الأميركيّون يهاجمون الروس في ليبيا بإدارات مصريّة
} د. وفيق إبراهيم
يبذل عبد الفتاح السيسي كامل إمكاناته في فنون التمثيل المسرحي لتأسيس حكم دائم له في رئاسة مصر.
فيقدّم نفسه من أهل «البركة» مسارعاً الى مساعدة رجل سقط فجأة أثناء مرور موكبه أو مكفكفاً دموع سيدات عجائز كن يعبرن الطريق بمحاذاة سيارته الرئاسية، فأُصبن بالذهول وانفجرن بدموع الفرح.
هذه الحركات هي للزوم الشارع المصري الحنون، أما لحاجات الخارج، فالسيسي جاهز لتنفيذ كل ما يريد الراعي الأميركي.
فما كاد وزير الخارجية الأميركي بومبيو يعلن أن الدور الروسي في ليبيا مرفوض وسيئ، حتى سارع الرئيس المصري الى استغلال عرض عسكري لجيشه، بالقرب من الحدود الليبيّة دعا إليه دبلوماسيون وسياسيون والعشرات من قادة قبائل شرق ليبيا وجنوبها. هنا قدّم السيسي خطة متكاملة استهلّها بأنه يعمل من أجل تحرير ليبيا بشعبها وقبائلها، مؤكداً أن قواته لن تبقى لحظة واحدة بعد التحرير، معتبراً أن التقدم المرتقب لجيشه هو بمشاركة عسكرية من القبائل الليبية.
هناك نقطتان لافتتان في كلام السيسي: الأولى إعلانه استعداد مصر لتدريب وتسليح الشباب الليبي، والثانية تهديده لتركيا بعدم اختراق قواتها خط مدينة سرت الحفرة. توحي النقطة الأولى بأن ازمة ليبيا طويلة جداً، فيما تكشف الثانية اعترافاً مصرياً بالاحتلال التركي للغرب الليبي حيث توجد دولة السراج.
لمزيد من التوضيح، فإن الدولة الليبية التي يقودها المشير حفتر انطلاقاً من بنغازي ومعظم الشرق والجنوب على مساحات ضخمة جداً تعادل سبعين في المئة من ليبيا، وتجاور مصر بآلاف الكيلومترات الحدودية وهذه هي المناطق المفترض للقوات المصرية المدعومة من عشائر ليبيا أن تنتشر فيها، ويصادف أن فيها قوات روسية مختبئة خلف شركة «ماغنز» الروسية الخاصة التي تؤجر مسلحين وتضم أيضاً عديداً عسكرياً متنوّعاً من قبل السعودية والإمارات مع عتاد بري وجوي متطور ومدربين من دول مختلفة.
بالمقابل يستغل الأتراك حركة الاخوان المسلمين في ليبيا خلفيتهم الايديولوجية للإمساك بدولة السراج في الغرب الليبي وتنظيم عمليات عسكرية واسعة للتقدم نحو مناطق دولة حفتر في الوسط والشرق.
فهل من باب المصادفة أن يكون وكلاء المشروع التركي في ليبيا هم الأميركيون مع مفاوضات عميقة لجذب الجزائريين وإيطاليا ونصف تونس.
فهل هناك عامل واحد قابل لأن يقبض حكاية وقوف السعودية والإمارات ومصر في وجه الدور الأميركي المؤيد للسراج الاخواني في ليبيا؟
هناك عشرات الأسئلة المتصاعدة حول حقيقة الدور المصري في ليبيا، لماذا تأخر سبع سنوات حتى انتبه الى أن ليبيا تتعرّض لتقسيم دموي يهدّد الأمن القومي لمصر والجزائر وتونس والسودان.
ولماذا ظهر السيسي بعد تطوّر الدورين التركي والروسي في ليبيا على المستوى العسكري؟
وكيف تغيب مصر عن حضور اجتماع مع السلطة الفلسطينية بحضور وزير خارجية الأردن، لرفض ضم الضفة الى الكيان المحتل؟
وتفرّ بسرعة نحو ليبيا؟ فتقدم تبريراً سطحياً مفاده انها منهمكة بأزمة سد النهضة الإثيوبي المهدد حصصها من مياه النيل وكذلك من ازمة ليبيا، والصراع في قطاع غزة هنا لا بأس من الإشارة الى ان مصر تلكأت اكثر من ست سنوات في التعامل الجاد والرصين بالنسبة لسدّ النهضة وتركت دولة الحبشة بمعونة أميركية – إسرائيلية واقتصادية صينية لتبنيه من دون اعتراضات جدية.
فماذا يجري؟
من الواضح أن الأميركيين يحاولون تجنب سيناريو سوري في ليبيا، تحتل فيه روسيا دوراً مركزياً كبيراً، فغطوا التدخل التركي بالأدوات المناسبة لتطوره وهو ذلك التقاطع بين آليات الاخوان المسلمين في حزب العدالة والتنمية التركي وإخوان ليبيا.
جاءت هذه التغطية هنا على شكل تدخل اميركي على المستويين السياسي والعسكري في ليبيا.
اما اسبابها فترتبط بمسألتين: الصراع على ثروات ليبيا المعروفة من الغاز والنفط او الدفينة التي لم تكتشف بعد، اما الجانب الأكثر أهمية فهو الصراع الواسع على البحر الابيض المتوسط بأعماقه ومياهه وسواحله، وهو صراع أممي واسع يشمل معظم اوروبا الغربية خصوصاً المطلة منها على مياهه مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا مع إسهامات المانية وانجليزية، كذلك فإن اليونان المتوسطية تشعر ايضاً انها معنية بهذا الصراع من خلال سواحلها المباشرة المطلة عليه وأقنيتها البحرية، بالإضافة الى ابوتها لقبرص الغنية جداً بالغاز في البحر والبر.
يضم هذا الصراع ايضاً اميركا وروسيا و»اسرائيل» وتركيا، اما العرب فمتفرّجون غافلون على الرغم من انتشارهم على ثلثي سواحل هذا البحر، إلا أن الاميركيين وجدوا ان استخدام القوة المعنوية والعسكرية لأكبر بلد عربي يجاور أيضاً ليبيا هي وسيلة ناجعة للقضاء على الدور الروسي أولاً الذي يثير ذعر الاميركيين بشكل فعلي فيما تعتبر الدولة الاميركية العميقة ان بإمكانها إرضاء الأتراك بما يتيسر لديها من نفوذ في ليبيا. لكن هذا الكرم الأميركي مع اردوغان يثير ذعر الأتراك الذين يعتقدون ان السياسة الاميركية تحاول إرضاءهم ببعض عقود النفط والغاز الليبية مقابل تأييدهم لدولة كردية في شرق سورية.
وهذا ما اشار اليه وزير الخارجية التركي الذي أيد أهداف قانون قيصر الرامي الى خنق سورية، لكنه أبدى قلقه من أن يكون هناك هدف أميركي إضافي في قيصر يذهب نحو هذه الدولة الكردية.
الارض العربية اذاً في ملاعب صراعات الأمم وأصحابها غائبون او متواطئون كحالة السيسي فيقدمون خدمات مجانية للأميركيين مقابل حماية أنظمتهم والمزيد مع التمثيل المسرحي والادعاءات بالعزة والكرامة.
ليبيا إلى أين؟ لن تذهب للتماثل مع القضية السورية لأنها لا تمتلك قيادة وطنية بمستوى الرئيس بشار الاسد، فالسراج دمية تركية وحفتر مشير وهميّ يقوده السيسي وابن سلمان وابن زايد، وكل هؤلاء يعملون بأزرار أميركية منصوبة لتأمين المصالح الاستراتيجية لبلادها.
