عربيات ودوليات

ترهونة الليبيّة ترسّخ الانقسام الفعلي في ليبيا

 

سيطرت القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية أمس، على آخر معقل رئيسي لقائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر قرب طرابلس، بعد انهيار مفاجئ لحملة بدأها على العاصمة قبل 14 شهراً.

وعقب إعلان السيطرة على ترهونة واستعادة حكومة الوفاق كامل غرب ليبيا، تلقى السراج اتصالاً هاتفياً من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، تناول مستجدات الأوضاع العسكرية والسياسية في ليبيا، بحسب بيان صحافي.

وأكدت ميركل «حرص ألمانيا على تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، والعودة للمسار السياسي واستعدادها لدعم هذا المسار، كما أكدت الحرص على أمن واستقرار ليبيا».

من جانبه أكد السراج أن «لا حلّ عسكري للأزمة الليبية»، لافتاً إلى أن حكومته «لم تجد شريكاً حقيقياً للسلام ولا للعملية السياسية».

وأضاف «هناك مَن يطرح مناورات سياسية وليس مبادرات، بهدف إيجاد دور لشخوصهم، فما يحرّكهم هو المصالح الشخصية وليس مصلحة الوطن».

وتتلقى حكومة الوفاق دعماً من تركيا في حين يستمد حفتر الذي لا تزال قواته تسيطر على الشرق وحقول النفط في الجنوب الدعم من روسيا ومصر والإمارات.

وبدأت الأمم المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية في عقد محادثات مع الجانبين بهدف «إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار»، على الرغم من عدم الالتزام باتفاقات هدنة سابقة.

ويرجّح أن ترسّخ المكاسب التي حققتها حكومة الوفاق الوطني الليبي الانقسام الفعلي في ليبيا بين مناطق خاضعة للحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب واللتين يتنافس داعموهما الأجانب على النفوذ الإقليمي.

وساعد الدعم العسكري التركي، من خلال ضربات بطائرات مسيرة ودفاعات جوية والإمداد بمقاتلين سوريين متحالفين مع أنقرة، حكومة الوفاق على تحقيق نجاحاتها الأخيرة. وتعتبر تركيا أن «ليبيا شديدة الأهمية في حماية مصالحها بشرق البحر المتوسط».

لكن الجيش الوطني الليبي لا يزال يحتفظ بدعمه الخارجي. وقالت واشنطن في الأسبوع الماضي إن «موسكو أرسلت طائرات حربية إلى قاعدة الجفرة التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي»، رغم نفيه ونفي روسيا ذلك.

وتقول الأمم المتحدة إن «الأسلحة والمقاتلين يتدفقون على ليبيا على الرغم من حظر على السلاح»، مما ينذر بتصعيد أكثر شراسة.

على صعيد آخر، توقفت إيرادات الطاقة بالكامل تقريباً بعدما أغلقت قوات شرق ليبيا الموانئ النفطية، وأصبحت الحكومتان في الشرق والغرب تواجهان أزمة مالية وشيكة.

وتقع ترهونة التي تمّت السيطرة عليها من قبل قوات الوفاق الليبية في التلال جنوب شرق طرابلس وكانت قاعدة أمامية لهجوم حفتر على العاصمة. ويشير سقوطها السريع إلى أن «داعمي حفتر في الخارج كانوا أقلّ ميلاً لدعم مسعاه للسيطرة على البلد بأكمله بعد تدخل تركيا الحاسم لوقفه».

وقالت غرفة عمليات حكومة الوفاق الوطني في بيان إن قواتها «سيطرت على ترهونة بعد دخولها من أربع جهات». وقالت مصادر في الجيش الوطني الليبي إن «بعض السكان فروا باتجاه الشرق وإن عائلة الكاني التي تسيطر على ترهونة منذ عام 2014 انسحبت أيضاً».

وقال مسؤول تركي «تتحرّك قوات الحكومة الليبية سريعاً على نحو منظم وباستخدام طائرات مسيرة مسلحة. قد يكون هناك حلّ على الطاولة، لكن قوات حفتر تخسر أراضي بكل المقاييس».

فيما دعت منظمة العفو الدولية، التي وثقت في الآونة الأخيرة تهديدات مقاتلين تابعين لحكومة الوفاق الوطني بأعمال قتل انتقاميّة في ترهونة، إلى «وضع نهاية للهجمات الانتقاميّة من الجانبين على المدنيين».

وقالت المنظمة إن «قوات حكومة الوفاق الوطني التي تورطت في أعمال انتقامية أثناء تقدمها غربي طرابلس في نيسان لم تتعرض للحساب أو المساءلة حتى الآن». وأضافت أن «الجانبين شنا هجمات عشوائية في مناطق مدنية بأنحاء طرابلس في الأسابيع الأخيرة، بينما زُرعت الألغام ونُصبت الشراك على نطاق واسع قبل انسحاب الجيش الوطني الليبي والمتعاقدين الروس الذين يدعمونه».

وتأتي استعادة ترهونة عقب أقل من يوم واحد على استعادة السيطرة على طرابلس وضواحيها بالكامل، بعد تمكنها من إخراج قوات حفتر من جنوب العاصمة، إثر معارك استمرت أكثر من عام.

ونقلت صفحة «بركان الغضب» التابعة لحكومة الوفاق، عبر «تويتر» عن قنونو قوله إن قواتنا «تطارد فلول ميليشيات حفتر الهاربة من ترهونة»، مشدداً على أن التعليمات للقوات المقاتلة هي «الضرب بقوة وحزم لكل بؤر التمرد من دون رحمة أو شفقة»، حسب تعبيره.

كما أكد المتحدث أن القوات الحكومية أحكمت سيطرتها على كامل بلدة العربان الواقعة شرقي مدينة غريان.

وشدد قنونو على أن قوات حكومة الوفاق «لن تسمح لقوات الجيش الوطني التي انسحبت من ترهونة وجنوب طرابلس بالاختباء وزعزعة الأمن في مدينة بني وليد ومزدة ونسمة وما حولها»، مناشداً سكان بني وليد «عدم السماح لعناصر قوات حفتر بالتواجد بينهم».

وتابع: «كل مسلح هو هدف لقواتنا براً وجواً.. المعركة حسمت عسكرياً.. نبشر كل الليبيين الشرفاء اننا ماضون الى مدننا المختطفة ورفع الظلم عن ابنائها وعودة مهجّريها، وسنبسط سلطان الدولة الليبية على كامل ترابها وبحرها وسمائها»، حسب قوله.

من جهته أكد وكيل وزارة الدفاع الليبية، صلاح النمروش في تصريح له، أن «قواتنا واصلت تقدمها صباح الخميس وطاردت الميليشيات وطردتها من على أسوار طرابلس الكبرى، حيث هرب عدد من قادة حفتر إلى مطار مدينة بني وليد جنوب شرق طرابلس».

وبإعلان سيطرتها على كامل حدود العاصمة طرابلس أول أمس، وعلى مدينة ترهونة أمس؛ تكون حكومة الوفاق أنهت وجود قوات حفتر في الغرب الليبي، واستعادت كل المناطق التي انتزعتها تلك القوات عندما شنت حملتها على طرابلس قبل 14 شهراً.

ولم تصدر قوات حفتر أي تعليق رسمي عن خسارتها المدينة.

غير أن اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر قال في بيان مساء أول أمس، «نعلن إعادة تمركز وحداتنا خارج طرابلس، مع شرط التزام الطرف الآخر وقف إطلاق النار، وفي حال عدم التزامه، فإن القيادة العامة ستقوم باستئناف العمليات وتعلق مشاركتها في لجنة وقف إطلاق النار».

وأكد المتحدث أن «القرار جاء بناء على موافقة القيادة العامة للقوات المسلحة على استئناف مشاركتها في لجنة وقف إطلاق النار (5+5) التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وكمبادرة إنسانية، وحقنا لدماء الشعب الليبي، ومنعاً للاستهداف العشوائي للمدنيين في طرابلس من قبل ميليشيات الوفاق».

ويتزامن ذلك مع تكثيف الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تسوية النزاع الليبي ووضع حد للصراع الذي اندلع بين الطرفين في أبريل العام الماضي.

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مؤخراً أن حكومة الوفاق و»الجيش الوطني» وافقا على استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار بعد توقفها أكثر من ثلاثة أشهر، غير أن رئيس المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق فايز السراج صرح أول أمس من أنقرة بأنه «لن يعطي حفتر فرصة للتفاوض».

وتضم لجنة وقف إطلاق النار 5 أعضاء من قوات حفتر و5 أعضاء من قوات حكومة الوفاق، وقد أقرت ضمن حوار جنيف في شباط بهدف الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم.

ويعد المسار العسكري واحداً من ثلاثة مسارات، إلى جانب المسارين السياسي والاقتصادي، يتوجب اتباعها لاستكمال مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا لحل الأزمة، إلا أن اللجنة العسكرية علقت أعمالها عقب جولتي محادثات بسبب خلافات.

وفي أول رد فعل على استعادة كامل غرب ليبيا، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج إن «معركتنا ما زالت مستمرة، وعازمون على بسط سيطرة الدولة على كافة أراضي ليبيا».

وأضاف أنه «لا تنازل عن تطبيق العدالة والقانون لمحاسبة كل من اقترف جرائم بحق الليبيين»، حسب تعبيره.

في السياق نفسه، دعا وزير داخليته، فتحي باشاغا، كافة المدن التي تقع تحت سيطرة قوات حفتر بـ»العودة إلى شرعية الدولة»، حسب تعبيره.

وقال باشاغا «على أهالي المدن المختطفة من هذا المشروع الانتفاض لتجنيب مدنهم الحرب، والعودة لشرعية الدولة».

ومنذ إطلاق قوات حكومة الوفاق عملية «عاصفة السلام» مدعومة بطائرات تركية بدون طيار نهاية آذار الماضي، نجحت في استعادة السيطرة على قاعدة «الوطية» الجوية الاستراتيجية. وسبقت ذلك استعادة مدن الساحل الغربي، لتكون المنطقة الممتدة من العاصمة طرابلس غرباً وصولاً إلى معبر راس جدير الحدودي مع تونس، تحت سيطرة قوات حكومة الوفاق بالكامل.

وأدت المواجهات إلى سقوط مئات القتلى ونزوح أكثر من 200 ألف شخص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى