الوطن

أحزاب «الثورة» تكشف عن أهدافها الخفيّة…

 

محمد حمية

منذُ اندلاع أحداث 17 تشرين العام الماضي أو ما عُرف بـ «الثورة»، توحّد اللبنانيون في الأسبوع الأول حول عناوين حياتية اجتماعية رغم بعض الشعارات السياسية التي أُطلِقت من بعض ساحات الحراك. لكن سرعان ما طغت في الأسبوع الثاني المطالب السياسية وتمحورت حول اسقاط النظام ورئيس الجمهورية والمجلس النيابي ورئيسه ما دفع بجمهور المقاومة ومعظم حلفائها للخروج من الساحات بعد توترات شهدتها، وذلك للحؤول دون وقوع فتنة اجتماعية وطائفية ومذهبية كما قالت قيادات المقاومة حينها.

وآنذاك انقسم اللبنانيون في النظرة الى هذه التحركات الشعبية، فمنهم من رأى فيها مخططاً خارجياً لضرب ما تبقى من دولة في لبنان وتعميم الفوضى والفتن بين فئات الشعب لاستدراج سلاح حزب الله الى صراع داخلي لطالما حاولت قوى خارجية وداخلية على ذلك منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري 2005 الى الآن وفشلت. في المقابل نظر إليه فريق سياسي كأحزاب القوات والكتائب والاشتراكي وبعض أجنحة تيار المستقبل، «ثورة» على السلطة الفاسدة مؤيدين العناوين التي رفعتها ساحات الحراك. لكن حتى ذلك الحين بقيت أهداف قادة ومحرّكي «الثورة» مخفية غير معلنة.

وفي تلك المرحلة رفضت مجموعات من الحراك من بينها التي تدور في فلك الأحزاب اليسارية، كل الاتهامات بأنها تعمل وفق أجندة خارجية مستغلة الظروف الاقتصادية والاجتماعية للنيل من سلاح المقاومة، واعتبرت أن مطالبها اجتماعية فقط لا سياسية وتتعلّق بحقوق كل الشعب اللبناني ووصفوا «الثورة» حينها بأنها أول «ثورة» توحّد الشعب اللبناني وعبارة للطوائف والمذاهب.

أما وقد مرَّت شهور عدة على أحداث تشرين الأول، فقد كشفت التطورات المتلاحقة منذ استقالة الرئيس سعد الحريري حتى تأليف حكومة الرئيس حسان دياب وما رافقها من كلام طائفي ومذهبي وأعمال عنف واعتداءات، أن قيادة هذه «الانتفاضة» تنتمي الى أحزاب سياسية استثمرت في الحشود المئوية التي اجتاحت الساحات وحرفتها عن مسارها وتحكمت بوجهتها وشعاراتها الى أن انقسم الحراك الى مجموعات وساحات لكل منها توجهاتها وعناوينها حتى تشكلت حكومة الرئيس دياب وتراجع الحضور في الساحات وانحسر في مناطق محسوبة على أحزاب سياسية تسمى 14 آذار.

ومع هدوء سجله الشارع خلال فترة التعبئة العامة في مواجهة وباء كورونا، عاد تحريك الشارع اليوم بشعار ظاهري «نزع سلاح حزب الله كطريق الى الإصلاح ومكافحة الفساد»! وبأن هذا السلاح يحمي الفساد والفاسدين كما زعم بعض المتظاهرين، ليتكشف الهدف الحقيقي للقوى التي ركبت موجة الحراك منذ 17 تشرين وهو سلاح المقاومة.

واللافت للانتباه هو أن الخريطة الجغرافية لحركة التظاهر تدل بوضوح على الهوية الحزبية والسياسية للمتظاهرين من تيار المستقبل وأحزاب القوات والكتائب والاشتراكي؛ والمثير أكثر أن هؤلاء جميعاً في صفوف المعارضة ويوحّدهم مطلب إسقاط حكومة دياب وكانوا ومازالوا يدعون الى نزع أو أقله تقييد حركة سلاح حزب الله!

فهل هذا كله محض صدفة؟

لم تكن العودة الى تحريك الشارع منفصلة عن سلسلة أحداث ومواقف تزامنت خلال الأسابيع القليلة الماضية: إثارة ملف التهريب على الحدود اللبنانية السورية وتحميل حزب الله المسؤولية والدعوات الخارجية والداخلية العلنية من القوات والكتائب لتعديل القرار 1701 وتوسيع صلاحية اليونيفيل الى الحدود السورية، الاشتباكات المفتعلة بين قوات «اليونيفل» في الجنوب وأهالي بعض القرى التي تخفي مشروع تعديل قواعد عمل «اليونيفل» ومنحها صلاحيات أوسع تشمل مداهمة منازل وحقول وتفتيشها وتوقيف مدنيين، وذلك لتقييد الحركة العسكرية والأمنية للمقاومة إن في الجنوب أو على الحدود مع سورية ما يصبّ في مصلحة أمن الكيان الاسرائيلي.

وترى مصادر نيابية في فريق المقاومة بداية مشروع أميركي لتسخين الجبهة الداخلية اللبنانية خلال الشهور المقبلة ومزيد من الإجراءات والعقوبات ضد حزب الله لإرضاء «اسرائيل» قبيل الانتخابات الأميركية لكسب أصوات اليهود الاميركيين. ولفتت لـ»البناء» الى أن المرحلة المقبلة دقيقة وخطيرة، منبّهة بعض الأصوات الحزبية الداخلية الى خطورة الدعوة لنزع سلاح المقاومة في ظل هذه الظروف التي يواجهها لبنان، داعية الى وضع الملفات الخلافية السياسية جانباً والتكاتف والالتفاف حول الحكومة لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي.

وفيما تربط مصادر متابعة بين افتعال المتظاهرين اشكالاً في عين التينة مع حرس مقر الرئاسة الثانية وعلى طريق القصر الجمهوري في أقل من 48 ساعة، كشفت معلومات أمنية لـ»البناء» عن استعدادات لوجستية لمجموعات من الحراك في بعض المناطق لتنفيذ تظاهرات واعتصامات وقطع طرقات عامة رئيسيّة خلال الأيام القليلة المقبلة.

والمصادفة أن تلك الأحداث تزامنت مع بدء التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، ما يثير التساؤل: هل يندرج مسلسل هذه الاحداث المفتعلة في إطار حشد أدوات الضغط الأميركية في عملية المفاوضات المالية لتحصيل مكاسب وشروط أميركية إسرائيلية قديمة جديدة؟ وما كلام الدبلوماسي الاميركي ديفيد شينكر بأن لبنان سيخضع لوصاية صندوق النقد إلا دليل على ذلك!

وتُظهِر المعطيات وترابط الأحداث أن الهدف هو تصعيد الضغط ضد حزب الله بموازاة التفاوض مع صندوق النقد لدفع الحزب بقوة الحصار والعقوبات وضغط التحركات الشعبية للقبول بشروط الصندوق المالية والسياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالحدود البحرية، لافتراض واشنطن عدم ممانعة حزب الله على التفاوض الحكومي مع صندوق النقد هو تنازل قد يجرّ تنازلات اضافية تحت وطأة الأزمات المعيشية وخطر الإفلاس.

 وفي هذا السياق ترسم مصادر متابعة علامات استفهام حول توقف شركة «توتال» الفرنسية أعمال الحفر في البلوك النفطي رقم 4 قبالة ساحل البترون والتقييم الضبابي الذي خرجت به إدارة الشركة، متسائلة: هل هناك جهات خارجية ضغطت لتجميد العمل في «البلوك» بحجة عدم وجود نفط وغاز كي يضطر لبنان وتحت الحاجة المالية والأزمات والضغط الشعبي للطلب من الشركات نقل الحفر الى «البلوكين» رقم 8 و9 على الحدود مع فلسطين المحتلة؟ وبهذه الطريقة يصبح لبنان ملزماً التفاوض غير المباشر مع «إسرائيل» لترسيم الحدود وبالتالي التنازل عن 360 كيلومتراً مربعاً من حقه في المنطقة المتنازع عليها في المياه الإقليمية اللبنانية؟

وكشف معلومات «البناء» أن مسؤولين دبلوماسيين أميركيين يعرضون بشكل مستمر على الحكومة اللبنانية وساطة بلادهم لإعادة إحياء ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة

ولا بد من الاشارة الى تزامن كل الوقائع والمعطيات والHحداث مع قانون العقوبات الاميركي الجديد “قيصر” المزمع فرضه على سورية ويطال بشكل أو بآخر حزب الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى