ثقافة وفنون

وسام المصري… أول عازف أورغن في سورية يعزف اللحن الأجمل على الآلة الأصعب

} لورا محمود

يقال إن الشغف بأي شي تقوم به هو حالة غير قابلة للتفسير. فهل يعقل أن تسال شغوفاً عن شغفه. الشغف نوع من الصوت الداخلي العميق الذي يجاب بلا

مساءلة أو حاجة للتفسير، يكفي أن تصرّح عن كلمة «شغف»، لوصف شيء تقوم به بحب ويتكفّل ذلك بإسكات سائر الأسئلة المحتملة عن المعنى والمغزى والجدوى، وهنا يأخذنا الشغف إلى موهبة صقلت نفسها بإصرار. محارب وتواضع تلميذ يسعى لاكتساب أكبر قدر من المعرفة ليطوّر مهاراته ويضع في نهاية المطاف بصمته الخاصة في عالم ساحر برفقة آلة من أكثر الآلات الموسيقية ضخامة وتعقيداً لكنه يتماهى معها ليصبحا معاً مقطوعة عشق لحلم عاش معه طويلاً وحققه بالدراسة والتمرين لساعات طوال. فهو شغوف بما يفعل ومن يراه يعزف أو حتى في حياته العادية يلتمّس عشق الموسيقى الساكنة فيه لذا طور آلته لتصبح طائعة له فعمل على جعلها أول آلة أورغن متحركة بصناعة سورية بامتياز خصوصاً أنه أول طالب في المعهد العالي للموسيقى يعزف على هذه الآلة وسورية هي البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط التي يوجد فيها آلة الأورغن في مسرح عام يعرض للجمهور وذلك في دار الأوبرا.

«البناء» التقت عازف الأورغن وسام المصري وعادت اليكم بهذا الحديث.

ما هو الأورغن؟

آلة الأورغن هي عبارة عن آلة موسيقية تحتوي على أنابيب من المعدن والخشب ومضخة هواء. ازدهرت موسيقى الأورغن في عصر الباروك ما بين عامي 1600 – 1750  كانت تستخدم للموسيقى الدينية في الكنائس، يوجد بالأورغن عدة لوحات مفاتيح تختلف من آلة إلى أخرى فتتراوح بين لوحتين أو خمس لوحات مفاتيح حسب العصور التي مرت بها إضافة لهذه اللوحات توجد لوحة مفاتيح تسمى بالبدالات وتعزف بالأقدام أما الأنابيب المعدنية والخشبية فتختلف أقطارها وأطوالها من آلة إلى أخرى، ووظيفتها إخراج الصوت من فتحة في أسفل الأنبوب، وكل أنبوب يعطي انطباعاً لحنياً معيناً، وهناك ما يُدعى (الستوبات) يقوم من خلالها العازف بتغيير اللون اللحني للموسيقى، حسب طابع القطعة الموسيقية والعصر.

آلة الأورغن هي الأكثر تعقيداً بين الآلات الموسيقية وأصعبها، وتتطلب من العازف فصل حواس عالٍ وبنية جسدية قوية ليتمكن من التحكّم بها وأداء الموسيقى، أما آلية العمل على هذه الآلة فهي عن طريق بعض الخطوات.

الخطوة الأولى تشغيل الريجستر الصوتي الخاص بالأنبوب والخطوة الثانية الضغط على لوحة المفاتيح الذي يفتح مجرى الهواء من صندوق الهواء إلى الأنبوب ثمّ يخرج الصوت إلى الخارج. وهي تعدّ آلة نفخية تعزف عن طريق لوحة مفاتيح وهي الآلة الوحيدة التي يكتب لها الشكل الموسيقي للنوتة بثلاثة أسطر مختلفة المفاتيح بعكس الآلات الأخرى التي تعزف بسطر أو اثنين مكوّن من مفتاح أو مفتاحين.

اختيار آلة الأورغن

أما عن سبب اختياره لهذه الآلة، وكيف صنع أورغن متنقلاً يقول المصري:

منذ سنوات عدة جاء عازف من إيطاليا إلى دمشق يدعى أوجينيو ماريا فاجياني، ليقدم أعمالاً موسيقيّة ضمن مهرجان أسبوع الأورغن في دمشق، وكنت متواجداً ضمن الحضور. وعندها استمعت لموسيقى الأورغن بشكل مباشر. شعرت أن هذه الموسيقى الخاصة بالأورغن تنتمي لي. وهنا كانت بداية الرحلة فقد كنت أنوي التقدم إلى المعهد العالي للموسيقى اختصاص بيانو لأني عازف بيانو، إلا أني أدركت بعد حضوري هذه الحفلة أن آلة الأورغن هي التي تلامسني.

ولكن كان من المستحيل التقدّم للمعهد العالي للموسيقى بهذا الاختصاص لأسباب عدة أولها عدم وجود صف أورغن وعدم توفر الآلة في المعهد العالي للموسيقا. فذهبت إلى العميد السابق للمعهد العالي أندريه معلولي وطرحت إمكانية تقدّمي باختصاص أورغن فكان الرد منه دعنا ندرس الموضوع.

وبعد فترة قصيرة أخبرني العميد أنه سيتم افتتاح صف أورغن في المعهد، وتمّ عقد اتفاق بين المعهد والكنيسة في إيطاليا المشجعة لآلة الأورغن في سورية ولبنان، لإرسال مدرسين وتدريبهم في لبنان مع عازف إيطالي ليصبحوا مؤهلين لتدريس الآلة.

وعندما حان موعد التقدّم لفحص القبول في المعهد لم تكن آلة الاورغن قد وصلت من ايطاليا فطرحت للأستاذ فادي جبيلي فكرة تصنيع أورغن محلي متنقل يعمل على نظام ويندوز بلوحتي مفاتيح، فشجع الفكرة وساعدني على تصنيع الآلة وهي التي قدّمت بها فحص القبول في المعهد وقدّمنا بهذه الآلة حفلات موسيقية عديدة منها أول مشاركة لي في مسرح مركز الفنون البصرية مع كورال الحجرة التابع للمعهد العالي للموسيقى. وفي نهاية الفصل الأول في المعهد تمّ إحضار الأورغن الجديد من إيطاليا، فكان للآلة التي صنعتها النصيب بأن تبقى برفقتي فصلاً دراسياً كاملاً. والجدير بالذكر أنّي الطالب الأول الذي يقدم على المعهد العالي للموسيقى اختصاص أورغن.

الفرق بين البيانو والأورغن

وبما أن المصري كان يعزف أولاً على آلة البيانو ثم انتقل الى الأورغن كان لا بد أن نسأله عن الفرق بينهما. فقال: إن آلة البيانو تحتوي على لوحة مفاتيح واحدة أما الأورغن فيحتوي على لوحات مفاتيح عدة. فالبيانو هو آلة وترية تعمل على نظام مطارق بينما الأورغن هو آلة نفخية يعتمد خروج الصوت منه عن طريق أنابيب وصندوق هواء.

التفوّق الدراسي

وعن دراسته يقول المصري: الطموح والشغف لدّي هما أساس تفوقي باختصاص آلة الأورغن والمعهد قدّم لي الكثير من الدعم والكثير من المؤهلات التي ساهمت بتفوقي ومنها تقديم ورشات عمل لي بإشراف أهم عازفي الأورغن في العالم ومنهم العازف الإيطالي أوجيينيو فاجياني والعازف النمساوي روبيرت كوفاتش والعازف الكرواتي إدموند بوريك فقد تعلّمت منهم الكثير في علم آلة الأورغن، والآن أستاذي فادي جبيلي هو أستاذ الاختصاص الذي أتعلم منه الكثير من المعلومات القيمة موسيقياً.

ديو غنائي موسيقي

وتحدّث المصري عن  «الديو» الذي جمعه مؤخراً بالسوبرانو رشا أبو شكر التي اقترحت عليه تقديم عمل ثنائي ضمن ظروف الحجر المنزلي، فغنت الأوبرا بمرافقة آلة الأورغن طبعاً هي من منزلها والمصري من كنيسة اللاتين في دمشق علماً أنها الكنيسة الوحيدة التي تملك آلة الأورغن.

وتابع المصري لقد قمت بتصوير الفيديو بواسطة كاميرا الموبايل واستخدمتُ جهازاً آخراً لتسجيل الصوت، وهنا واجهتُ بعض الصعوبة في الحصول على صوت واضح بسبب عدم وجود مايكات، لكن لديّ معرفة ببعض البرامج الصوتية وبرامج المونتاج، فعملتُ على تطبيق الصوت والصورة وبعد محاولات عدة أرسلت الفيديو، هذه التجربة كانت تجربة جميلة تعكس حبنا للموسيقى وعندما نشرنا الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي نال إعجاباً كبيراً والكثير من المشاهدات، ومن خلال التعليقات والصدى الذي أحدثه الفيديو لمسنا حاجة الناس لأن تستمع لموسيقيين سوريين بعد أن أغلقت جميع الفعاليات والأنشطة الموسيقية والفنية في المسارح ودور العرض بسبب جائحة كورونا.

ولفت المصري إلى أن الرسالة التي سعينا لإيصالها تكمن في كوننا موسيقيين يتوجب علينا تقديم عمل موسيقي يخفف من وطأة الأيام التي نمرّ بها.

وأضاف المصري: هناك الكثير من الموسيقيين والفرق الموسيقية التي  قدّمت أعمالاً موسيقيّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالموسيقى هي لغة السماء عدا عن آثارها الإيجابية على النفس فهي تبعث شعوراً بالراحة وحتى لا يشعر الجمهور بابتعاد الموسيقى عنه أو غياب نشاطات فنيّة كهذه.

العزف مع الموسيقيين الكبار

وفي سؤال عن مشاركته الأولى مع كورال الحجرة بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان عبر المصري عن أهمية المشاركة مع كادر موسيقي مهم من مغنين وعازفين خاصة المايسترو ميساك باغبودريان. ففكرة ظهور العازف على المسرح يكسر حاجز الخوف لديه ويعتاد على رؤية الجمهور أمامه وتعلمت من هذه التجربة ان العازف يحتاج إلى التمرين بشكل مضاعف حتى يتمكن من أداء المقطوعات الموسيقيّة بشكل جميل على المسرح.

آلة الهارب

أما عن الشهادة التي قدّمت له من الشركة الايطالية لصيانة آلة الهارب قال المصري: تواصَلَت أستاذة الهارب رهف شيخاني في المعهد العالي للموسيقى مع الإيطالي بييترو موربيديلي صانع وصاحب شركة متخصصة بصناعة آلة الهارب في إيطاليا، لصيانة الآلات الموجودة بدمشق، فرحب بقدومه بنفسه ليعمل على تصليح آلات الهارب وعندما جاء موربيديلي إلى دمشق أخبر المايسترو ميساك باغبودريان أنه يريد تعليم صيانة الآلة لطالب باقتراح من المايسترو، فأخبرني المايسترو إن كنتُ أريد تعلم صيانة الآلة أم لا، فوافقتُ على الفور وقام موربيديلي بتعليمي ضمن ورشة مكثفة بكل ما يخص الآلة، فقمت بصيانة سبع آلات هارب تحت إشرافه ونلت إعجابه، وبعد انتهاء الورشة تكلم موربيديلي مع العميد عدنان فتح الله أنه يريد منحي شهادة مصدقة من شركته الإيطالية العالمية ومن عميد المعهد العالي للموسيقى، بأنني أصبحت قادراً على صيانة الآلة ومؤخراً قمت بصيانة ثلاث آلات وحدي وأنا الآن التقني الوحيد لآلة الهارب في سورية.

تأتي أهمية هذه الشهادة لكونها عالمية مصدقة من أهم صانعي آلات الهارب. فمن الجيد وجود تقني في سورية قادراً على صيانة الآلة عند حدوث أي أعطال فيها، كما أنها تعطيني دافعاً للاستمرار في العمل وتقديم أفضل ما لدي موسيقياً وتقنياً.

واقع الموسيقى والموسيقي في سورية

وفي نهاية حديثنا كان لا بد أن نسأل المصري عن واقع الموسيقى والموسيقيين في سورية. فالمصري يرى أن الموسيقى الكلاسيكية جمهورها قليل للأسف، وموسيقى الأورغن على وجه الخصوص، لكن يأمل مع الفعاليات التي تقدمها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية وبعض الفرق أن ينهض واقع الموسيقى بالعموم والموسيقى الكلاسيكية خاصة ويصبح أفضل مما هو اليوم.

يذكر أن العازف وسام منصور المصري هو من مواليد 1991، يدرس في السنة الثانية في المعهد العالي للموسيقى في دمشق اختصاص آلة الأورغن شارك مع كورال الحجرة في حفل موسيقي وله العديد من المشاركات في ورشات صيانة وسبق وصنع آلات عدة مختلفة. واكتسب هذه المهنة من والده وجده وهو أيضاً رسام أكاديمي يعمل على تصنيع لوحات من المسامير والخيطان على الخشب بأشكال هندسية لم يقم أحد بصناعتها من قبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى