الوطن

الأميركيّون يهيمنون فقط

على كامل ليبيا!

} د. وفيق إبراهيم

يتشابه التدخل الأجنبي في ليبيا مع الاجتياحات الخارجية التي تتعرض لها سورية منذ تسع سنوات متواصلة.

لكنه يختلف عنها، في تشكل تحالفات بين المستعمرين تضع الأميركيين في مشهدين شديدي التناقض.

لمزيد من التوضيح، فإن الميدان السوري ربط بين مشروع أميركي يعمل له حتى اليوم الخليجيون والاوروبيون ومنظمات إرهاب وأكراد، الى جانب محور تركيأخواني مع معارضات إرهابية، تنفذ المصالح الأميركية انما من خلال تأمين وضعية تركية متميزة في سورية تقف هذه التحالفات في وجه الدولة السورية المتحالفة مع إيران وحزب الله واخيراً روسيا.

هذا المشهد لا ينطبق على اوضاع ليبيا المنقسمة داخلياً الى قسمين: أحدهما في الغرب يترأسه فايز السراج مع الأخوان المسلمين وبعض قبائل الامازيغ البربر. هذا الفريق مدعوم بشكل عسكري من الأتراك وهذا طبيعي لعلاقتهم بالاخوان المسلمين الليبيين، لذلك يرسل الأتراك فصائل من جيشهم من عتاد عسكري بري وجوي وأكثر من اثني عشر الف مقاتل من المنظمات الارهابية والاخوانية من سورية الى الميدان في ليبيا.

اما المدهش هنا فهو تأييد الاميركيين لحلف «السراج تركيا» ودعمه أخوان ليبيا بذريعة زعم فيها وزير الخارجية الأميركية بومبيو، ان بلاده تريد وقف «الاجتياح الروسي» لليبيا.

لجهة القسم الليبي الآخر في الشرق فيقوده الجنرال حفتر قائد الجيش الليبي ويضمّ معه رئيس مجلس النواب الليبي المنتخب عقيلة صالح.

أما على مستوى الداعمين الخارجيين لحفتر، فهناك السعودية والإمارات ومصر ومعظم اوروبا واليونان وروسيا.

الأمر الذي يثير علامات استفهام كبيرة حول منطقية أن يكون الأميركيّون في محور في ما يتربّع الخليجيون واليونانيّون والأوروبيون في محور معادٍ، فهل هذا قابل للتصديق؟ وما هي خفايا هذه الانقسامات؟

انطلاقاً من أن معركة الهيمنة على ليبيا هي حرب السيطرة على الغاز في البحر الأبيض المتوسط. فيجب وضعها في اطار الصراعات الدولية، وهذا ما هي عليه الآن.

وبما أن اوروبا من اليونان الى ايطاليا وفرنسا واسبانيا على عتبة الديار الليبية كما قال رئيس الاتحاد الأوروبي فإن أوروبا المتعطشة للوقود الأحفوري – «القارة العجوز» – من اوائل المتدخلين في ليبيا، أليس الفرنسيون ومعهم دعم اوروبي من قصف موكب القذافي متسبباً بقتله؟

لكن الأوروبيين لم يجدوا مكاناً قرب السراج، فذهبوا لتأييد حفتر باستثناء الألمان الذين يهرولون في الميدان السياسي الليبي بين الغرب الاخواني الاميركي تارة والشرق الليبي الروسي الخليجي المصري تارة أخرى حسب اوزان العروض.

هناك ايضاً السعودية والامارات اللتان بدأتا بتدخل في ليبيا منذ اندلاع الصراعات الداخلية فيها، وكان طبيعياً ان تختارا الجهة الليبية التي لا تحتوي على اخوان مسلمين وأتراك. فالخليج يخاف المشروع الاخواني المعادي للممالك والإمارات فكيف اذا كان متقاطعاً مع العثمانية الجديدة الطامحة الى تجديد الخلافة؟

فلا يتبقى إلا الروس الذين وقفوا مع المشير حفتر لأنهم لا يريدون احتكاراً اميركياً للغاز في المتوسط ينافس كونهم المنتج الاول للغاز في العالم، كما انهم يتوجسون محاولة تركية لاستعادة موقع عثماني لا يناسب مشروعهم بالعودة الى الشرق الأوسط ومداه الإسلامي.

بذلك تجد الدول المشكلة لأحلاف العدوان على سورية نفسها في مواقع متعارضة ومتناقضة في ساحات ليبيا.

فالأميركيون والأتراك في وجه الاوروبيين والخليجيين والمصريين وهذا ما لا يقبله العقل السوري.

فليس بإمكان السعودية والإمارات ومصر وأوروبا الغربية والشرقية بكاملها ان تعادي السياسات الأميركية.

لذلك يجنح التحليل الى اعتبار سيناريو الصراعات الليبية مرسوماً بأقلام أميركية ترى في ليبيا والبحر المتوسط الأمل الأخير بتعويم النفوذ الأميركي المتراجع. والطريقة الوحيدة لمنع صعود روسي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

هذا ما جعل الأميركيين يمسكون بالحركة التركيةالعثمانية الاخوانية وذلك بتأييدها في الصراع الليبي، لمنع روسيا من التمدد التدريجي في ساحات ليبيا الى الجزائر، ألم تتمدد في سورية بمشاركة عسكرية كبيرة ادت الى اتساع سيادة الدولة على نحو 130 الف كيلومتر مربع وبشكل أصبحت فيه اللاعب الاكبر الذي يؤسس للانطلاق نحو الإقليم؟

هذا ما يكشف ان الاميركيين يهيمنون على الغرب الليبي عبر دولة السراج ويمسكون بدولة حفتر في الشرق عبر السعودية والإمارات ومصر وبعض دول اوروبا. بشكل لا يمكن لأي قوة ان تتفرد بإنتاج معادلة خاصة بها على اراضي ليبيا او بحرها.

هناك دليل يوضح المشروع الأميركي في ليبيا وهو ما ورد في خطاب الرئيس المصري السيسي الذي نادى بوحدة ليبيا وسيادتها ونزع سلاح الميليشيات وترحيل المقاتلين الأجانب والبدء بمفاوضات بين السراج وحفتر برعاية دولية.

لذلك كان الرافض الاول للمشروع المصري هم الأتراك الذين فهموه على انه رسالة أميركية لتجريدهم من نفوذهم في غرب ليبيا عند رجلهم السراج، كذلك فإن الروس الذين يجدون انفسهم في حلف مع مصر، يتبين لهم من خطاب السيسي ومبادرته انهم مستهدفون في دورهم البارز في دولة حفتر في الشرق عبر الإصرار المصري على سحب الميليشيات المسلحة، وهذه تضم اولاً وقبل اي تشكيل آخر «منظمة فاغنر» الروسية الخاصة التي ترسل آلاف المرتزقة الى ليبيا واسلحة ترسلها روسيا بواسطتها.

يتبين أن الاميركيين يحاولون ضرب نفوذين في ليبيا للأتراك والروس في محاولة للإمساك بكامل ليبيا تمهيداً لبناء ظروف مناسبة للسيطرة الأميركية على كامل البحر الابيض المتوسط بسواحله وأعماق مياهه، ولن يعدم الاميركيون وسيلة لإرضاء اليونانيين عبر وضع حد للأطماع التركية في قبرص ومياهها الاقليمية.

لجهة العرب في الخليج ومصر فليسوا اكثر من ادوات في خدمة المستعمرين لا ينالون مقابل ولاءاتهم إلا الحماية الغربية لأنظمتهم وعلى طريقة الرئيس الاميركي ترامب الذي يأمرهم فينفذون وكأنهم لم يسمعوا ما تعرضوا له من إهانات، هذا حال الانظمة الصغيرة وما اكثرها في بلاد العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى