سورية ـ السعودية «معيار التوازن العربي» وبوابة عبور التسويات

‭}‬ نمر أبي ديب
شكلت ثنائية السين سين، سورية السعودية، في مراحل سابقة تجربة استثنائية، على أكثر من مستوى، من بينها الضمانة العربية وضبط إيقاع الأزمة اللبنانية، فقد بلغت مع وثيقة «الوفاق الوطني» (اتفاق الطائف) ومجمل التقاطعات الدولية المؤاتية في حينه والمرفقة بحاضنة استراتيجية منحتها الولايات المتحدة الأميركية، محطة أساسية على مسار السياسات العربية، و»قبلة إقليمية» لانتظام سياسي أمني رسمت من خلاله التجربة اللبنانية الإطار العام لمجمل الحراك العربي، في مراحل اختصرت فيها المملكة العربية السعودية الموقف الخليجي وكتبت فيها سورية بمفاعيل لقاء «جنيف» الذي جمع الرئيس الراحل حافظ الأسد مع الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، «خطوط التوازن العربي» الغير ملحق بخارجية دولية، أو سياسة تبعية، ضمن لقاء قمة أكدت من خلاله الجمهورية العربية السورية على جملة عوامل أساسية من بينها امتلاك مقومات القيادة العربية، إلى جانب «مركزية الدور ومحورية الموقع»…
هنا يجدر التساؤل عن أبعاد المتغيّرات الدولية، التي رافقت مسبّبات الانفتاح العربي على سورية، يجدر التساؤل عن مصير التباعد السعودي السوري الآخذ في التذليل والعودة التدريجية إلى ثنائية الدور، والمحطة المنتظرة اليوم ما هو أبعد، أعمق وأكثر من «تبادل السفارات»، يجدر التساؤل عن آفاق المراوحة العربية، في مراحل غياب المواقف الجامعة المؤسسة لاستراتيجيات عربية قادرة على تعديل شروط التسوية، والجلوس على طاولة المفاوضات الدولية كشريك مُكَمِّل وليس «منفذ» لسياسات الدول الكبرى ونخص بالذكر الولايات المتحدة الأميركية، نتحدث عن الندِّية السياسة التي برعت سورية حافظ الأسد في تمريرها ضمن الأطر الدبلوماسية في لقاء جنيف الذي أسقطت سورية من خلاله في 26 آذار عام 2000، جملة الرهانات الأميركية، ومعها عرض 80% من مساحة الجولان السوري المحتلّ، وللتذكير (العرض الأميركي لم يشمل بحيرة طبريا)…
نتحدث اليوم عن جوانب استراتيجية كامنة في سياسة سورية الخارجية عن مؤثرات تلمّستها المملكة العربية السعودية بمواقفها المغايرة والمتمايزة في كثير من العناوين، عن مواقف الولايات المتحدة الأميركية وقراءاتها الإقليمية، وتلك معادلة استثنائية تضمّنت مؤشرات التحوّل المتنامي في أساسات الموقف السعودي، وأيضاً ضمن المساحات المشتركة على ضفتي الانفصال السعودي السوري، ما يوحي بحتمية التقارب في الدرجة الأولى، وحاجة المنطقة أكثر من أيّ وقت مضى إلى انتظام سياسي جديد، يضمن على المستوى السياسي، الأمني، وحتى العسكري، مخارج استثنائية لملفات عديدة عالقة، منها على سبيل المثال لا الحصر الملف اليمني، وحدة الجغرافيا العراقية، وأيضاً الأزمة اللبنانية بملفاتها الاستثنائية، واستحقاقاتها الدستورية المتمثلة اليوم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
السؤال: هل تشهد المنطقة ومعها العالم متغيّرات جدية على مستوى «المظلة الدولية» الحاضنة لمشروع تسوية محتمل، يعيد المنطقة ومن ضمنها لبنان، إلى ما يشبه معادلة «السين سين» مع فارق استراتيجي يضمن على المستوى الإقليمي/ التركي إنهاء فعلي لحلم «الدولة الكردية»، وعلى مستوى التعددية الدولية، دور متقدّم للصين الشعبية، مع مشاركة فرنسية فاعلة ضمن ثلاثية دولية أساسية الصين روسيا أميركا زائد واحد أيّ فرنسا في المعادلة الإقليمية الجديدة.
لا شك أنّ التقارب السعودي ـ الإيراني فاتحة استثنائية لـ «فورة صينية»، ضمنت من خلالها بكين مساحة إضافية على خارطة النفوذ العالمي، بالتزامن مع انحسار أميركي من مجمل ملفات المنطقة ما يعيد على المستوى العالمي ترتيب الأولويات الدولية الناظمة للحدث الإقليمي، وفق موازين قوى جديدة فرضتها الحرب الأوكرانية، المرفقة باستراتيجية حصار الغاز، و»الدبلوماسية الصينية» التي نجحت في وضع إشارة «تفوّق استراتيجي» قابل للتمدّد وأيضاً للانتشار على خارطة النفوذ العالمي.
انطلاقاً مما تقدّم تبدو المنطقة في أمسّ الحاجة إلى ضابط إيقاع سياسي، ناظم للتعهّدات الاقليمية، وفرص قيام التسويات الاستراتيجية في مراحل انطلاقة النظام العالمي الجديد ما يشير إلى حتمية التعاطي العالمي مع «شرق أوسط جديد»، قائم حتى الساعة على معادلتين «العلاقات السعودية الإيرانية»، و»الاتفاق النووي» نتيجة غياب البدائل الأميركية من جهة ومنع استفراد الصين بملفات المنطقة.
السؤال هل تملك القوى الإقليمية وفق موازين القوى الحالية، خطوط ربط وتشابك سياسي وعسكري، يمكن من خلالها ترجمة المفاعيل العملية لمعادلة السين سين من خارج الدور المشترك «السوري السعودي»؟ هل تملك القوى الإقليمية مفاتيح الحلول السياسية ومعها أوراق المنطقة الأساسية؟ ما يسمح في دخول القوى الإقليمية مجتمعة مرحلة جديدة، ضمن إطار عربي جامع ومنتج.
ما بين الاتفاق السعودي الإيراني وحتمية العودة إلى الاتفاق النووي مساحات فاصلة على المستوى الإقليمي مُفصلة على قياس التجربة السحرية التي تركتها معادلة «السين سين» سورية والمملكة العربية السعودية، وهنا بيت القصيد، وعودة العلاقات السعودية ـ السورية إلى سابق عهدها ممرّ إلزامي وتوقيت إقليمي مناسب لتمرير التسويات الكبيرة المانحة على المستوى الاستراتيجي إمكانية الاحتواء «الأمني والسياسي»، لمراحل التفرقة والنفور العربي، الثلاثية الإقليمية المتمثلة اليوم بالتقارب السعودي ـ الإيراني، الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، والعلاقات السورية ـ السعودية، ركائز استراتيجية في بناء الشرق الأوسط الجديد ومعبر إلزامي لدخول المنطقة بما تمثل من مقدرات سياسية وأخرى استهلاكية زمن النظام العالمي الجديد، المتعدّد الأقطاب والمركزيات المالية لاحقاً.