الوطن

عن المشروع الأميركي في لبنان.. هل تقاطع واشنطن عون؟

} روزانا رمّال

سعى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الى وضع المشهد «الدقيق» الذي يعيشه لبنان وضمن منطق الصيغة الوطنية الجامعة نصب أعين القيادات اللبنانية وحصر أي تطور امني او تدهور تحت هذا السقف ليظهر «الانقسام» قبل انعقاده صباح الخميس برفض بعض القيادات فكرة الاجتماع والدعوة ككل، فبين رافض للشكل دستورياً وللمضمون «ظرفياً» أي عملا بعدم جواز الخروج من دون نتيجة تنقذ اللبنانيين من الضائقة تقدم مشهد وحيد يؤكد أن المقاطعة التي تمت سياسية بامتياز، وهي إذ تكشف للرئيس عون عمق الهوة والتباعد السياسي معه كشفت أيضاً بشكل او بآخر تقاطع مصالحها مع قوى خارجية تجد في المقاطعة موقفاً مناسباً في هذه الظروف.

السؤال الأساسي اليوم هو عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية «برئاسة الجمهورية» والعلاقة تبدو جيدة وطبيعية ولا يوجد أي نوع من القطيعة التي كانت موجودة في عهد الرئيس اميل لحود في لحظات ما بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري؛ وبالتالي فان الذهاب بعيداً باعتبار ان واشنطن تقاطع بعبدا او عون يمثل بالنسبة اليها جناحاً «سورياًإيرانياً» غير واقعي حتى اللحظة. وبالعودة الى بعض الانتقادات الاخيرة الموجهة من قبل جمهور الثنائي الشيعي وبعض كوادرهما «خِفيةً» فإن واحداً منها هو تساؤل حول سبب خروج العميل «عامر فاخوري» في هذا العهد أياً كانت اسباب هذا الإفراج وظروفه وأياً كان المرتكبون. فالفكرة بكيفية مرور حدث كهذا في عهد عون من دون إمكانية السيطرة عليه فبدا كل من عون ومعه حليفه نصرالله خاضعين لأسئلة وأجوبة ذهبت حدود الخيال. اما بالنسبة لحرص الرئاسة على التعاون مع واشنطن فهو حرص كامل دفاعياً «دعم الجيش» ومالياً منذ بدء العهد.

 واذا تم التسليم جدلاً بأن مقاطعة الرئيس ميشال عون واردة أميركياً جراء تموضع «جبران باسيل» كرئيس للتيار الوطني الحر حليف حزب الله، فإن الجواب هو سقوط هذه النظرية ايضاً «حتى اللحظة». فالأميركيون يجرون اتصالات بباسيل ولا تزال زيارة المبعوث الأميركي دايفيد هيل وتخصيص باسيل باجتماع ودي طويل معه حاضرة بأذهان اللبنانيين والأفرقاء الذين همسوا تشكيكاً حيال سبب هذا التقارب الأميركي قبيل إعطاء حسان دياب الثقة لتوليه الحكومة.

مقاطعة الأميركيين للرئيس ميشال عون الذي طالب بخروج القوات السورية من لبنان ليست واردة من بوابة الازمة السورية معنوياً، ولا من بوابة قانون قيصر. فعون الذي لم يزر سورية حتى اللحظة وعلى الرغم من أنه قدّم دعماً معنوياً لها فانه لا يقاس بدعم حزب الله حليفه الاول لها. وبالتالي فان القرار الأميركي بمقاطعة عون أو باسيل ليس وارداً بمنطق البراغماتية الأميركية التي تطفو على السطح منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 والسبب صعود أو بروز نجم قوى شعبية سيادية او مسلحة او تابعة لأجندات إقليمية قادرة على إحداث فوارق ضمن المجتمعات التي تغزوها يذكر منها امتداد غير مسبوق لجماعة الاخوان المسلمين التابعة لحزب الحرية والعدالة التركي والتي ينبثق عنها امتداد يصل حد الجماعات المسلحة في فلسطين أبرزها حركة حماس. وبالنسبة للميادين العربية فالجماعة تقدمت في ليبيا ومصر وتونس وسورية في أكثر من مناسبة ولم يكن الدعم الأميركي لها في مصر وللقوى المؤيدة للسعودية الا خير دليل على هذه البراغماتية. ولهذا فإن الحديث عن ذهاب الأميركي لقطيعة ميشال عون نحو نهاية الطريق غير واردة، فكيف وهو الممثل الاول لشريحة كبرى من المسيحيين عكس الرئيس اميل لحود الذي لا يمثل حزباً أو جهة شعبية.

السياسة الخارجية الأميركية لم تبنَ تاريخياً على مقاطعة الجهات السياسية الا في حالة واحدة وهي ولادة «مشروع» تذهب فيه واشنطن الى نهاية الطريق. وهو المشروع عينه الذي طال سورية بعد القرار 1559 وتمّت مقاطعة الرئيس السوري بشار الاسد منذ ذلك الوقت حتى اللحظة أما وان الموقف الأميركي من بعبدا ليس بهذا الحجم من التطرف حيالها، فإن الحديث عن مشروع أميركي يصل لحد إسقاط العهد ليس وراداً لينحصر المشهد عند حزب الله فقط.

الأمر نفسه ينسحب على الرئيس حسان دياب، فالسفيرة الأميركية دائمة التواصل معه على الرغم من اعتبار الحكومة حكومة لون واحد «حليفة لحزب الله» إلا ان الغياب الأميركي وسط الغياب السعودي سيعني حضور إيران من الباب العريض. وهذا ما لا تطمح اليه واشنطن بالتأكيد.

هل تريد واشنطن الفوضى في لبنان؟

تكشف المرحلة التي تم اعتبار الرئيس حسان دياب فيها بديلاً عن الرئيس سعد الحريري أن الأميركيين لم يضغطوا على حلفائهم لعدم تسمية دياب رئيساً أو تمرير الاستحقاق ولعدم إعطاء الثقة او إعطائها. وهذا اذ يدل على خشية أميركية من الانفلات في لبنان؛ والمشهد اليوم الذي يعني «ستاتيكو» سياسياً ليس الا ترجمة للستاتيكو الاقليمي الذي يناسب الأميركيين اليوم في لحظة انتظار الانتخابات الأميركية ومحاذيرها.. لكن هذا الستاتيكو لا ينسحب على التقدم التركي في المنطقة ولبنان قد لا يكون بعيداً عن هذه الأهداف..

يؤكد مصدر سياسي مطلع لـ»البناء» أنه «لا يوجد مشروع أميركي واضح المعالم حتى اللحظة بل ان واشنطن تتعاطى مع حلفائها على «القطعة». ولقاء بعبدا ليس إلا دليلاً على ذلك فحلفاؤها يستشيرون السفيرة في كل مستجدّ من دون ان تكون الخطوات واقعة ضمن اجندة واضحة. وهذا يترك حلفاء واشنطن في ارتباك أكيد، وهو الارتباك نفسه الذي يعيشه خصومها وربما هي سياسة واشنطن المستحدثة اليوم بعدم كشف الاوراق او اللعب بين السطور، لكن المؤكد اليوم هو فتح النار على حزب الله ليس من بوابة قانون قيصر، لأن الضغط بدأ من قبله بل من بوابة الحل السوري الذي يتطلب من الحزب بدء الإعلان عن انسحابه من سورية تدريجياً للبدء بحل واضح حيال الأزمة. واذا لم يقدم حزب الله أي تنازل إقليمي فسيكون من الصعب ان يتراجع الأميركيون من دون ثمن لأن هذا الثمن حاجة انتخابية ملحّة وخدمة كبيرة لـ»إسرائيل»، خصوصاً بعد فشل تحقيق إنجاز سريع في صفقة القرن».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى