مانشيت

البيت الأبيض لتشديد القبضة الأمنيّة بوجه حركة الاحتجاج… ومزيد من العنف في الشوارع / ارتباك حكومي تحت وطأة العقوبات الجديدة على سورية… وخسائر لبنان 10 مليارات $ / البرود السياسيّ الرئاسيّ يطال مكوّنات الحكومة والنتيجة مزيد من تأجيل الملفات /

كتب المحرّر السياسيّ

خلافاً للانطباع السائد في لبنان حول الموقف الأميركي، حيث الصورة الانطباعية محكومة بوطأة قانون العقوبات الجديدة على سورية التي دخلت أمس، حيز التنفيذ، يتابع العالم الصورة الأميركية عبر شاشات التلفزية، حيث تبدو الإدارة الأميركية أمام عجز تام في التعامل مع حركة الاحتجاج التي تجتاح الشوارع الأميركية وتزداد عنفاً وشمولاً، وحيث قرار البيت الأبيض الزجّ بالمزيد من عناصر الحرس الوطني في مواجهة المحتجين، يزيد العنف ويرفع وتيرة التصعيد، بغياب تامٍ لمساعي التفاوض مع المتحجين والبحث عن حلول تلبي مطالبهم، وفي طليعتها علاج جذري لقضايا التمييز العنصري، وتبدو الأزمة مفتوحة على المزيد من التصعيد السياسي والشعبي، فيما يقف منافسو الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضفة المستفيدين من الأزمة، بنزولهم إلى الشارع وتأييدهم مطالب الاحتجاجات.

في سورية حيث الاستهداف الأميركي للعقوبات الجديدة، لا شيء يوحي بأن البلد الخاضع لأنواع عديدة من العقوبات خلال أربعة عقود مضت، يولي اهتماماً لغير التركيز على مزيد من الاكتفاء الذاتي الغذائي والاستهلاكي، والمزيد من التبادل المتعدد الأشكال مع الحلفاء والأصدقاء، خصوصاً روسيا والصين وإيران، فيما كان الرد الروسي على العقوبات سريعاً وواضحاً، فروسيا التي يستهدفها قانون العقوبات الجديد، للتأثير على دورها في رعاية الحل السياسي في سورية، والقانون قابل للتعليق على إيقاع تقدم العملية السياسية بصورة يراها الرئيس الأميركي مرضية، أعلنت بلسان الرئيس فلايديمير بوتين عن تفويض وزيري الدفاع والخارجية التفاوض مع الحكومة السورية على توسيع الدور الروسي في سورية، كإشارة إلى عدم اكتراث روسي بالعقوبات.

في لبنان بدت الحكومة مرتبكة في الشكل والمضمون، حيث شكّل التداول بقانون العقوبات الأميركية بطريقة غير مدروسة ولا تراعي أصول الممارسة السيادية إلى تلقي الحكومة الكثير من الانتقادات التي استدعت بياناً توضيحياً من رئاسة الحكومة، أشار إلى دراسة آثار القانون على لبنان وكيفية التعامل معه، بينما تحدثت مصادر سياسية متابعة عن ارتباك حكومي تجاه كيفية التعامل مع هذه العقوبات. فالخطة الحكومية القائمة على ثنائية التوجه نحو صندوق النقد الدولي وتعزيز الإنتاج، تحتاج عدم إغضاب واشنطن كمرجع وازن في صياغة توجهات صندوق النقد، وتسريع الانفتاح على سورية، كممر إلزامي للمنتجات اللبنانية نحو أسواق الخليج والعراق. والحكومة مرتبكة في كيفية التوفيق بين المسارين، وهي تدرك أن اختيار أحدهما قد يفقدها الآخر كلياً، وتصير بين ناري الاعتماد على الإمكانات الذاتية من دون دعم الصندوق، أو الاعتماد الكلي على الصندوق من دون الرهان على فرص نهوض اقتصادي، وكل من الخيارين بدون الثاني لا يكفي لمواجهة التحديات، بينما قدرت مصادر مالية خسائر لبنان في حال الالتزام بالعقوبات الأميركية على سورية بـ 10 مليارات دولار سنوياً، سواء في ملف استجرار النفط العراقي، أو في تجارة الترانزيت على العراق، أو في حجم الأسواق التي يوفرها العراق والخليج لبضائع لبنانية زراعية وصناعية سيخسرها حكماً ويخسر معها فرص نمو قطاعاته الإنتاجية. وهذه الخسائر يحق له المطالبة بها كتعويض سنوي إذا طلبت واشنطن منه الالتزام بهذه العقوبات.

سياسياً، يبدو البرود السياسي الرئاسي مهيمنا على العلاقات التي تؤثر على المسار الحكومي، حيث المكونات التي تتشكل منها الحكومة تبدو تحت تأثير منخفض سياسي شديد البرودة، سواء بتأثير مناقشات قانون العفو في المجلس النيابي، أو بتأثيرات مناقشة ملف الكهرباء في الحكومة، وتبدو التعيينات وملفات كثيرة تنتظر التوافق للسير بها على رفوف الانتظار مصيرها المزيد من التأجيل تفادياً للمزيد من التشنجات والتوترات، بحيث يبدو المشهد الحكومي هشاً، بعد فقدان الزخم الذي منحته إياه صورة المواجهة مع كورونا.

وفي غمرة ازدحام الملفات الداخلية وتفاعل الأزمات المعيشية والاقتصادية وتأجيج الخلافات السياسية حول عناوين أساسية، تصدّر قانون العقوبات الأميركية الجديدة على سورية (قيصر) الذي دخل حيز التنفيذ أمس، واجهة المشهد الداخلي، وسط ترقب تداعياته ومفاعيله السياسية والاقتصادية والمالية على لبنان نظراً للترابط الجغرافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي بين لبنان وسورية.

ولفت خبراء اقتصاديون لـ»البناء» الى أن «قانون العقوبات الجديدة على سورية سيفرض على لبنان نوعاً من الحذر في التعامل مع الدولة السورية ومؤسساتها رغم محدودية التبادل الشرعي بين لبنان وسورية حالياً، وبالتالي إن كل تعاون وتبادل بين لبنان وسورية سيوضع في خانة دعم الارهاب بنظر الولايات المتحدة وبالتالي يشكل خطورة على الوضع الاقتصادي اللبناني لا سيما وأن سورية تزود لبنان بالكهرباء الى جانب أن العمق السوري الاقتصادي يشكل خياراً أساسياً للبنان لتخفيف حجم أزماته».

أما الأنظار فانصبت على كيفية تعامل الحكومة اللبنانية مع كرة نار «قيصر» الملتهبة وهي التي تئِن من وطأة الأزمات والملفات وضغط شعبي في الشارع وتتعرّض يومياً لوابل من الهجمات السياسية من أحزاب وقوى سياسية كانت المسؤولة الأساسية عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية وسلّمت حكومة الرئيس حسان دياب لبنان على شفير الانهيار لا سيما تيار المستقبل والحزب الاشتراكي. فيما توقعت مصادر نيابية أن يتحول هذا الأمر الى عنوان خلافي جديد بين القوى السياسية، مشيرة لـ«البناء» الى أن «لبنان لا يمكن أن يتبنى أو يتماهى أو يطبق القانون مع دولة جارة وشقيقة تربطه بها علاقات تاريخية وترابط اقتصادي لا سيما في ظل الأزمات الخانقة».

وفيما وجِهت اتهامات للحكومة بتبنيها قانون قيصر وتوزيع نسخ منه على الوزراء خلال جلسة مجلس الوزراء، أعلن المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء في بيان «أن الحكومة بصدد دراسة تأثير هذا القانون على لبنان، والهوامش التي يمكن للحكومة العمل فيها من دون حصول ارتدادات سلبية على البلد. ولم يحصل أي التزام أو نقاش أو تبنٍّ لهذا القانون في جلسة مجلس الوزراء».

وتشير أجواء مرجع سياسي رفيع لـ«البناء» الى أن «تداعيات قانون العقوبات الاميركي الجديد على لبنان وسورية ستكون خطيرة على لبنان وهو الملتزم بقضايا المنطقة لجهة التمسك بثوابته ونحن كلبنانيين نحتاج الى قراءة هذا القانون بتمعن وبخاصة أن الأميركيين لم يخفوا أن العقوبات ستطال بعض الشخصيّات الداعمة للمقاومة أو لسورية».

أما السؤال المطروح فهو ما سرّ هذا التزامن بين استحضار قانون العقوبات الجديد ووضعه موضع التنفيذ وبين إعلان نيات قيادات لبنانية ورئيس الجمهورية عن الانفتاح الاقتصادي على سورية وعزم عدد من الوزراء في الحكومة الحالية زيارة دمشق لبحث سبل التعاون بين البلدين، وذلك بعد ورود إشارات إيجابية من السلطات السورية تجاه الانفتاح على لبنان والتي نقلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للمسؤولين اللبنانيين عقب زيارته الأخيرة الى سورية؟ وهل هذا القانون أداة جديدة لتعطيل الانفتاح الاقتصادي المتبادل بين لبنان وسورية الذي من الممكن أن يساهم في التخفيف من حجم الأزمات الاقتصادية للبلدين لا سيما بعد الحديث العراقي عن إنشاء سوق مشتركة عراقية سورية لبنانية؟ كما تأتي العقوبات الجديدة الهادفة الى حصار سورية ولبنان تزامناً مع المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي ما يعني تضييق الخناق على لبنان وإسقاط خيار الانفتاح على سورية ليأتي لبنان خاضعاً لشروط الصندوق كخيار أخير ووحيد للإنقاذ.

وأشارت مصادر في فريق المقاومة لـ«البناء» الى أن «اعلان السفيرة الأميركية في لبنان عن عقوبات جديدة ستفرضها بلادها على لبنان وسورية يشكل انخراطاً إضافياً في لعبة العصا والجزره التي يخوضها الاميركي على أكثر من جبهة وملف مطروح في البلد داخلي وإقليمي». وأكثر ما يلفت بحسب المصادر هو «مكان المقابلة والتلويح المستمر بعقوبات ابتزازية كتلك التي جرى التلويح بها لتمرير قضية تهريب العميل الفاخوري، ونفس هذا الابتزاز يُمارس على الرئيس حسان دياب وحكومته سواء ربطاً بـ«قيصر» وسورية او ربطاً بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، علماً ان التدخل الاميركي مستمر بقوة في موضوع التعيينات المالية وبعض الخطوط الحمر لا زالت قائمة، والعنوان الاساسي للمواجهة يمكن استبيانه من مقابلتيْ الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله والسفيرة الأميركية في لبنان ويبدو ان محور المواجهه المقبلة هو كل ما يرتبط بالعلاقات اللبنانية السورية».

وفيما يكثر الحديث عن ضغوط خارجية تُمارس على الحكومة لتعديل القرار 1701 وتوسيع صلاحية القوات الدولية في الجنوب (اليونيفل) وموافقة حزب الله تحت ضغط العقوبات والأزمات، ذكرت المصادر المذكورة «أنه عن في ذروة حرب تموز 2006 جرى تمديد العدوان الإسرائيلي من الجمعة حتى الأحد في آخر ثلاثة أيام لمحاولة تحصيل ما يحاولون إعادة تحصيله الآن وبمفعول رجعي وقد سعوا الى ذلك على مدى أربعة عشر عاماً من دون كلل أو ملل وفشلوا في ذلك، واذا اعتمدنا ما قاله السيد نصر الله في مقابلته على إذاعة النور وكان استباقياً ورسالة بالبريد المضمون للداخل والخارج، للحكومة كما للقوى الداخلية وكذلك للأميركي والاسرائيلي وخاصةً الاوروبي المعني الأول بأمن اليونيفيل وأمانه، وفحواها ان الحزب لن يساوم على المعادلات الاستراتيجية التي فرضتها حرب تموز وكذلك على المعادلات الواقعية التي جعلت الحزب يتعايش مع القرار 1701 وفق المعايير والظروف التي جعلت لبنان والحزب في الموقع الذي يرسم خطوطاً حمراء تفصل بين ما يمكن المساكنة معه وما هو مرفوض بالمطلق في هذا السياق».

الى ذلك استمرت المفاوضات بين الوفد اللبناني ووفد صنودق النقد الدولي عبر تقنية «الفيديو»، وعلمت «البناء» أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يلعب دوراً محورياً مع كل من الوفد الحكومي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجميعة المصارف لتوحيد الرؤى والموقف والأرقام، وهذا كان محور لقاء الرئيس بري أمس مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير. وتشير المعلومات الى أن «تقدم إيجابي تحقق على هذا الصعيد سيترجم في المفاوضات، موضحة أن صندوق النقد لا زال يلعب دور المستمع والمستجوب والمحقق والمفاوضات تحتاج الى وقت ولا زلنا في بداية الطريق وممكن أن تصل الى نتيجة لكن ليس قبل 5 شهور»، واضافت أنه من السابق لأوانه الحكم على نتيجة المفاوضات متخوفة من دخول العامل السياسي والاعتبارات الخارجية للتأثير على سير المفاوضات لا سيما قانون العقوبات الأميركي الجديد.

وأشار الخبير المالي والاقتصادي د. وليد أبو سليمان الى «تعدد القراءات بين أعضاء الوفد اللبناني الذي يعكس المصالح الشخصية والكيديات السياسية»، ولفت لـ»البناء» الى أن «كل جهة من هؤلاء تنظر الى أرقام الخسائر من منظارها، لكن في نهاية المطاف الخسائر هي ودائع اللبنانيين المقومة بالدولار، وهي التي مولت الدولة ومصرف لبنان الذي تبلغ خسائره حوالي 80 ملياراً».

واضاف أبو سليمان: «ليس بالضرورة أن تكون أرقام الحكومة هي الصحيحة، فهناك معركة أرقام، الحكومة تقول إن الخسائر ناتجة عن القروض المتعثرة للمصارف وعن تعثر مصرف لبنان 80 مليار دولار وتعترف الحكومة أن الدولة تعثرت لكن الضحية في النهاية هو المودع».

أما على صعيد سعر صرف الدولار بعد فك إضراب الصرافين، أوضح ابو سليمان أن «الصرافين سيحلون بطبيعة الحال مكان السوق السوداء وسيعملون على خفض سعر الصرف تدريجياً الى 4000 ليرة وعندما يتحكمون بالسوق بعد انشاء المنصة الالكترونية سيلتزمون بالسعر الذي حدده مصرف لبنان أي 3200 ليرة لكن ذلك يحتاج الى وقت نتيجة شح الدولار في الاسواق التي تحتاج الى ضخ 10 مليارات دولار على الاقل لانعاش الاقتصاد».

وفيما تضاربت الأنباء حول وجود أزمة محروقات، برزت أزمة الخبز من جديد، حيث اعتصم عدد من أصحاب الأفران أمام وزارة الاقتصاد احتجاجاً على «عدم قدرتهم على الاستمرار في إنتاج الخبز بسبب الأكلاف الباهظة التي يتحمّلونها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة». وزار وفد من المعتصمين وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه، وتم البحث في كلفة الرغيف، ووعد الوزير بدرس الموضوع.

وباشر النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم تحقيقاته مع عدد من المتعهدين والمقاولين الذين ينفذون أعمالاً عائدة للدولة في إطار التعاقد واستمع الى المقاول جهاد العرب في ملف مطمر الكوستا برافا. وسيواصل القاضي إبراهيم الإستماع الى عدد من المقاولين تباعاً.

على صعيد آخر، وقعت وزيرة العدل ماري كلود نجم التشكيلات القضائية بعد أشهر من احالتها اليها من قبل مجلس القضاء الاعلى. وقد غردت على «تويتر» بالقول: «وقعت مرسوم التشكيلات القضائية بالرغم من ملاحظاتي التي أتمسك بها، والآن أهم من التشكيلات القضائية هو قانون استقلالية القضاء». ونقل زوار بعبدا عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قوله ان لبنان ليس متروكاً من المجتمع الدولي الذي يولي اهتماما بمساعدتنا على النهوض سواء من خلال المفاوضات الجارية مع صندوق النقد التي تبشر بالتفاؤل او من خلال اللقاءات مع السفراء الاجانب وخصوصاً الدول الكبرى. ولفتوا الى ان «الرئيس عون اكد حسن العلاقات بين الرئاستين الاولى والثانية والتي ستجد ترجمة لها عما قريب في فتح الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي بعد الانتهاء من الاتصالات والمشاورات القائمة، لتوفير صيغة توافقية لقانون العفو ومن ثم سبل استكمال تطبيق اتفاق الطائف، كالمباشرة في مفاوضات لإنشاء مجلس الشيوخ وسواه من البنود التي تمهد لقيام الدولة المدنية. واشارت في مجال آخر الى ان الرئيس عون مع تأييده لحق التظاهر والتعبير عن الرأي، لن يسمح بإقفال الطرقات إطلاقاً وهو طلب من المعنيين التشدد في الموضوع وتالياً تطبيق القانون».

ويعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة في السرايا الحكومية في غياب بند التعيينات عن جدول اعمالها، على أن تطرح في جلسة ثانية يعقدها الخميس في قصر بعبدا. وتوقعت مصادر «البناء» ان تؤجل التعيينات مرة أخرى الخميس لعدم التوافق حولها حتى الساعة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى