الوطن

المعارضة اللبنانيّة في خدمة السياسات الخارجية حصرياً!‏

} د. وفيق إبراهيم

المتابع اليوميّ لحركة المعارضات اللبنانية لا يبذل كبير عناء في اكتشاف التقاطعات الكاملة بين اهتمامات المعارضين اللبنانيين وبين البناءات الاساسية للسياسات الاميركية وما يتعلق بها خليجياً وإسرائيلياً.

في لبنان يستحوذ حزب الله على الاهتمام الأميركي المحوري فيصبح هذا الحزب بتاريخه وحاضره ومستقبله هدفاً يومياً لتجمعات من المعارضة الداخلية لا عمل لها إلا الرمي عليه من كل المواقع والاتجاهات ومن دون أن تنسى إطلاق نار كثيفة على تحالفاته الداخلية والإقليمية، فتصل الى حدود اصابة حكومة الرئيس حسان دياب برشقات في كل حركاتها حتى لو اقتصرت على طهي المجدرة.

للتوضيح فإن المعارضة في الأنظمة الديمقراطية هي فئة لم تربح الانتخابات فتسلمت طوعياً مهمة رصد الأعمال الحكومية ومتابعتها وانتقاد أي تقصير تقع فيه، الى ان يأتي موعد انتخابات جديدة، تأمل أن تدفع بها نحو تسلّم السلطة.

ما يجري في لبنان يعاكس هذا المسار ويختلق معادلة خاصة تبدأ من أن المعارضة الحالية والموالاة هما فريق من نظام سياسي واحد يتحمّلان سوية مسؤولية ما وصل لبنان إليه من انهيار اقتصادي يهدّد الدولة وربما اكثر.

فكيف يمكن لقوى من الحريرية السياسية ان تتهم حكومة حسن دياب بالتقصير عن مجابه انهيار اقتصادي يقول الأميركيون أنفسهم إنه ناتج من سياسات العقود الأخيرة؟

وهل يجوز لسامي الجميل اتهام الحكومة الحالية بالفساد المتصل بعهد أبيه الرئيس السابق امين الجميل، علماً أن عمر الحكومة الحالية لم يتجاوز المئة يوم.

وكيف يتجرأ الوزير السابق وليد جنبلاط على استهداف العهد الذي لم يمضِ عليه ثلاثة أعوام والحكومة الحديثة بالفساد والانصياع لسورية، وهو شريك التحاصص العميق منذ تسلمه قيادة حزب تقدمي اشتراكي، يقفزه يميناً وشمالاً في آن معاً بخفة بهلوان متمكّن.

لقد وصل الوضع الى مرحلة يظهر فيها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة داعياً الى العفة التي لم يعرفها في حياته والنزاهة التي تنشج عندما يتحدّث عنها.

هذا لا ينفي حق المعارضة بانتقاد الحكومات. لكن لبنان يمر بأسوأ مرحلة في تاريخه كما أن الحكومة الحالية فيها وزراء مستقلون وآخرون يجنحون نحو بري وجنبلاط وباسيل وأرسلان وفرنجية.

وتحتاج هذه الحكومة حتى تستطيع مجابهة الانهيار الى أموال من مؤسسات اوروبية ودولية وخليجية، لكنها لا تصل هذه المرة كما كان يحدث في مراحل حكومات هذه المعارضات. فهل يجوز اتهامها بالتقصير واستهدافها في كل دقيقة ودعوتها الى الاستقالة؟ هذا دفعٌ بالبلاد نحو المجهول لاعتبارات غير لبنانية. تخدم محاولات خارجية لتطويق لبنان من كل الاتجاهات.

إن هذه الصورة تتوضح اكثر من خلال التطابق الكامل بين سياسات اميركية واسرائيلية تواصل يومياً التسديد على سلاح حزب الله وبين معارضات تزعم أنها لبنانية، وتطالب يومياً بتجريد حزب الله من سلاحه.

فما سرّ هذا التطابق؟ انه يكشف ان هذه المعارضة تعمل على الأرض اللبنانيّة إنما لمصلحة السياسات الخارجية فقط.

اما الأسباب فموجودة في طريقة تشكل هذه المعارضات كآليات طائفية مذهبية مدعومة من الخارج منذ تأسيسها وتعتمد عليه لاستمرارها في السلطة.

فالنظام الطائفي محمي من الخارج الأميركي والأوروبي والخليجي، ويضخ المال لاستمرار قواه على شيء من القوة، بما يشبه حال معظم الأنظمة العربية التي تهاجم كل حركة في العالم لا تنسجم مع تغطيتها الخارجية الاميركية، وهناك لا بأس من العودة الى الإعلام السعودي والخليجي التابع بشكل أكيد لسلطاته السياسية. هذا الإعلام يتعامل مع اي موضوع بخلفية علاقاته بالسياسة الأميركية، فالعلاقات مع «إسرائيل» تصبح بالنسبة إليه ضرورة لأمن المنطقة وحزب الله إرهابي لمعاداته الأميركيين والرئيس بشار الاسد حاكم ديكتاتوري لأنه يحارب العدوان الاميركي وانتفاضة السود الأميركيين مؤامرة إيرانية صينية لاستهداف الديمقراطية الاميركية.

اليس هذا هو حال المعارضات اللبنانية وإعلامها؟

بذلك تنسجم سياسات الأنظمة العربية واللبنانية في التسديد على كل ما يضايق النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط والعالم بكامله. فمن يتصور ان الخليج يتهم الصين بكورونا لمجرد إرضاء الاميركيين؟

وكذلك فإن المعارضة اللبنانية تعمل على الحدود التي يريدها الأميركيون والخليجيون حتى لو تعارضت مع مصالح بلادها وهي تفعل ذلك دائماً.

فهل يجوز لهذه القوى استهداف سلاح حزب الله فيما الخطر الاسرائيلي يزداد عنفاً، والغاز اللبناني في الجنوب مهدّد.

لذلك فإن المعارضة اللبنانية ليست اكثر من آلية تحاول ضبط لبنان ضمن المعادلة الأميركيةالخليجية وبالتالي الإسرائيلية، وما يجذبها لهذا الدور هو رهانها على أن تدفع بها هذه المعادلة نحو تسلّم السلطة في بلاد الأرز. اي تماماً كما يريد آل سعود وزايد وثاني والصباح والسيسي وعبدالله الهاشمي والمغربي، كل هؤلاء يعملون على الطريقة اللبنانيّة في تأييد أعمى للأميركيين على حساب شعوبهم وحقها في التطور والازدهار وشيء من الكرامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى