لتصل تداعياته إلى العالم بأكمله.

عودة إلى جذور المشكلة المتمثلة بمشاعر الإنسان الفطرية والتي تنقسم إلى إيجابية وسلبية، تتجلى الأولى بمظاهر مثل المحبة والشفقة والتعاطف ومساعدة الغير، أما السلبية فتظهر في أشكال مثل الكراهية والغضب والشماتة والحقد الذي يعدّ أخطرها لأنه كما ذكرنا لا يصيب الفرد فقط إنما يصيب محيطه أيضا. وهو يعرف على أنه الضغينة والانطواء وحفظ العداء بالقلب وانتظار فرصة مؤاتية للانتقام من شخص حاقد عليه أو ربما مجتمع.

وفي زمن الكوارث والأزمات والجوائح، إشاعة الحقد والكراهية تتفوّق على الحدث أحياناً كثيرة والأسباب على ما تشرح الأخصائية في علم النفس الدكتورة ريما بدران هو التعبير عن مشاعر دفينة ذات دوافع عدوانية موجودة لدى الطبيعة البشرية ولكن بنسبب مختلفة، يحفزها شعور الشخص بالظلم من قبل الغير أو من قبل المجتمع فيعتبر أنّ كلّ ما يحصل من أمور سلبية هو انتصار لحقه، وهناك أسباب أخرى قد تحرك العدوانية لدى الشخص وهي الأنانية التي يتميّز صاحبها بالمكر والدهاء.

جائحة كورونا هي الفرصة الثمينة للانتقام لدى هؤلاء الأشخاص، فإذا ما أصاب الفيروس على سبيل المثال شخصاً ينتمي لطرف سياسي معاد للشخص الحاقد، أو شخص ربما من الأثرياء أو زميل له في العمل كان يشعر أنه المنافس له، أو رب العمل، وصولاً إلى مدن كما حصل في معارضة البعض وصف بشري بؤرة وباء على اعتبار أنّ مردّ ذلك هو العداء لحزب القوات، أو كما شمت البعض بإيران باعتبارها المصدر للوباء بعد تسجيل أول حالة قادمة منها في الحادي والعشرين من شباط الماضي.

هذا الحزن الذي أصاب شخصاً غير محبّب بالنسبة للحاقد هو إشباع لعدوانيته وانتصار لأنانيته لأنّ فترات مضت في السابق كان الشخص الحاقد في حالة يُرثى لها سواء في وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى الصحي، أما الآن فأتى وقت المحاسبة من وجهة نظره. ويعتبر أنّ الجميع يستحق ما يحصل له حتى لو أدّى فيروس كورونا إلى وفاتهم جميعاً.

من السمات التي يتمتع بها حامل فيروس «الحقد» حسب د. بدران كثرة الانتقاد والتذمّر والشكوى وعدم القدرة على التسامح أو النسيان والعيش على أعتاب الماضي، وعدم القدرة على اكتساب المهارات والقدرات وخاصة إذا كان فيها نوع من التماهي مع الغير، وقد يظهر ذلك بشدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي تعدّ بؤرة تفشي فيروس الحقد، حيث يشعر حاملو هذا الفيروس بقدرتهم على بث العدوى بسهولة لتصل إلى المئات وربما الآلاف أو الملايين إذا كانوا من المؤثرين أو القادرين على تسخير هذه المنصات لغايات شيطانية.

صحيح أنّ الجانب النفسي هامّ في تشخيص فيروس الحقد إلا أنّ الجانب الاجتماعي يقف وراء الكثير من تلك الحالات، فالوضع الاقتصادي المزري والفقر المدقع الذي يعيشه الشخص يجعل منه مشروع حامل لفيروس الحقد يبثه على نفسه أحياناً كثيرة قبل أن يعدي غيره، وليس بعيداً من هذا الوقت حين حرق أحدهم نفسه في تعلبايا بعدما عجز عن تأمين قوت يومه، وبعدها بأيام لجأ أحدهم إلى تعنيف ابنته حتى الموت، وكلّ يوم نسمع بهذا الذي يهدّد بحرق سيارته وذاك الذي يهدّد بحرق نفسه، فعدم إشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب يؤدي إلى خلل في الأعضاء الفيزيولوجية ما ينعكس سلباً على الحالة النفسية ويجعلها أكثر قدرة وقابلية على تلقف مشاعر الحقد والنقص وعدم الثقة وبالتالي العدوانية والسلوك المنحرف.

تشخيص الداء يسهّل الوصول إلى الدواء، فصحيح أنّ فيروس الحقد غير مرئي شأنه شأن كورونا لكن الاعتراف به يسهّل القضاء عليه ومكافحته، والعملية سهلة إذا توافرت النية بذلك، ومن العلاجات الفعّالة الحديث عن مشاعر الحقد الذي يمتلكها الشخص ويشعر بها لشخص آخر موثوق به وعلى قدر من الوعي يساعده على التخلص منها وعدم كبتها لئلا تنفجر وقت الأزمات ولئلا تؤذي صاحبها ومجتمعه.

وبعد هذا التخبّط بالذات والآخرين لسبب أو دون سبب يكفي أن نتذكّر أنّ جائحة كورونا أعادت الجنس البشري برمّته إلى المربع الأول أيّ إلى المساواة من حيث القدر المشترك، لأنها لم تميّز بين الناس كما في أحوال طبيعية على أساس طبقي أو عرقي أو ديني أو ثقافي فهي أصابت ملوكاً وأمراء وأثرياء ومن كانوا يعتبرون أنفسهم أقوى الأقوياء يتجبّرون ويتكبّرون دون العودة مرة واحدة إلى حقيقة الكائن البشري التي تقول بأنه من التراب وإلى التراب. ولعلّ الاعتراف بذلك يزيل كلّ مشاعر الحقد من النفوس الضعيفة لتبقى قوية في مواجهة كورونا بحكمة وحجر أخلاقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى