أولى

فلسطين في وداع «العروبة»

 

 طارق سامي خوري _

ليست «نكبةُ فلسطين»، كما اصطُلِح على تسمية تاريخ اقتلاع أبناء شعبنا في فلسطين من أرضهم وتشريدهم إلى كلّ أصقاع الدنيا، أسطورة تروي حادثة وقعت في زمان غابر ولا ذكرى نبكي على أطلالها في هذا اليوم من كلّ عام، بل هي قضية حقّ لا يموت وإرادة لا تنكسر. هي صراع بين الخير والشر، وحكاية عين أقوى من المخرز.

اثنان وسبعون عاماً مرّت على اغتصاب فلسطين ولا يزال أطول استعمار في تاريخنا الحديث جرح الأمة النازف، فما أكثر ضجيج المواقف والحناجر الصارخة دفاعاً عن فلسطين من أنظمة الرجعيّة العربيّة وما أقلّ الحجيج حول أسوارها ومقدّساتها ذوداً عن حماها، وها هي تلك الأنظمة ترفضّ من حولها تباعاً مهرولة نحو  الجزار الصهيوني المغتصب تدليساً وتطبيعاً، لتصبح أخطر على فلسطين من دولة الاحتلال نفسها.

«إنّ معركتنا مع اليهودية العالمية وحلفائها في العالم ليست نزاعاً سياسياً عابراً؛ إنها صراع وجوديّ مصيريّ مستمرّ إلى أن تسحق إحدى القوتين الأخرى»، قالها الزعيم المؤسّس أنطون سعاده في عشرينيات القرن الماضي، محذّراً من الحركة الصهيونية التي رأى أنها «ليست حركة استعمارية تقليدية تستهدف سيطرة عسكريةسياسية بدافع اقتصادي على شعب معيّن وأرضه وموارده. إنها بالنسبة لنا حركة استيطانية توسّعية ترمي إلى اقتلاع شعبنا من أرضه لحلول المستوطنين اليهود محلّهم وتغيير هوية الوطن بالاستيطان. وما الشعار الذي ترفعه دولة الاغتصاب على باب الكنيست «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، سوى تعبير عن خطتها ونهجها وعملها الدائم لتحقيق هذا الحلم»، وهو الذي وعى باكراً الخطر اليهودي على الأمة. كما استشرف سعاده أطماع الوهّابية السعودية في أمتنا السورية، محذّراً من التبعية السعودية للولايات المتحدة ومخطّطاتهما المشبوهة تجاه فلسطين، وها هي السعودية اليوم تستكمل دورها وتقود مسيرة التطبيع مع العدو وتتبنّى «صفقة القرن» الصهيونية الأميركية.

بعد اثنين وسبعين عاماً سقطت خلالها أوهام بعض العرب الحالمين بـ»السلام» المزعوم في ترويض الوحش الصهيوني وسقطت معها جامعتهم، بل مفرِّقتهم العربية،  نتوقف ملياً عند ما اختتم به المعلم سعاده مقاله «العروبة أفلست» الذي نشرته جريدة «كلّ شيء» قبل أشهر من اغتياله، حيث كتب: «في فلسطين ودّعت الأمة السورية العروبة الوهمية، العاجزة، الاتكالية وداعاً فاجعاً لتلبّي دعوة الحركة القومية الاجتماعية إلى قوميّتها الحقيقية ولترى بعين حقيقتها هي واقع العالم العربي، فتنهض بقضيتها السورية فتجد في قواها التي أهملتها زمناً طويلاً معيناً للنشاط لا ينضب ودافعاً إلى التقدم لا يصدّه شيء. بهذا الاتجاه تصير الأمة السورية قوة فاعلة في العروبة الواقعية التي أعلنتها ـ عروبة التعاون بين أمم العالم العربي»….

ما أشبه الأمس باليوم يا زعيمي ومعلمي، وها نحن نقف مع فلسطين في وداع العروبة الوهميّة إلى مثواها الأخير.

*عضو مجلس النواب الأردنيّ.

رئيس لجنة الأخوّة البرلمانية الأردنية

مع العراق وفلسطين وسورية ولبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى