أولى

هل يفعلها نتنياهو ومجانينه

‭}‬ د. عصام نعمان*
أكد بنيامين نتنياهو “انّ الحرب ستستمر حتى القضاء على حماس وحتى النصر”. لم يحدّد رئيس حكومة العدو معنى “القضاء على حماس”. هل هو محاولة القضاء على يحيى السنوار ومحمد ضيف أم الاكتفاء بما حققه حتى الآن من تدميرٍ لآلاف المنازل والمستشفيات والمساجد والكنائس والمرافق العامة وتهجير أكثر من مليون وتسعمئة الف من الفلسطينيين المقيمين في شمال قطاع غزة الى جنوبه؟
الرئيس الأميركي جو بايدن اعترف بأنه “لا يمكننا أن نتوقع التوصل الى اتفاقٍ في هذه المرحلة، لكننا نواصل الضغط”.
إذا كان بايدن يضغط حقاً فإنّ وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يضغط أكثر منه. ويبدو أنّ نتنياهو يتقبّل ضغط بن غفير ويتجاهل ضغط بايدن. لماذا؟ لأن بن غفير وأربعة وزراء آخرين في الحكومة اليمينية المتطرفة أعلن جهاراً نهاراً أنه إذا أوقف رئيس الحكومة الهجوم البري على قطاع غزة فإنهم سوف يستقيلون فتسقط الحكومة. سقوط الحكومة يعني عملياً انتهاء حياة نتنياهو السياسية إذ سيضطر صاغراً الى المثول أمام المحكمة حيث من المرجّح أن يُحكم عليه بالسجن مدةً طويلةً عقاباً له على ارتكاب جرائم الارتشاء والسطو على المال العام.
بايدن “يتفهّم” قلق نتنياهو، لكنه يعي أيضاً أنّ إخفاقه في “سحق” حماس يعني تهديد مصالح “إسرائيل”، وأميركا خاصةً، في غرب آسيا وضرب نفوذهما عموماً وفي دول المشرق العربي خصوصاً. لذلك يكتفي بالضغط من أجل إقرار هدنة إنسانية لمدة محدودة من الزمن. لكن سعيه هذا يصطدم أيضاً بشرطٍ صارم أطلقته حماس: لا بحث في تبادل إطلاق أسرى بين الجانبين إلاّ بعد وقف إطلاق النار بصورة نهائيّة.
لنفترض أن نتنياهو وافق على هدنة إنسانيه لمدة محدودة مقابل تبادل عدد متفق عليه من الأسرى لدى الجانبين، فهل تتراجع حماس وحلفاؤها عن مطلبهم وقف القتال نهائياً كشرطٍ لتبادل الأسرى؟
أرى أنّ حماس لن ترضى وستصّر على شرطها الصارم، فكيف تراه يكون المخرج؟
الواقع أنّ نتنياهو لن يُوقف الحرب ليس كرمى لبن غفير بل لثلاثة أمور أكثر أهمية في نظره:
أولها، إعادة سكان المستعمرات الصهيونية في منطقة الجليل الأعلى، شمال فلسطين، الى منازلهم المهجورة، وهو أمر يتطلّب في رأيه دفع حزب الله بعيداً عن الحدود الفلسطينية – اللبنانية الى شمال نهر الليطاني. لكن حزب الله سيحارب بضراوة ولن يتزحزح متراً واحداً عن مواقفه الحالية بل سيتمكّن، بحسب اللواء الإسرائيلي في الإحتياط إسحق بريك، من تدمير “غوش دان”، وهو السهل الساحلي الضيّق الممتدّ بين حيفا وتل أبيب حيث يحتشد نحو أربعين في المئة من “إسرائيل” سكاناً وعمراناً وصناعةً وبنى تحتية ومطارات وموانئ وقواعد عسكرية كبرى.
ثانيها، توسيع الاستيطان في الضفة الغربية وتهجير سكانها الى الأردن وصولاً الى ضمّها لكيان الاحتلال. لكن الشعب الفلسطيني الثائر في الضفة الغربية كما فصائل المقاومة المتغلغلة في جميع المخيمات قادران جميعاً بالتأكيد على مقاتلة جيش الاحتلال ببسالة واقتدار والحؤول تالياً دون تمكين نتنياهو من تحقيق مخططه ولو اقتضى الأمر أن يدفعا ثمناً باهظاً لمقاومته قد لا يقلّ عمّا دفعه ويدفعه سكان قطاع غزة وفصائل المقاومة الفلسطينية الناشطة فيه.
ثالثها، ما يبقى لدى نتنياهو وجنرالاته المجانين خيار آخر بل مجازفة بالغة الخطورة هي أن يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع في إيران تحتضن مراكز ومفاعل وأجهزة لبرنامجها النووي وذلك بسلاح نووي تكتيكي شديد التدمير، لكنه أقلّ فعالية من السلاح النووي الاستراتيجي. كلّ ذلك لمنعها من التطور من دولة على عتبة تصنيع سلاح نووي، كما تردّد الصحافة العبرية، الى دولة نووية كاملة تستطيع تصنيع أفتك الأسلحة النووية الاستراتيجية، أي هائلة او بالغة القدرة التدميرية الشاملة.
لعلّ نتنياهو يعتقد أنّ إيران لن تجازف بالردّ على “إسرائيل” بصواريخها البالستية بعيدة المدى التي تحمل رؤوساً ثقيلـة متفجرة بالغـة الفعالية، وذلك تفادياً ــ في ظنّه ــ لقيام “اسرائيل” باستخدام أسلحة نووية استراتيجية من شأنها إلحاق تدمير واسع وشديد بكلّ مرافق إيران الحيوية. الى ذلك، يأمل نتنياهو بأن تُضطر الولايات المتحدة للتدخل الى جانب “إسرائيل” اذا ما حاولت إيران الردّ على الضربة الصهيونية النووية بأسلحة ثقيلة قادرة على ان تُلحق بدولة الاحتلال أضراراً اكيدة وواسعة.
يستفظع ويستبعد كثير من المحللين العسكريين سيناريو نتنياهو هذا الذي يبدو خيالياً. لكن محلّلين سياسيين وعسكريين آخرين لا يستبعدونه لسبب موضوعي ساطع هو أننا جميعاً، في مشهدية الصراع المحتدم، أمام حكومةٍ إسرائيلية تضمّ مجموعةً من المجانين قولاً وفعلاً يقودها رجل لن يتورّع عن فعل أيّ شيء لتفادي فشله في حرب الإبادة التي يشنّها على الشعب الفلسطيني برمّته بل على كلّ من يمدّ له يد المساعدة والدعم ما يستتبع، بعد فشله، محاكمته وإنهاء حياته السياسية سجيناً مرذولاً في كيانه المقيت.
صحيح أنّ الولايات المتحدة تتبنّى بعضاً من أهداف نتنياهو الجنونيّة في قطاع غزة، ولولا دعمها المكشوف لما تمكّن هو وجيشه من إنجاز هذه المجازر والمحارق الكارثية الهائلة، لكن عدداً من عقلاء الدولة الأميركية العميقة وقف وسيقف على الأرجح حائلاً دون قيام نتنياهو ومجانينه باقتراف هذه الجريمة التاريخية، لا حباً بالفلسطينيين والإيرانيين وحلفائهم إنما حرصاً على مصالح الولايات المتحدة في عالم العرب وعالم المسلمين والعالم الأوسع، ومستقبل دورها ونفوذها في القرن الحادي والعشرين.
قيل: الجنون فنون. عسى أن يكون في أميركا وأوروبا من العقلاء ما يكفي للجم مجانين “إسرائيل” ومنعهم من تنفيذ فنون جنونهم الوحشيّ شبه الخياليّ.

*نائب ووزير سابق.
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى