أولى

المقاومة بين رسائل الخارج وهجوم الداخل

 العميد د. أمين محمد حطيط*

رغم ما أحدثه كورونا من انشغال عالمي، وما فرضه من حجر على أكثر من 4 مليارات نسمة، ورغم افتضاح عجز أميركا و»إسرائيل» عن التصدّي لهذا الوباء الذي كشف حالة الوهن في بنيتهما الصحية وأظهر المخاطر التي تحيق باقتصادهما، رغم كلّ ذلك وجد الأميركي والإسرائيلي الوقت للتهديد او العدوان على محور المقاومة متوخياً تحقيق أهداف ظنّ أنه قادر على الوصول اليها أو فرضها او مفترضاً أنّ العدو أو الخصم سيخضع له ويدعه يحققها. فما هي تلك الأهداف وكيف كان ردّ محور المقاومة وما النتائج والمرتقب بعدها؟

نبدأ بالموضوع الأول الذي تمثل بالتحرّش الأميركي بالبحرية الإيرانية في الخليج، وهو تحرّش ظنّ الأميركي انّ بإمكانه عبره ان يعطل مفاعيل القصف الإيراني لقاعدة «عين الأسد» الأميركية في العراق، وأن يستغلّ انشغال إيران بمواجهة كورونا، ويظهرها عاجزة عن الردّ، وأخيراً أن يصنع عبر التحرّش والمواجهة خبراً يتداوله الإعلام في ترتيب أوّل ما يحجب إخفاقه الداخلي في مواجهة كورونا، كما يضخم الأخطار الخارجية على الأمن القومي الأميركي، ما يُسكت المناكفات والصراعات الداخلية بين ترامب وحكام الولايات، تلك الصراعات التي فضحت كورونا وجودها وفتحت المجال لتصوّر وقوع الأسوأ على صعيدها..

لكن إيران لم تسكت على التحرّش وتصرّفت بحزم وعلى وجهين، الأول عملاني في الميدان حيث وجّهت زوارقها للتحرّك في محيط قطع الأسطول الأميركي الخامس واقتربت إلى الحدّ الحرج عسكرياً من القطعة البحرية الأميركية، اقتراب له من الدلالات ما يفهمه العسكريون وهي ليست في صالح الهيبة الأميركية. أما الوجه الثاني للردّ الإيراني فقد كان في البيان التحذيري الناري الشديد اللهجة الذي وجّهه الحرس الثوري الإيراني إلى أميركا محذراً قيادتها من «الحسابات الخاطئة». وفي الوجهين دلالة واضحة انّ إيران على جهوزية عسكرية تامة للردّ على أيّ استفزاز او عدوان وأن ليس من شأن كورونا أن يؤثر على هذه الجهوزية اذا اضطرت إيران للجوء اليها ولن تكون عملية قصف «عين الأسد» إلا نموذجاً مصغراً للردّ الإيراني المقبل الذي سيأخذ بعين الاختبار متغيّرات الواقع العسكري الأميركي خلال الشهرين الأخيرين، بما في ذلك نشر الباتريوت في العراق. وبالتالي يعتبر جسّ النبض الأميركي لإيران قد فشل في تحقيق أهدافه وعزّزت إيران معادلة الردع بوجه أميركا مخدومة بقواعد اشتباك أصبحت أميركا تعرف كيف أنّ عليها احترامها.

أما الموضوع الثاني فقد تمثل بالعدوان الإسرائيلي على سورية حيث استهدف سيارة جيب للمقاومة كان على متنها مقاومون عائدون من سورية إلى لبنان، وتمّ العدوان في شكل يثير سؤال مهمّ: هل الإسرائيلي قصد النتيجة بالشكل الذي انتهى إليه الأمر أيّ عدم المسّ بالمقاومين مع تدمير السيارة أو انّ خللاً ما ضيّع على «إسرائيل» فرصة إصابة المقاومين داخل السيارة ما مكّنهم من تركها قبل أن يطلق الصاروخ الثاني؟ فإذا كان الفرض الأول هو الصحيح فانّ ذلك يعني انّ «إسرائيل» تصرّفت مع قيد رادع وخشيت من ردّ المقاومة التي أنذر قائدها «إسرائيل» بأنّ أيّ مسّ بمقاوم سيلقى الردّ المناسب من لبنان أو من سورية داخل أو خارج مزارع شبعا. أما إذا كان الفرض الثاني هو الصحيح فإنه يعني أنّ المقاومين عرفوا كيف ينتقلون وكيف يضيّعون على العدو فرصة النيل منهم.

ولكن ومهما كان من أمر قصد العدو الإسرائيلي، فإنه يستفاد من مجريات الميدان أنّ العدوان جاء ليوجه رسالة إلى المقاومة بأنّ الظروف الصحية الإسرائيلية بسبب كورونا لم تشغل «إسرائيل» عن ملاحقة المقاومة وتتبّع خطواتها في لبنان وسورية وهي رسالة يحتاجها نتنياهو اليوم من أجل القفز فوق المأزق السياسي الشخصي والحكومي الداخلي المتمثل بالعجز عن تشكيل حكومة منذ أكثر من سنة وبعد أكثر من دورة انتخابات نيابية.

بيد أنّ المقاومة لم تدع لنتنياهو فرصة تحقيق أهدافه من العدوان حيث وجّهت له صفعة سريعة أنست الجميع ما حملته المسيرة الصهيونيّة من رسائل وأنتجت إرباكاً في «إسرائيل» فاق كل ما هو متوقع. حيث إنه وفي أقلّ من 48 ساعة من اقتراف «إسرائيل» جريمتها فتحت 3 ثغرات في السياج الإسرائيلي الحدودي وتركت فيها من الآثار ما أفهم «إسرائيل» بأنّ تدمير الأنفاق التي فاخرت بالنجاح في إنجازه، لم يغيّر شيئاً في أهمية وجدية تهديد السيد حسن نصرالله من احتمال توجيه الأمر للمقاومين للعمل القتالي الهجوميّ في الجليل، وهو أمر يرعب الصهاينة على كلّ مستوياتهم. كما انّ الرسالة تؤكد بأنّ المقاومة التي نجحت نجاحاً باهراً في عرضها للجيش الصحي في الداخل اللبناني والتي تنخرط بكلّ جدية وفعالية في مواجهة كورونا، انّ هذه المقاومة على جهوزية تامة للعمل العسكري المناسب في مواجهة أيّ عدوان او تهديد او خطر إسرائيلي.

وعليه نرى أنّ الرسائل العسكرية الأميركية والإسرائيلية إلى محور المقاومة استدعت من الردود ما عطل مفاعليها وما أجهض أهداف العدو الذي أرسلها، وبذلك يكون محور المقاومة أكد على ما كان صاغه من معادلات الردع وقواعد الاشتباك التي لا تمكّن الطرف الآخر من ممارسة سياسة اليد العليا ما يعني انّ المقاومة ومحورها أفشلا الاستفزاز وردّا على الرسائل بما يؤلم الطرف الآخر.

بيد أنه إلى هذا النجاح يبدو في الأفق أمر مقلق في لبنان يتمثل بما يبدو أنه يحضّر على الصعيد الداخلي فيه، اذ يبدو انّ أميركا تخطط لشيء خطر تضع هي خطوطه وتقود تنفيذه الذي يوكل إلى أطراف محليّين اشتهروا بحقدهم وبعدائهم للمقاومة وانصياعهم لقرارات أجنبية تمسّ بأمنها وأمن لبنان واستقراره وتعرّض مصالحه للخطر. وهنا نتوقف عند ما تقوم به السفيرة الأميركية في بيروت من تحشيد لهذه القوى ما يعيد إلى الأذهان الانقلاب الذي نفّذته تلك القوى في العام 2005.

وللتذكير بالدور الأميركي في لبنان في تلك الفترة نستعيد ما حصل بعد احتلال العراق ورفض سورية الانصياع للمطالب الأميركية حيث كان القرار 1559 «الناظم للشأن اللبناني أميركياً» والذي أعقبه قتل رفيق الحريري وتشكيل جماعة 14 آذار المسيّرة أميركياً والمعادية لسورية وللمقاومة. وهي الجماعات التي نفذت بتوجيه أميركي انقلاباً سياسياً على مرحلتين الأولى تمثلت بإسقاط حكومة عمر كرامي التي يملك قرارها حلفاء سورية والثاني الحصول على أغلبية نيابية وتشكيل حكومة تعادي سورية، حكومة أرست قواعد تعامل عدائية مع سورية لا زالت نافذة حتى اليوم رغم كلّ التبدّلات.

نذكّر بهذا الماضي حتى نسقطه على الحاضر، حيث إنّ وزير خارجية أميركا جورج بومبيو أطلق في آذار 2019 خطة تغيير الحكومة لإخراج المقاومة منها والتنكّر للأغلبية النيابية واستعادة قرار لبنان كلياً إلى اليد الأميركية بعيداً عن أيّ أثر لمحور المقاومة فيه، وقد حققت خطة بومبيو بعض أهدافها وفشلت في تحقيق الجزء الأهمّ منها وهو عزل المقاومة ومحاصرتها بما يعطل فعاليتها، لذلك جاءت السفيرة الأميركية شيا اليوم في خطة استلحاق لتحقيق ما فاتهم تحقيقه، من أجل ذلك تسعى شيا إلى تشكيل حلف معارض، هدفه إسقاط حكومة دياب التي يصفونها بأنها حكومة اللون الواحد المسيطر عليها من حزب الله. وهي الحكومة التي نجحت بشكل واضح حتى الآن في مقاربتها لأخطر الملفات (الدَّيْنكوروناالمغتربين).

تقوم أميركا بـ «هجومها» من دون أن يعنيها ما سيتسبّب به إسقاط الحكومة من فراغ سياسي او إشاعة اضطراب مالي واجتماعي وحتى أمني، فالمهمّ لديها كيف تسقط حزب الله حتى ولو سقط لبنان معه. وهنا التحدي الذي يواجه الآن المقاومة وحلفاءها، الذين ينبغي ان يعلموا انّ الوقت الآن ليس للغنج والدلال او تحصيل المكاسب الشخصية، فأميركا تلعب الآن لعبتها الأخيرة التي ليس لديها الوقت الطويل لتنفيذها فهي مهلة لا تتعدّى الأشهر الستة، فإما أن تنجح ويغرق لبنان، او تفشل وينجو لبنان وهي جادّة في خطتها خاصة بعد سلسلة الإخفاقات التي حصدها ترامب في أكثر من اتجاه، وهو يؤمن انّ في نجاحه في لبنان مصلحة له ولـ «إسرائيل» على حدّ سواء. وهنا أهمية المواجهة من قبل المقاومة وحلفائها حتى لا تتكرّر استقالة عمر كرامي عام 2005، ولا محاصرة العماد لحود بعدها ولا الانقلاب السياسي مجدّداً، ولا الفتن وعمليات القتل الممنهج

 *أستاذ جامعي وخبير استراتيجي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى