احتجاجات الولايات المتحدة مستمرّة رغم تلويح ترامب بالجيش
تواصلت الاحتجاجات والتظاهرات ضد العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة حتى وقت متأخر من ليل أمس، رغم المواجهات مع الشرطة وتهديدات الرئيس دونالد ترامب المصمم على إعادة فرض النظام ملوحاً بـ»استخدام الجيش».
وفي الأثناء، نفى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه «أمر شخصياً قوات الأمن، بتفريق المتظاهرين أمام البيت الأبيض مساء 1 حزيران خلال زيارته كنيسة تاريخية قرب المقر الرئاسي».
وصرح ترامب، في حديث لقناة «فوكس نيوز»، أمس: «عندما ذهبت إلى هناك لم أقل لأحد فرّقوهم، لم أكن أعرف من كان هناك».
كما نفى ترامب «استخدام عناصر قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع»، ليدحض بذلك صحة شهادات الكثير من المتظاهرين والإعلاميين الذين حضروا موقع الحادث.
واحتشد مساء 1 حزيران مئات المتظاهرين أمام البيت الأبيض خلال إلقاء ترامب كلمة بشأن الأوضاع في البلاد، وبعد ختامها توجه الرئيس برفقة وحدات كثيرة من قوات الأمن إلى كنيسة القديس يوحنا الأسقفية في ساحة لافوييت، بينما كانت الشرطة تفرق المتظاهرين باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، حسب تقارير متعددة من الموقع.
وأثار هذا الحادث موجة انتقادات جديدة إلى ترامب من قبل المحتجين وبعض المسؤولين، بينهم عمدة واشنطن، مورييل بوزير.
في حين لم يقدم تقييم استخباري أميركي أيّ أدلة على أن جماعات متطرّفة حرّضت على العنف والنهب خلال الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.
وقال مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي الأميركية إن «معظم أحداث العنف قادها انتهازيون استغلوا الحدث»، ما يتعارض مع اتهامات الرئيس دونالد ترامب الذي قال إن جماعات متطرفة تقف وراء النهب والعنف.
وأوضح التقييم، الذي أعدّته وحدة الاستخبارات والتحليل بالوزارة، أن «هناك أدلة تستند إلى مصدر مفتوح وإلى تقارير وزارة الأمن الداخلي تشير إلى أن حركة (أنتيفا) الفوضوية ربما تكون مشاركة في العنف»، وهي وجهة نظر عبرت عنها أيضاً بعض مراكز الشرطة المحلية.
ولم يقدم الجزء الذي اطلعت عليه وكالات إعلامية دليلاً محدداً على عنف يقوده المتطرفون، لكنه أشار إلى أن «أنصار فكرة تفوّق البيض يعملون على الإنترنت لتأجيج التوتر بين المحتجين وأجهزة إنفاذ القانون عن طريق الدعوة إلى ارتكاب أعمال عنف ضد كل من الطرفين». ومع ذلك، قالت الوثيقة إنه «لا توجد أدلة على أن أنصار فكرة تميز البيض كانوا يثيرون العنف في أي من الاحتجاجات».
وقال مسؤولان في وزارة العدل إنهما «لم يجدا أدلة تذكر تدعم هذا الزعم».
وكان وزير العدل وليام بار قال إن «العنف في منيابوليس وغيرها تحركه جماعات يسارية متطرفة»، مردداً فحوى تصريحات سبق أن أدلى بها ترامب.
وبعد عشرة أيام على مقتل جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة شرطي أبيض أوقفه، تتواصل موجة الاحتجاجات التاريخية من غير أن تتراجع.
وتحدّى المتظاهرون في نيويورك وفي لوس أنجليس حظر التجول حتى وقت متأخر من الليل، مع تسجيل عدد أقل من أعمال النهب والتخريب من الليالي السابقة.
وتظاهر ما لا يقل عن ستين ألف شخص بشكل سلمي أول أمس، تكريماً لذكرى جورج فلويد في هيوستن، المدينة التي نشأ فيها في ولاية تكساس وحيث سيوارى الثرى الأسبوع المقبل.
وقال رئيس بلدية المدينة سيلفستر تيرنر «نريد أن يعرفوا أن جورج لم يمت سدى».
وفي نيويورك، بعد تعرّض العديد من المتاجر الفاخرة على الجادة الخامسة الشهيرة للنهب مساء الإثنين، تم تقديم ساعة بداية حظر التجول الليلي إلى الساعة 20,00 وتمديده حتى الأحد.
وبعد تجاوز الوقت، استمرّ مئات المتظاهرين من السود والبيض على السواء بالاحتجاج سلمياً هاتفين «جورج فلويد، جورج فلويد» و»حياة السود تهم» (بلاك لايفز ماتر).
وقالت الممرّضة السوداء تازيانا غوردن البالغة من العمر 29 عاماً إن حظر التجول «أداة لمنع الناس من التظاهر وليس لاعتقال الذين يرتكبون جرائم».
وكتب رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو في تغريدة على تويتر مساء «الوضع هادئ جداً»، مضيفاً أن «حظر التجول مفيد بالتأكيد، لغاية الآن، وفق ما شاهدته في بروكلين ومانهاتن في الساعات الثلاث الماضية».
أما في مينيابوليس، مركز حركة الغضب حيث قتل فلويد، فكان الهدوء مخيماً. وقالت روكسي واشنطن، والدة ابنة جورج فلويد التي تبلغ ستة أعوام، باكية «أريد العدالة من أجله لأنه كان طيباً، مهما ظنّ الناس، كان شخصاً طيباً».
وأعلنت ولاية مينيسوتا أولى الخطوات العملية استجابةً لطلبات المحتجين مع فتح تحقيق حول شرطة مينيابوليس. وسينظر التحقيق في احتمال حصول «ممارسات تمييزية منتظمة» على مدى السنوات العشر الماضية، وفق تغريدة كتبها الحاكم تيم والتز.
وفي لوس أنجليس، ركع رئيس بلدية المدينة إريك غارسيتي مع شرطيين على ركبة واحدة، في الوضعية التي ترمز منذ 2016 إلى التنديد بعنف الشرطة ضد السود، وتذكر بالشرطي الذي قتل فلويد ضاغطاً بركبته على عنقه لحوالى تسع دقائق.
وفي المساء، تجمع المتظاهرون خارج مقر إقامته حيث تم توقيف نحو 200 شخص بعد رفضهم أوامر التفريق.
وفي واشنطن، تظاهر الآلاف وبينهم السناتورة الديموقراطية إليزابيث وارن بسلام إلى ما بعد بدء حظر التجول عند الساعة 19,00. وبث التلفزيون صوراً أظهرت إطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع، لكن الوضع بدا هادئًا بشكل عام.
وقالت المتظاهرة جادا والاس (18 عاماً) «تعبت من الشعور بالخوف من الشرطة وعدم نيل العدالة».
واستخدمت قوات الأمن الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين قرب البيت الأبيض، حتى يتمكن ترامب من التوجه مشياً إلى كنيسة عريقة قريبة من البيت الأبيض تعرضت لأعمال تخريب في اليوم السابق والتقاط صورة أمامها رافعاً كتاباً مقدساً، في خطوة ندّد بها قادة روحيون من البروتستانت والكاثوليك باعتبارها عملية إعلانية «بغيضة أخلاقياً».
وانتشرت الاضطرابات منذ أسبوع إلى أن عمت أكثر من مئة مدينة أميركية، مترافقة مع آلاف التوقيفات وعدد من القتلى. وكرّم ترامب مساء أول أمس، شرطياً سابقاً قتل في موقع كانت تجري فيه أعمال نهب في سانت لويس بولاية ميزوري.
وكتب ترامب على تويتر أن «العاصمة الأميركية (حيث تم توقيف أكثر من 300 متظاهر مساء الإثنين) كان المكان الأكثر أماناً في العالم الليل الماضي»، ماضياً في الخط الذي اعتمده منذ بداية الأزمة إذ يطرح نفسه كرئيس «النظام والقانون».
ومساء الإثنين، أعلن ترامب أنه أمر بنشر «آلاف الجنود المدججين بالسلاح» والشرطيين في واشنطن لوقف «أعمال الشغب والنهب».
كما دعا حكام الولايات إلى «السيطرة على الشوارع»، مهدداً في حال عدم حدوث ذلك بـ»إرسال الجيش».
فيما اعتبر البابا فرنسيس أمس، أن «أيّ شكل من أشكال العنصرية غير مقبول»، معلقاً على مقتل جورج فلويد، ومندداً في الوقت نفسه بـ»أعمال العنف خلال التظاهرات التي تلت».
ودعا إلى «الصلاة لراحة نفس جورج فلويد ولكل الذين قضوا بسبب خطيئة العنصرية».
كما واجهت الولايات المتحدة انتقادات غير معتادة من حلفائها، من بينهم ألمانيا وبريطانيا وأستراليا.
واعتبرت إيران، من جهتها، على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي، أن «وفاة جورج فلويد كشفت عن طبيعة أميركا وما فعلته دائماً مع العالم بأسره».
وفي مواجهة الاحتجاجات الجارية في ظل تفشي وباء كوفيد-19 الذي زاد من حدة التباين الاجتماعي والعرقي، بقي ترامب حتى الآن صامتاً حيال المشكلات التي يشكو منها المتظاهرون.
وقتل الرجل البالغ من العمر 46 عاماً اختناقاً في 25 أيار وهو يردد «لا يمكنني التنفس» وينادي والدته، مطروحاً أرضاً مكبّل اليدين، وشرطي يركع على عنقه لتثبيته بركبته، فيما زملاؤه الثلاثة الآخرون يراقبون المشهد من دون أن يتدخلوا.
وأكدت عمليتا تشريح أن «الوفاة نتجت عن الضغط على العنق».