الوطن

ذكرى الإبادة الجماعيّة «شاتو دسيفو».. شهداؤنا «السريان» والإسماعيليّون السوريّون.. أنتم في البال

} نظام ماردينيّ

في البداية يمكن القول إن أي قراءة موضوعية لا تأخذ في الاعتبار التركيب الاتنولوجي ـ السكاني لمنطقة سورية الطبيعية، قراءة لا تصل إلى نتيجة، لأنها تتعامى عن الواقع ولا تستعمل المنهج العلمي في تحليلها للأمور. وبالتالي تبقى النتيجة النهائية لها مجردة من الواقع وبعيدة عن التفكير العلمي في المستقبل.

ولكن من ركام تفاصيل هذه القراءة، واللهب الذي تصاعد من جراح الذاكرة، ثمّة رأي عام يؤكّد أن مشاريع إبادة السريان والكلدان والآشوريين والإسماعيليّين/ النزاريّين (لعل الكثيرين لا يعلمون أن الإسماعليين كما الصابئة كانوا ملوك السريان في التاريخ السوري القديم)، في بداية القرن العشرين، استمدّت جذورها من الأيديولوجية العنصرية لتركيا الطورانية، التي وعلى رغم زعمها بأنها لا تتحمّل مسؤولية عمل قامت به جمعية الاتحاد والترقّي، منذ قرن ونيّف، إلا أنها تدرك جيداً أن اعترافاً من هذا النوع يعني استعادة الأراضي السليبة التي هُجّر منها السوريون بجميع عناصر مزيجهم الذهبي.

لسنا من الذين يمشون وراء جنازة «غودو» ولا ننتظر أحداً، بعدما تحوّلت ذكرى «شاتو دسيفو»، ومن ثم الكشف عن المذابح التي طالت 200 ألف من الإسماعيليّين، تحوّلت أيقونة سيضعها كلّ سوري حر على جبينه الذي تُقبّله الشمس حتى اعتراف العالم بجرائم الإبادة هذه وعودة أراضينا السليبة من الاحتلال التركيّ.. فمَن سيداوي مدننا الشمالية المنائر المحتلة من قبل تركيا، من جراح وفتوق ودمامل الاحتلال؟ ومَن سيستردّ بهاءها غيرُكِ أيّها السوري؟

يذكر أنه كان قد أطلق على عام 1915، وهو السنة التي بدأت بها المجازر في منطقة طور عابدين، بـ «شاتو دسيفو»، أي «عام السيف»، كما عرفت اختصاراً بـ «قطَلعَمّو» أي بمعنى «التطهير العرقي»، وكانت من أبشع المجازر المنضوية تحت اسم «مذبحة سيفو» بين عامي 1914 و1923، مجزرة دياربكر، ومجزرة طورعابدين، ومجزرة ماردين.. ومجزرة دير الزور، التي هاجر إليها عدد كبير من السريان والأرمن هرباً من القتل على يد العثمانيين، وغيرها العديد، ولا تزال العديد من العائلات السريانيّة تقطن في تلك المناطق.

وهكذا فرغت أجمل المدن السورية القديمة من سكانها، وهي المدن التي لعبت دوراً مهماً في النهضة الحضارية السورية: نصيبين، ماردين، حران وأورفا مركز اللغة السريانية، عدا عن «مديات» عاصمة أول مملكة آرامية تعود للقرن الثالث عشر ق.م. «مملكة بيت زماني».

ويعتقد المؤرخون أيضاً أن السبب الرئيس وراء تورّط مرتزقة أكراد في المجازر هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذين حاولوا إقناعهم أن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهدّدون وجودهم، ما يشير إلى أن الحملة كانت متعمّدة ومقصودة من أجل تطهير عرقي ضد المسيحيين، وعبر استخدام الخيالة الحميديّة المكوّنة من عشائر كردية للقيام بالإبادة.

وفي السنوات الأخيرة شهدنا اعترافاً من دول ومنظمات وأحزاب بالمجازر، كما قامت شخصيات وأحزاب كردية بالاعتذار عن دور الأكراد في مجازر السريان والأرمن، ولعل أبرز تلك الشخصيات زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان.

نودّ أن نؤكد في هذه القراءة المقتضبة أن ظلمين لحقا بـ «سيفو»، الاسم الذي أطلق على الإبادة الجماعية التي لحقت بأهلنا من السريان السوريين في العام 1915، والتي نفّذها العثمانيون، مستخدمين السيوف والمرتزقة (قوات الفرسان الحميدية التي شكّلها السلطان عبد الحميد في نهاية القرن التاسع عشر، والتي كانت عبارة عن تجمّع لقوات المتطوّعين من الإقطاعيين الأكراد)، في هذه المجزرة الشنيعة.

الظلم الأول الذي لحق بـ «سيفو»، هو من وسائل الإعلام الدولية التي لاحقت أخبار الإبادة الأرمنية (أخيراً اعترف البرلمان السوريّ بجرائم الإبادة العثمانية التي طالت الأرمن في 13 شباط/ فبراير 2020)، التي قدّرت بمليون ونصف المليون شهيد، في حيت غابت المجازر التي لحقت بأهلنا من السريان، والتي قدّر ضحاياها المراقبون بـ 750 ألف شهيد.. فهل تمّ تصنيف الإبادة السريانية كجزء من الإبادة الأرمنيّة، لذا لم تحظَ مذابح «سيفو» باهتمام كبير!؟

الظلم الثاني الذي لحق بـ «سيفو»، هو غياب الإعلام السوريّ عن ملاحقة الدولة التركيّة وفضحها على الصعيدَيْن، الحقوقي والإنساني، استكمالاً لتجريم هذه الدولة في المحافل الدوليّة. فهل سيتمّ تعويض هذا الغياب من قبل الدولة السورية والبدء بجمع الملفات والشهادات من أسر وأفراد أحياء بهدف توثيق هذه الجريمة بحق أهلنا وشعبنا في المناطق المحتلة وفي الداخل السوري ضد الإسماعيليّين/ النزاريّين من قبل العثمانية التركية، لا سيما أن بعض السريان لا يزالون يحتفظون بصكوك ملكيّة أراضيهم وبيوتهم التي هجّروا منها بالقوة، على أمل أن يستعيدوا بالقانون لاحقاً ما خسروه بالإرهاب والقهر وحدّ السيف سابقاً.. كما يجب توثيق جرائم الإبادة ضد الإسماعليّين.

صحيح أن الجهات المعنية في سورية كانت قد وافقت على بناء نصب تذكاريّ أتى على شكل مجسّم «قوس كبير وشعلة» في «حديقة القشلة» في «باب توما»، والتي سُمّيت أخيراً بحديقة «شهداء السريان»، بناء على طلب بطريرك الكنيسة السريانية في العالم أفرام الثاني، من الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي وافق على طلبه لإحياء ذكرى مرور 100 سنة على مجازر «سيفو» على السريان والأرمن، وقد أشار وقتها مدير العلاقات العامة والبروتوكول في بطريركية السريان الأرثوذكس في دمشق، الربان موريس عمسيح، في لقاء خاص مع وكالة «سبوتنيك»، إلى أن كلمة «القشلة» تعني ثكنة باللغة العثمانيّة، وحتى يُنتَزع من أذهان السوريين تكرار هذه الكلمة، فقد جرت تسميتها بحديقة «شهداء السريان»..

ولكن السؤال الذي يراود كافة السوريين، هل تكفي موافقة الدولة السورية على إقامة حديقة لشهداء أهلنا من السريان والكلدان والآشوريين كي نحفظ حق أهلنا الحقوقي في الارض السورية المحتلة، أم أن على الدولة أن تسارع إلى جعل هذه الذكرى الأليمة من ضمن المنهاج المدرسي والتعليمي كي تتناقلها أجيالنا من جيل إلى جيل؟ وهل يعترف البرلمان السوري بهذه المجازر بحق أهلنا أسوة باعتراف البرلمانات الأجنبيّة بذلك؟

في المنشور البطريركي بمناسبة الذكرى الثالثة بعد المئة لمجازر الإبادة السريانية «سيفو» يقول: «نفتخر بشهدائنا افتخارنا بالصليب الذي من أجله استُشهِدوا، ولذا نسعى أن يبقى ذكرهم حيّاً.. ، فنستمدّ الأمل من سيرهم وتضحياتهم لأيّامنا التي تكاد تشابه تلك الأيّام».

في نهاية مسرحية غاليلولبريخت، بعد أن يتراجع غاليلو عن آرائه، يقول له تلميذه اليافع في ما يشبه العتاب: ما أتعس الأمة التي بلا أبطال، فيردّ عليه غاليلو قائلاً: ما أتعس الأمة التي تحتاج إلى أبطال.. ما أودّ قولُه حول الموقف المتاح للدولة السورية اليوم لتمارس فضيلتها، هو: هل بشجاعة الصمت أم بشجاعة الكلام حول المجازر التي طالت أهلنا من السريان والكلدان والآشوريين والإسماعليّين، لأن مسألة المجازر كما المسألة الكردية، هما مسألتان حقوقيتان تمسّان شعبنا السوري بكامل مزيجه السلالي الذهبي؟

ختاماً.. إذا قرأتم الإنجيل، إذا تلمّستم قدمَيْ يسوع المسيح السوري، فلسوف يُقال لكم: هذه هي مهمتكم وليست مستحيلة!

 

** عرفت مجازر سيفو بتسميات محلية عدة لعل أهمها «سيفو»،وهي لفظة سريانية غربية تعني «السيف» في إشارة إلى طريقة قتل معظم الضحايا. كما عرفت سنة 1915 وهي السنة التي بدأت بها المجازر في منطقة طور عابدين بـ «شاتو دسيفو»،أي «عام السيف». وسميت المجازر كذلك بالأدبيات السريانية بـ»»، «قَطلا دعَمّا سُرايا»/»قَطلودعَمّوسُريويو» بالسريانية الشرقية والغربية على طوالي وهي عبارة تعني «مجازر الشعب الآشوري/السرياني». كما عرفت اختصاراً بـ «قطَلعَمّا»/»قطَلعَمّو» أي بمعنى «التطهير العرقي».

*** تبنّى مجلس الشعب السوري بالإجماع في جلسته العاشرة من الدورة العادية الثانية المنعقدة الخميس في 13 شباط/ فبراير 2020 ، برئاسة حمودة صباغ رئيس المجلس، قراراً يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحق الأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين.

وجاء في نص القرار أن مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية في جلسته المنعقدة الخميس، يدين ويقر جريمة الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية بداية القرن العشرين كما يُدين أي محاولة من أي جهة كانت لإنكار هذه الجريمة وتحريف الحقيقة التاريخية حولها ويؤكد أن هذه الجريمة هي من أقسى الجرائم ضد الإنسانية وأفظعها.

(الصورة: الأولى لبطريرك الكنيسة السريانية في العالم، أفرام الثاني، خلال تدشينه حديقة شهداء السريان في دمشق.. والثانية، تؤرخ المجزرة ـ الإبادة).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى