أولى

الكلمة الفصل بين خيارين…

 

} منجد شريف

نتابع نشرات الأخبار، فنشهد منابر متضادة تعكس الاصطفافات بكلّ تناقضاتها، فمقدمة تذمّ بحاكم المصرف، وأخرى تبخّر له وغيرها على الحياد الإيجابي، وتبقى الكلمة الفصل لرئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بالطلب من الحاكم مصارحة اللبنانيين بحقيقة الأرقام، فيما قرّر مجلس الوزراء تكليف شركة دولية للتدقيق في حسابات المصرف المركزي، بعدما تبيّن تحويل 5,7 مليارات دولار في الشهرين الأوّلين من العام الحالي، ملوّحاً بأنه لن يتهاون في هذا الأمر وسيلاحق كلّ من يثبت ضلوعه في إفلاس البلاد، واجتثاث جنى العمر عند كلّ اللبنانيين، وانبرت إحدى محطات التلفزة للتصدي الفوري في هجمة مرتدّة، حيث أشعرتنا كأنّ المظلومية التي يعيشها الناس اليوم سبّبتها لهم الحكومة الحالية، ومثنية على دور الحاكم حتى الآن في المحافظة على النقد الوطني، كأنّ كلّ ما نعانيه هو في كوكب آخر، أو كأنَّ ذاكرة الناس مُسحت وليس فيها أيّ معلومة عما حصل وعمّن تسبّب بوصول الناس إلى هذا الواقع، والحقيقة التي لم يقلها أحد أنَّ جريمتنا أننا ولدنا لبنانيين، لأننا نقع على خط زلازل سياسية لن تعرف الاستقرار طالما هناك عدو غاشم يتربص بنا كلّ شر، وهناك من يقاتلنا من الدول الخارجية بالإنابة عنه، خدمةً لمصالح مشتركة أبرزها خيرات هذه البقعة من العالم التي كانت تسمّى العالم العربي، قبل أن تمزقها اتفاقيات سرية إلى كيانات مستقلة تتمتع ظاهراً بالاستقلال والسيادة بينما هي في الباطن مربوطة بقوانين وأنظمة دولية صيغت بشكلٍ يجعل كلّ تلك الدول خاضعة لها وليس آخرها ما نعانيه من ضغوط مالية كنا بغنى عنها لو بقيت المظلة الدولية تحمينا من خلال رفد اقتصادنا بجرعات المؤتمرات المالية، التي عشنا عليها منذ العام ١٩٩٢ وحتى الأمس القريب، لأهداف صارت جلية ولا داعي لتفسيرها، لقد منعنا من مقررات سيدر ١ لتستفحل بنا هذه الأزمة الإقتصادية، وليتمّ توظيفها في الصراع الدولي بين القوى المتصارعة، ولتنعكس هذه الأزمة بوجه القوى الممانعة في المنطقة ومن يقف وراءها، نعم هذه هي الحقيقة، وكلّ هذا السيناريو لارتفاع الدولار ونكبات المصارف والتحويلات لا يعدو كونه نتيجة، بينما الكلمة الفصل كانت من هناك من حيث مركز القرار المالي، حيث المنظومة المالية التي ربطت بها كلّ اقتصادات الكون، وصارت تحرّم ما تريد وتحلل ما تريد، إنها حكومة العالم الخفية، الدولة العميقة.

لقد ربطونا بنظام الشريحة فصارت مدّخراتنا قيوداً وأرقاماً لا تسمن ولا تغني عن جوع كما هو حاصل اليوم، نحن اليوم أيها اللبنانيون أمام تجربة جديدة من الحروب الإقتصادية الناعمة، لأنّ الحروب العسكرية ولى زمانها ولم تثمر بشيء، فكانت هذه الحرب على لقمة الفقير قبل الغني لإثارة الناس وإشعال غضبهم ووضعهم بوجه بعضهم البعض ضمن اصطفافاتهم المعهودة، ونحن مع الأسف جميعنا مصطفين ومنتمين، وكلمة تأخذنا يميناً وأخرى شمالاً بينما هذه الأزمة تحتاج إلى أكبر قدر من التضامن والتعاون  والتكافل والإتحاد، سقى الله أيام حكم المملوكي والعثمليكانت متطلبات العصر تسمح بالصمود الطويل وكانت المجتمعات حاضرة دائماً لكلّ أشكال الحروب وحملات التنكيل بكلّ جوانبها بما فيها الطائفي والمذهبي، أما اليوم فقد تبلّدنا وعشنا وهم الواقع على «الماستر كارد» و»الفاست فود»، وتبلّد أبناؤنا وصاروا متخمين بأكل الوجبات السريعة ولا يقيمون وزناً للمال وكيفية الاستحصال عليه وصرفه.

نحن أمام أزمة فريدة من نوعها وأمام الحكومة فن الممكن لأنه لا حبل خلاصٍ ممتدّ لإنتشالنا، وأمامنا خياران إما دعم الحكومة في كلّ ما تقدّمت به ولامس همومنا وشجوننا وهواجسنا، أو الحياد السلبي، لأنّ الحياد هذه المرة سيكون صكّ براءة لأولئك الذين تفننوا في هندسة مصيبتنا التي نتخبّط بها اليوم، فكلّ التغريدات المدافعة عن كلّ متسبّب بكارثتنا الاقتصادية هذه، تذكرنا بالقول الشهير للأديب الراحل سعيد تقي الدين: «ما أفصح القحباء عندما تحاضر بالعفة».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى