ليبيا في مفترق الطرق!
د. محمد سيد أحمد
ليبيا هي إحدى بوابات الأمن القومي المصري، التي شهدت منذ العام 2011 مؤامرة كبرى لتقسيمها وتفتيتها، من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، حيث قامت الإمبريالية العالمية باستهدافها، وحشدت قوات الناتو وقامت بقصفها بوحشيّة، بعد أن أخذت موافقة جامعة الدول العربية على ارتكاب جريمتها الشنعاء، وصمدت ليبيا ثمانية أشهر أمام القصف، ورفض الشهيد معمر القذافي الاستسلام وقاوم حتى النفس الأخير، وخرجت الجماعات التكفيرية الإرهابية ومعها بعض الليبيين الذين باعوا أنفسهم ووطنهم للقوات الغازية ليمثلوا بجثة الشهيد، في مشهد دراماتيكي مأساوي يعبّر عن خسّة ونذالة ولا إنسانية.
وبرحيل الرجل أصبحت الكعكة الليبية جاهزة للتقسيم، فكلّ من شارك القوات الغازية بدأ في البحث عن نصيبه من الثروة والسلطة الليبية، وعلى مدار التسع سنوات ونيف الماضية تحوّلت ليبيا لساحة للصراع ولم يتمكّن أي طرف من حسم الصراع لصالحه، وقبل عام تحرك المشير خليفة حفتر المسيطر على المنطقة الشرقية بقواته (الجيش الوطني الليبي) صوب طرابلس والمناطق الغربية لتحريرها من الميليشيات المسلحة التي تعمل تحت إمرة حكومة الوفاق التي يترأسها فايز السراج وغير المنتخبة من الشعب الليبي، لكنها معترف بها من الأمم المتحدة الراعي الرسمي لقوات الناتو والإمبريالية العالمية والطرف الرئيس في المؤامرة على ليبيا، وللأسف فشل في مهمته بعد أن استعان السراج بتركيا ذراع الولايات المتحدة الطولى في المنطقة، والتي نقلت آلاف الإرهابيين الذين سحقهم الجيش العربي السوري إلى ليبيا لمواجهة (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر.
وفي ظلّ أزمة كورونا التي تخيّم على العالم بأكمله تمكنت الميليشيات الإرهابية من إعادة السيطرة على طرابلس والغرب الليبي، وتهدّد باستكمال تمدّدها للسيطرة على ليبيا بأكملها، وهنا قد تجد مصر بين عشية وضحاها الجماعات التكفيرية الإرهابية على حدودها الغربية، وقد تتسلل إلى الأراضي المصرية كما يحدث على حدودنا الشرقية في سيناء منذ بدء موجة الربيع العربي المزعوم في العام 2011، لذلك تحرّكت مصر سريعاً وقامت باستدعاء كلّ من عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي المنتخب، وخليفة حفتر قائد (الجيش الوطني الليبي) المعترف به من قبل البرلمان المنتخب، وتمّ طرح مبادرة مصرية لحلّ الأزمة الليبية، جاء أهمّ بنودها على النحو التالي:
1 ـ احترام كافة المبادرات الدولية بوقف إطلاق النار.
2 ـ إخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية.
3 ـ تفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.
4 ـ استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية 5 + 5 بجنيف برعاية الأمم المتحدة.
5 ـ طرح مبادرات لحلّ الأزمة على كافة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية.
6 ـ ضمان تمثيل عادل لأقاليم ليبيا الثلاثة تحت إشراف الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
7 ـ توحيد المؤسسات الليبية بما يمكنها من القيام بدورها والتوزيع العادل للموارد الليبية على كافة المواطنين.
8 ـ اعتماد إعلان دستوري ينظم مقتضيات المرحلة المقبلة سياسياً وانتخابياً.
ويتضح من بنود المبادرة أنها بالفعل تسعى لحلّ الأزمة سياسياً وبعيداً عن المواجهات العسكريّة، والمبادرة تعدّ تبريداً للوضع الساخن على الساحة الليبية، وإحراجاً للمجتمع الدولي، ووضع القوى العظمى أمام مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية، ووضع الكرة في ملعب المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وتعدّ المبادرة إنذاراً أخيراً شديد اللهجة لأردوغان ومرتزقته الذين يعربدون فوق الأرض الليبية ويعبثون بشكل مباشر بالأمن القومي المصري والعربي.
ومن خلال القراءة المتفحّصة لبنود المبادرة كانت توقعاتنا تقول إنّ القوى الدولية سترحّب بها حتى ولو شكلياً وهو ما أعلنته روسيا وأميركا، لكنها سترفض من قبل الطرف الآخر، الذي يعدّ البندين الثاني والثالث من المبادرة تجريداً له من كلّ أوراق القوة التي يعتمد عليها ميدانياً وهى إخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها، لذلك جاء الردّ سريعاً على لسان محمد قنونو المتحدث باسم حكومة الوفاق الذي رفض المبادرة وأكد «أنّ حكومته المزعومة تتابع تقدّم قواتها بقوة وحزم لمطاردة قوات حفتر الهاربة»، مضيفاً «الميدان ميدان». وذكر «نحن لم نبدأ هذه الحرب، لكننا من يحدّد زمان ومكان نهايتها».
إنّ بقاء الوضع على ما هو عليه يعدّ تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، ويفتح المجال أمام كلّ الخيارات، وإنْ كانت مصر وقيادتها ما زالت تؤكد على أولوية حلّ الأزمة سياسياً، مع حرصها على وحدة الأراضي العربية الليبية، وعلى احترام المبادرات الدولية بوقف إطلاق النار، وخروج المرتزقة والإرهابيين، وإيقاف تدفق الأسلحة، وضمان تمثيل عادل لكلّ الأقاليم الليبية، وتوحيد المؤسّسات لضمان توزيع عادل للثروة على كلّ المواطنين، وعلى كلّ الأطراف سواء الليبية أو الإقليمية أو الدولية الإصغاء لصوت العقل، لأنّ مصر لن تقف متفرجة، ولن تسمح باقتراب الإرهابيين من حدودها، ولن تقبل بتهديد أمنها القومي من قبل المرتزقة ومحرّكهم أردوغان وسيده الأميركي.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.