قانون قيصر والأوهام الأميركية بإسقاط سورية…
} د. حسن مرهج
أيام قليلة ويدخل قانون قيصر الأميركي حيّز التنفيذ ضدّ سورية، إذ لم يعد مستغرباً أن نظام العقوبات الأميركي ينطلق من دواعٍ جيوسياسية، هدفها الأول والأخير إحداث شرخ في بنية محور المقاومة، على اعتبار أن سورية العمود الفقري لهذا المحور، انطلاقاً من موقعها الجيو– استراتيجي، ويبدو واضحاً أنّ ماهية هذا القانون، جاءت لتعويض الخسارة والانكسار الأميركي سياسياً وعسكرياً في سورية، خاصة أنّ الإدارة الأميركية تعاني من تصدعات استراتيجية في الشرق الأوسط، وبالتالي تراهن على وضع المنطقة وتحديداً سورية، في إطار العبث السياسي وضياع المنجزات وفق نظام اقتصادي، قد يؤدّي بشكل أو بآخر إلى تآكل ما حققته الدولة السورية خلال سنوات الحرب عليها.
الرئيس الأسد استشف مبكراً الواقع الذي تحاول واشنطن هندسته في سورية، بعد الانكسارات الأميركية المتتالية سياسياً وعسكرياً عبر أدواتها في الجغرافية السورية، إذ حدّد الأسد أنّ الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية القادمة ستنطلق وفق نهج أميركي، قوامه تحجيم وتعطيل قدرة الانتصار السوري، على إحداث معادلات شرق أوسيطة، تُخرج الأميركي من المنطقة، وبالتالي فإنّ الرئيس الأسد أكد على ضرورة مواجهة الحرب الأميركية الجديدة، وتأطيرها وإبطال مفاعيلها كما حدث في الحرب السياسية والعسكرية التي شُنت على سورية أميركياً.
في هذا الإطار، بات واضحاً انّ واشنطن تحاول جاهدة اسقاط الدولة السورية بأدوات اقتصادية، وهي بهذا تستهدف ضمناً روسيا وإيران، وعليه يمكن الاعتماد على جُزئيتين تتماشى والسيناريو المتوقع مستقبلاً جراء تداعيات وأثار قانون قيصر.
الأولى. لا شك بأنّ السوريين لديهم قراءات متعددة تجاه قانون قيصر، ويعتقد هؤلاء بأنّ هذا القانون تعوّل عليه واشنطن بشكل كبير، لجهة خلق حالة من الفوضى بين سورية وحلفائها، وبذات الإطار، من الممكن أن يؤدي هذا القانون بشكل أو بآخر إلى فتح قنوات تواصل جديدة بين واشنطن من جهة، وموسكو وطهران من جهة ثانية، ما يعني أنّ هناك رغبة أميركية لجذب حلفاء سورية، والتفاوض على ملفات الحل النهائي.
الثانية. غالبية السوريين يُدركون بأنّ دولتهم تتعرّض للعقوبات الأميركية والأوروبية منذ عقود، بمعنى آخر أنّ قانون قيصر شأنه شأن باقي القوانين الأميركية ضدّ سورية، وبالتالي فلا خوف على الاقتصاد السوري طالما أنّ هناك حلفاء أقوياء للدولة السورية، ومصيرهم الجيواستراتيجي مرتبط بشكل مباشر بالدولة السورية وبوابة دمشق الشرق أوسطية.
الوقائع والمعطيات تؤكد بأنّ وجهة النظر الثانية هي الأكثر منطقية، والمؤكد أنّ العقوبات الأميركية ليست وليدة اللحظة، بل أنّ دمشق وطهران هما أساساً حجر عثرة في طريق المشروع الأميركي في المنطقة، ولا سبيل لردعهم بحسب الإدارة الأميركية، إلا بسلسلة من العقوبات الاقتصادية، التي تعتمد على إرهاقهما، لكن الحقيقة تقول بأنّ دمشق وطهران قد اعتادوا على هذه السياسة الأميركية، وقاموا بهندسة حساباتهم السياسية والاستراتيجية، ضمن منطق العقوبات والحصار، فهذه طهران وتفوّقها التكنولوجي الذي وصل الفضاء، وها هي سورية التي حاربت الإرهاب وطوّرت من صناعاتها العسكرية بخبرات محلية.
في المحصلة، يمكننا القول بأنّ الدولة السورية وبمساعدة حلفائها، فإنها قادرة على تخطي قيصر، كما تخطت العقوبات الأميركية، وفي جانب أخر فإن غالبية السوريين يُدركون بأنّ كلّ السياسات الأميركية ترقى لإحداث شرخ بين الشعب السوري وقياداته السياسية والعسكرية، بُغية إسقاط سورية داخلياً، وبالتالي فإنّ الضغوط التي تُمارس على الشعب السوري، لن تُفلح في إجباره على تغيير بوصلته، فالحرب على سورية أسّست جبهة داخلية قوامها الإيمان الكامل بالرئيس الأسد وقراراته وقدرته على تغيير الوقائع، وكذا فإن هذه الحرب أسّست لمنظومة وعي سياسي بمخططات واشنطن تجاه سورية، كما أنّ الشعب السوري غالبيته مُزارعين بمعنى الإدراك الكامل لقيمة الأرض وارتباطها بالجذور العميقة للوطنية السورية، وهذا الشعب الذي تجاوز ما يُخطط له أميركياً، قادر على الاستمرار في هذه الحرب سنوات أُخرى، بل والانتصار بها، وتلقين الأميركي معنى الوطن والوطنية. فلا قيصر قادر على إضعاف سورية، ولا أيّ ممارسات أميركية قادرة على إحداث شرخ بين الشعب السوري ورموزه.